قبل أيام، انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لإحدى الفتيات العشرينات في إيران، تواجه تضييقًا وصل إلى الاعتداء عليها، وطرحها أرضًا من جانب عدد من العناصر النسائية ترتدي لباسًا شرطيًّا وتنتمي إلى فرع «شرطة الأخلاق» في إيران، بعدما اكتشفوا أنها مرتدية وشاحًا لم تضعه بشكل ساتر كليًّا على رأسها.

مقطع الفيديو الذي التقط بكاميرا موبايل، صنع أزمةً داخليةً كُبرى في إيران، دفعت الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى إلقاء خطاب، بثه التلفزيون الرسمي، قال فيه إنّ: «تعزيز الفضيلة في البلاد لا يتم من خلال العنف»، موضحًا أنّ «البعض يقول بأنَّ نشر الفضيلة ومنع الرذيلة يكون بالنزول إلى الشارع، وجذب الناس من رقابهم، لكن العنف لا ينشر الفضيلة».

يحاول التقرير التالي التعرف إلى «شرطة الأخلاق»، التي أشار إليها الرئيس الإيراني في خطابه، وما هي مهامها، والوظيفة التي أتاحها لها الدستور الإيراني، وحجم سلطاتها على المواطنين في إيران.

«شرطة الأخلاق».. 7 آلاف عنصر في العاصمة طهران فقط

مع وقائع الثورة الإيرانية عام 1979، خرجت جموع الشعب الإيراني مبتهجةً بسقوط حُكم الشاه. ظنت هذه القطاعات أن الثورة ستمنحهم آفاقًا جديدة، ومساحةً من الحريات الفردية تعوضهم عن سنوات الاستبداد السياسي. لكن ذهبت كُل هذه الآمال والظنون أدراج الرياح؛ بعدما تحولت إلى «الثورة الإسلامية»، وتأسست شرعية السلطة الحاكمة على الدين.

Embed from Getty Images

الشرطة الإيرانية تقبض على عدد من المواطنين

حدث حينها أن ارتفعت أجساد «غير إسلاميين» على مشانق مثبّتة في أوناش احتلت شوارع المدن الإيرانية، وحوصر كُل مخالف لمعتقدات السلطة الدينية الجديدة الحاكمة في البلاد، وأصبحت إيران «جمهورية إسلامية»؛ وباتت اللحظة مواتية آنذاك لإعلان تأسيس شرطة للأخلاق، التي باتت رمزًا لهيبة السلطة في الدفاع عما تعتقده أخلاق مواطنيها. حينها، أعلنت أعلى سلطة في البلاد لباسًا إسلاميًّا مفروضًا على النساء اللاتي يتجوّلن في الأماكن العامة، إذ يلتزمن بتغطية شعرهنّ، وارتداء ملابس طويلة فضفاضة.

تمثّلت مهام هذه المجموعات، المتواجدة بالشوارع والأماكن التي تعرف إقبالًا كبيرًا، في تطبيق الأخلاقيات العامة الإسلامية التي تفرضها إيران، وتحذير من يشتبه في مخالفتهم للقواعد، والقبض على المخالفين، أو فرض مخالفات مالية. ويُقدر رئيس الشرطة السابق في أبريل (نيسان) 2016، عدد أفراد شرطة الأخلاق بنحو 7 آلاف عنصر في العاصمة طهران وحدها.

وتُعرف دوريات هذه الشرطة في شوارع المدن الإيرانية «بدوريات الإرشاد»، والتي تُشير شهادات مواطنات ومواطنين إيرانيين إلى أن أغلب المواقف التي تعرضوا فيها للإيقاف كانت على خلفية ظهور نساء في أماكن عامة بتسريحة شعر «غير ملائمة»، أو عدم التزامهن بتغطية شعورهن بشكل «كافٍ»، أو «إكثارهنّ» من الماكياج.

 

يمتد الأمر كذلك إلى الشباب، ممن تعرضوا للإيقاف، ووصل الأمر بهم إلى حد التوبيخ والزج بهم في السجون، بسبب قصات شعر بعضهم، أو ارتداء بنطلونات جينز تحاكي الموضة الغربية. لا ينحصر دور هذه الدوريات على توقيف كُل مخالف للقواعد التي حدّدتها الدولة؛ بل يدفعونهم إلى سيارات «دورية الإرشاد»، وينقلونهم إلى «مؤسسة الإصلاح»، حيث تتولى عناصر منهم تعليم «المخالفين» كيفية التصرُّف بصفته «مواطنًا صالحًا»، وقد يتطوَّر الأمر في بعض الحالات إلى توقيع عقوبة عليه بالمثول أمام القضاء، أو دفع غرامة مالية.

تمتد مهام شرطة الأخلاق في إيران كذلك إلى اقتحام الأماكن العامة والمتنزّهات خلال تنظيم الحفلات؛ للكشف عن هيئة المواطنين، وتناولهم للمشروبات الكحولية من عدمه. كانت واحدة من هذه الوقائع حين اعتقلت شرطة الآداب الإيرانية، في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2017، نحو 230 شخصًا في حفلة بمناسبة احتفال «شب يلدا» في العاصمة طهران، وذلك على خلفية تناولهم الخمر.

وشهدت إيران في عهد خاتمي خلال الفترة ما بين 1999- 2005 نوعًا من الانفتاح النسبي، انعكس على حركة السيدات في الشارع، وتخفيف قبضة شرطة الأخلاق، قبل أن تعاود هذه القبضة في ولاية أحمدي نجاد، لتتراجع من جديد في ولاية روحاني، الذي ساهمت دعواته المتكررة في الحد من عنف الشرطة الدينية.

سياسة

منذ 4 سنوات
يأبى الاستسلام للمرشد.. أحمدي نجاد يواصل صراع «القط والفأر» في إيران

«غيرشاد» و«روحاني».. كيف يتحايل الإيرانيون على شرطة الأخلاق؟

سعى مواطنون إيرانيون لابتكار عدة تطبيقات إلكترونية لاستخدامها في الإفلات من دوريات الإرشاد المنتشرة في الشوارع؛ كتطبيق أطلقوا عليه اسم «غيرشاد» (Gershad)، ويعتمد تصميمه اعتمادًا أساسيًّا على خدمة GPS لتحديد موقع هذه الدوريات.

كانت هذه المحاولة من جانب مُطوري التطبيق انعكاسًا لصور النساء اللاتي تعرضن للضرب من طرف عناصر «دوريات الإرشاد»، والمنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفرصة للاحتجاج على الظلم الذي لحقهنّ بطريقةٍ تكاد «تخلو من الخطر»، وفقًا لما أعلنوه.

Embed from Getty Images

صور بعض السيدات الإيرانيات يسرن في شوارع طهران

ويعتمد هذا التطبيق بشكل أساسي على التبليغ من جانب مستخدميه عن حاجز «دوريات الإرشاد» فور رؤيته، وكلما زاد عدد المبلّغين عن موقع الدورية، يقوم التطبيق بضمان تثبيت الحاجز في المنطقة، وبالتالي يتجنَّب بقية مستخدمي التطبيق المرور بالمنطقة التي توجد فيها الدورية، ويغيرون طريقهم.

اشتراك آلاف من الإيرانين على هذا التطبيق، وتداوله بين أجهزة المحمول وسط قطاعات كبيرة، دفع السلطات الإيرانية إلى منعه بعد 24 ساعة من طرحه، كحال مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، التي تضع السلطات الإيرانية قيودًا على استخدامها. وبحسب مُطوري تطبيق «غيرشاد»، فإنّ «شرطة الأخلاق» الإيرانية عام 2013، أوقفت 3 ملايين امرأة، وتم إجبار 207 آلاف منهن على توقيع اعتذار خطي للدولة. كما تم إحالة قضية 18 ألف امرأة منهن إلى القضاء.

وسعت ناشطات إيرانيات إلى تنظيم أكثر من وقفة احتجاجية لمعارضة مهام هذه الشرطة، والتي كان أبرزها حملة «الأربعاء الأبيض»، في يونيو (حزيران) العام الماضي، والتي عرفت مشاركة واسعة من الإيرانيات عبر صور وفيديوهات تظهرهن مرتديات لباسًا أبيض، ومن دون حجاب، احتجاجًا على قانون الحجاب المفروض في البلاد.

مجتمع

منذ 4 سنوات
«فتيات شارع الثورة».. حركة جديدة ضد الحجاب الإجباري للنساء في إيران

وساهم بلوغ الرئيس الإيراني حسن روحاني مقعد السلطة في تخفيف قبضة الشرطة الدينية على المواطنين؛ خصوصًا بعدما صدر قرار في 30 ديسمبر عام 2017، بعدم اعتقال النساء اللواتي يتجولن في الأماكن العامة بدون غطاء الرأس، ولن يتم رفع دعاوى قضائية ضدهنّ. تخفيف هذه القبضة تزامنت مع مطالبة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الشرطة أن تكون متساهلة أكثر في المسائل الاجتماعية، خصوصًا في قضية ارتداء الحجاب.

تأكد ذلك بعدما أعلن قال قائد شرطة طهران، الجنرال حسين رحيمي، أنّ «المخالِفات اللاتي لا يلتزمن باللباس الإسلامي، لن يتم اقتيادهنّ إلى مراكز الاعتقال، ولن يتم رفع دعاوى قضائية ضدهنّ، وسيحضرن بدلًا من ذلك فصولًا دراسية تنظّمها الشرطة لهن، لكن إن تكررت مخالفتهنّ للقواعد، يمكن أن تتخذ ضدهنّ إجراءات قانونية».

ليست شرطة الأخلاق فقط.. هناك أيضًا «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»

بالتوازي مع أدوار شرطة الأخلاق، التي تأخذ صفةً رسميةً باعتبارها واحدةً من مؤسسات الدولة المسئولة عن بعض الأمور، تتواجد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر في صورة مبادرةٍ تطوعية بين مجموعة من الأفراد، لتأدية مهام شبيهة بما تفعله شرطة الأخلاق، تنطوي على نشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقًا لهم.

Embed from Getty Images

بعض سيارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إيران تسير بالشوارع

تشكّلت الهيئة عام 1993، من مجموعة أفراد في المجتمع الإيراني بشكل تطوعي منهم؛ قبل أن تجد هذه المبادرة قبولًا ودعمًا سياسيًّا من مُرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، ووصف الهيئة بـ«المؤسسة الثقافية التي تعنى بنشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع».

«تذكر لساني وظيفة همكاني»، أي ما يعني بالعربية «التنبيه الشفهي مهمة الجميع»، تأخذ الهيئة هذا الشعار منذ بدء مهامها في عام 1993 بمجموعات صغيرة في خمس مدن إيرانية، قبل أن يصل تواجد مجموعاتهم إلى 210 مدن وقرى. في عام 2003، أخذت أدوار الهيئة شكلًا أكثر تنظيمًا، عبر تأسيس هيكل إداري لها، ومكاتب تمثلها في عدة مناطق، فضلًا عن تشكيل إدارة مالية نالت دعم العديد من المؤسسات الرسمية، ما جعلها أشبه بمؤسسة رسمية دون أن يكون ذلك موثقًا بقوانين تنظِّم عملها.

وفقًا لشهادات مواطنات إيرانيات، لموقع «العربي الجديد» تعرَّضن للتوقيف من جانب أفراد تابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالتطبيق العملي لمهامهم على الأرض تتعلق بشكل رئيسي بالحجاب واللباس الإسلامي، وتقديم النصح للمارة بكلا الأمرين دون زجر أو إحالتهم للمحاكمة كما تفعل شرطة الأخلاق.

تصل أعداد لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل أنحاء البلاد والمدن والضواحي حوالي ألفي لجنة، كما ساهم الدعم الرسمي لها في وجود ممثليها في عدة مؤسسات رسمية مختلفة، معظمهم من الشباب والشابات، لا تتجاوز أعمارهم 30 عامًا، خصوصًا في وقت حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، قبل أن يتأثَّر هذا الوجود سواء في الشوارع أو التمثيل لدى المؤسسات الرسمية مع قدوم روحاني، الذي تراجعت في عهده قبضتها ونفوذها كثيرًا.

وفقًا للأمين العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحمد زركر، فإنّ «أعضاء الهيئة ينبهون بعض السيدات، وحتى بعض الرجال الإيرانيين، إلى طريقة ارتداء الملابس، وأمور أخرى تتعلق بالأخلاق الإسلامية، ويعلمونهم في الوقت ذاته كيفية نشر هذه الثقافة».

ويضيف قائلًا: «إنّ عملهم يعني تطبيق المادة الثامنة من الدستور الإيراني، والتي تحضّ على الأمر بالمعروف وفعل الخير». هذه المهام التي أشار إليها الأمين العام للهيئة جعلت كثيرًا من المواطنين والمواطنات الإيرانيات يشتبكن معهنّ؛ في دلالةٍ على عدم قبول هذه الأدوار التي يرونها «تسلّطية»، ويتضح عدم القبول من خلال الغضب الكبير بين أوساط المجتمع الإيراني على خلفية رش الحِمض على وجوه أربع سيدات في أصفهان وسط البلاد، من جانب شباب يتبعون الهيئة، وذلك في أواخر عام 2014.

المصادر

تحميل المزيد