“الآباء الجادون في تربية أطفالهم ليكونوا أشخاصًا مهذبين في المستقبل يقضون وقتًا مروعًا في توجيههم. فليس من الكافي فقط أن يكون لدينا مجموعة من القيم الجيدة ليكتسبها أبناؤنا، بل يجب أن نوصل هذه القيم إليهم بطريقة مباشرة. على سبيل المثال فالسكوت عندما يتصرف الأطفال بشيء من الأنانية يوصل رسالة واضحة للطفل بأن هذا السلوك غير مرفوض، وهذه الرسالة تعمل على تقبل الأنانية لدى الطفل، أكثر من النتائج المستفادة من اتباع منهج الأبوية غير التحكمية. فنحن نحتاج لإنشاء قيم أخلاقية واضحة، ولنكن صرحاء بخصوص ما نتوقعه منهم، بطريقة تجعل تصحيحنا المباشر لأفعالهم أقل احتياجًا” ألفي كوهين.

كيف تُربي طفلًا يتحمل نتيجة تصرفاته، بحيث تكون لديه إمكانية تصحيح أخطائه وتجنب تكرارها، سواء كان هناك من يراقب أفعاله هذه أو كان وحده.

ولذلك فعليك القيام بالخطوات التالية:

  • عليك أن تعطيه إرشادًا واضحًا عن المبادئ والثوابت الأخلاقية والتصرف المتوقع منه.
  • كن متواجدًا بجانبه دائمًا، بحيث يرغب طفلك في أن يفعل الشيء الصائب ذاتيًا.
  • أعطه الأدوات اللازمة لإدارة مشاعره مما يساعده على أن يتحكم في سلوكه.
  • مكنه من رؤية نتائج أفعاله الجيدة، مما يدفعه لتكرارها.

خطوات صعبة؟ بالفعل، هذا كل ما نحاول إيضاحه لك لكي تستطيع تربية طفل مسئول ويراعي مشاعر الآخرين وسعيد عن طريق التواصل معه لا عن طريق استعمال العنف.

في مقال سابق تحدثنا عن: “لمَ لا يساعد العقاب على تعليم طفلك تحمل المسئولية”. وربما أسوأ ما في استخدام العقاب هو أنه يقلل بشدة من تأثيرك على طفلك. كما قال توماس جوردن. “النتيجة الحتمية لاستخدام القوة للتحكم بتصرفات أبنائك وهم صغار، هي عدم تعلمك أبدًا أن تكون صاحب تأثير حقيقي عليهم”.

لكني أتفهم لما قد يشعر البعض بالتوتر تجاه هذه الطريقة. فجميعنا يريد تربية طفل مسئول ومراعٍ للآخرين ومتعاون. لكن ألن يصبح الأطفال منفلتين بدون عقاب على أخطائهم؟

الاجابة هي لا. لن يصبحوا منفلتين. لكنهم سيصبحون منفلتين بدون إرشاد وتوجيه سليم.

 والعقاب والإرشاد ليسا نفس الشيء على الإطلاق. فالعقاب هدفه هو إلحاق أذى – مادي أو معنوي – لإجبار الطفل على فعل الأمور كما نرغب. بينما الإرشاد هو توضيح الطريق الذي ننصح به للطفل، مع تبيان لما نعتقد أن هذا المسار هو المسار الأصوب، ونمنح الطفل بعد ذلك الأدوات اللازمة ليبقى في هذا المسار بإرادته.

إذا لم نرغب في استخدام القوة – والتي تؤدي لنتائج عكسية مع الطفل – فكل ما نحتاجه كآباء هو أن نتمكن من التأثير على الطفل فقط. ولأن البشر يقاومون الإجبار فاستخدام التأثير يحقق نتائج أفضل لترسيخ القيم والسلوكيات السليمة. فحينها يختار الأطفال القيام بالفعل الصائب ليحذوا حذو آبائهم.

ومن أهم الإرشادات والتوجيهات للطفل:

تفهم وجهة نظر الأطفال عند وضع الحدود

نحن نقوم بتوجيه الأطفال يوميًا فيما يتعلق بسلوكياتهم، ويتضمن هذا أحيانا وضع حدود. فلا يمكنهم ضرب زملائهم، ولا الجري في الطريق، ولا يمكنهم إلقاء طعامهم على بعضهم البعض… إلخ. وإذا وضعنا تلك الحدود بصرامة فسيتعلمها الأطفال في النهاية لكن مع الكثير من المقاومة منهم. لكن إذا وضعنا تلك الحدود مع تفهم لوجهة نظرهم، مثال: “أعلم أنك شديد الغضب لما حدث، لكني لن أدعك تؤذي أخاك. تعال معي وسأساعدك في أن تشرح له ما تشعر به تجاه ما فعل”.

عندها سيشعر الطفل أنه مفهوم وسيتقبل تلك الحدود باستعداد أكثر. فهم أكثر تقبلًا للمشاركة بدلا من مقاومة تطلعات الآباء.

التواصل

عندما يبدأ الطفل في الشعور بأنه منفصل عن أهله لأي سبب مثل الشعور بالغضب تجاه الأهل أو عندما يشعر أبواه بالغضب منه أو عندما يغيب أهله طوال اليوم… إلخ.  حينها ينتحي الطفل جانبًا حتى تقوم أنت بمعالجة هذا الانفصال وآثاره. وعلى العكس عندما يشعرون بالتواصل مع الأهل فحينها يكونون متقبلين للتوجيه بصورة أفضل. وعندها يرغبون في أن يُحسنوا التصرف ويتعاونوا ليُشعروا أهلهم بالسعادة. وأيضًا بما أننا أهم أشخاص في حياة أبنائنا، فهم على أتم استعداد للاستماع لتوجيهاتنا، طالما كانوا مقتنعين أننا بجانبهم. ولكن العقاب يؤدي لتآكل هذا التواصل لأننا نتعمد إيذاء الطفل سواء بدنيًا أو نفسيًا.

التعاطف

عندما يكون ردنا التلقائي للطفل متعاطفًا معه، فهو يطور بالتالي تعاطفه تجاه الآخرين سواء كانوا من أقاربه أو من غيرهم. فيعاملون الجميع بشكل حسن لأنهم يهتمون بما يشعر الآخرون. وقد قال لي ابني المراهق ذات مرة “عندما كنت صغيرًا فقد ساعدتني على أن أرى أن ما أقوم به يمكن أن يؤذي الآخرين أو يساعدهم، ولم أرد أن أتسبب بأذى لأي أحد”.

التعاطف هو أحد مقومات الأخلاق الحسنة.

القدرة على الإصلاح

جميعنا لنا أخطاء، وقد قمنا في وقت أو آخر بتدمير علاقتنا بأشخاص نهتم بأمرهم. وعلى الأطفال أن يعلموا أنه يمكنهم إصلاح أخطائهم وجبر خواطر من آذوهم. فبمجرد أن يهدأ طفلك، قم بمساعدته لمعرفة ما يستطيع فعله لإصلاح ما قد أفسده. لكن عليك بمقاومة الرغبة بجعل هذا نوعًا من العقاب وإلا فسيقاومك الطفل ويضيع الدرس الأهم.

التدريب العاطفي

عندما يتعلم الأطفال كيف ينظمون مشاعرهم، فحينها يمكنهم السيطرة على سلوكياتهم ويحسنونها ويتعاونون مع الآخرين. ولا سبيل للتحكم في المشاعر إلا بتقبلها وتفهمها.  فابدأ بتفهم كامل مشاعر طفلك وانفعالاته، وحاوطه بكل ما تستطيع من الحنان، وداوم على اللعب معه في المنزل لتتفهم مشاعره. يعطي هذا لطفلك الدعم اللازم ليستوعب ويُنظم مشاعره، وبهذا يستطيع إخراج أفضل ما عنده. ويتعلم أن لكل فعل حدودًا لا يجب أن يتجاوزها وأنه جيد كما هو بكل عواطفه المعقدة. وهذا الشعور بالحسن هو ما يساعد على تحقيق نوايانا الصالحة.

القدوة

فالأطفال يتعلمون قيمهم وتنظيم عواطفهم مما يفعله الآباء، وليس مما يقولونه. وكما قالت ابنتي المراهقة من قبل “دائما ما أنصتِ لنا وساعدتِنا على إنجاز أمورنا بدون عقاب. لذلك تعلمنا أن نستمع لبعضنا البعض وللآخرين ونحاول إنجاز الأمور لتحقق المنفعة لكل الناس ولا نستخدم العنف لتحقيق ما نريد”. وملاحظة ذلك هو ما يساعد الأطفال على المشاركة في البناء.

الحوار

الأطفال يتعلمون من التجربة المصحوبة بوجود قدوة تطبق ما يتعلمونه. ودورك هو توفير النموذج اللازم لهذا التطبيق. وهذا يعني الكثير من الحديث والاستماع لطفلك يوميًا. فإذا كنت تتحدث فقط عند حدوث مشاكل، فاعلم أنك ستقابل العديد من المشاكل نتيجة لذلك.

مساعدة طفلك في تولي زمام أموره وتحمل المسئولية يحدث يوميًا عندما تضع حدودًا تستوعب أفكاره، وتتواصل معه، وتحنو عليه، وتساعده على إصلاح ما أخطأ به، وتدربه عاطفيًا، وتقدم له القدوة، وتناقشه.

ستلاحظ أن العديد من هذه النقاط هي عملية وقائية. فالوقاية دائمًا هي الوسيلة الأفضل، لأن عند وقوع الخطأ من الطفل فستقل خياراتك المتاحة للتعامل معه. ولحسن الحظ فعندما تربي ابنك هكذا فقليلًا ما سيخرج عن النص. وبمجرد ما تتخلص من عادة العقاب وترى مدى استعداد طفلك للتعاون فلن تحتاج العقاب مرة أخرى.

* نص المقال الأصلي يتحدث عن تربية الفتيات لكن تم تعميمه لشمول النصائح لكلا الجنسين.

المصادر

تحميل المزيد