مع بداية العام الجديد قرَّر المغرب إغلاق جميع مدارس مجموعة «محمد الفاتح» التابعة لفتح الله جولن المعارض التركي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ما اعتبره البعض بمثابة رد الجميل للحكومة التركية التي منعت أنشطة «جماعة العدل والإحسان» في تركيا.
وعلَّلت وزارة الداخلية المغربية إجراء منع المؤسسات التعليمية التابعة لجولن، بأنها «تجعل من الحقل التعليمي مجالًا خصبًا للترويج لإيديولوجية هذه الجماعة، ونشر أفكار تتنافى مع مقومات المنظومة التربوية والدينية المغربية»، مردفة في بيان لها، أنه تقرر إغلاق جميع المؤسسات التابعة لهذه المجموعة بأجل أقصاه شهر واحد، بعد تسجيل عدم استجابة مسؤولي المدارس المذكورة لتنبيهات وزارة التربية الوطنية لتصحيح الاختلالات بمناهجها التعليمية.
وخلّف القرار غضبًا عارمًا بين أولياء الأمور؛ الذين وجدوا أبناءهم تحت مصيرٍ مجهول؛ إثر إغلاق تلك المدارس التي يدرس بها أبناؤهم. ونفى المسؤولون الأتراك في مجموعة مدارس محمد الفاتح المبررات التي قدمتها الداخلية المغربية، مُؤكدين عزمهم اللجوء إلى القضاء لفك الحظر عن مدارسهم.
من جانبها أبدت السلطات التركية ارتياحها للقرار المغربي؛ إذ قال حينها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»: «نرحب بقرار وزارة الداخلية المغربية إغلاق مدارس منظمة فتح الله جولن الإرهابية في غضون شهر»، واصفًا القرار بأنه «مؤشر على التعاون الوثيق بين البلدين».
ولم يمض شهر على إعلان حظر مدارس جولن بالمغرب، حتى أقدمت السلطات التركية من جهتها في مطلع فبراير (شباط) الجاري، على منع قيادات جماعة العدل والاحسان من دخول بلادها، حيث تفاجأ عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان عمر إمكاسو، من عدم السماح له من دخول الأراضي التركية دون إبداء الأسباب.
اقرأ أيضًا: جماعة العدل والإحسان في المغرب.. أية رهانات؟
وعلّق القيادي بجماعة العدل والاحسان على قرار منعه دخول تركيا قائلًا «لا أملك تفسيرًا لما جرى، ولا علم لي بخلفية القرار، ولا أملك ما أقول، إلا أنني باشرت الإجراءات القانونية اللازمة». وكانت السلطات التركية أيضًا قد منعت ندوة فكرية في إسطنبول كانت ستنظمها مؤسسة عبد السلام ياسين، مؤسس جماعة العدل والإحسان.
وتشترك كل من جماعة جولن في تركيا وجماعة العدل والإحسان بالمغرب في معارضتهما السياسية للنظام الرسمي في بلديهما، علاوة على التقائهما في المرجعية الإسلامية، وكلاهما يتعرضان للتضييق من قبل السلطات الرسمية بالدولتين المغربية والتركية.
دلالات حظر جولن في المغرب ومنع العدل والإحسان في تركيا
يعتقد بعض المحللين أن تزامن التضييق على جماعة جولن في المغرب والعدل الإحسان في تركيا، ليس مجرد مصادفة نجمت عن ارتكاب الجماعتين الإسلاميتين أخطاء قانونية بالبلد المضيف جعلتهما في وضع منبوذ؛ وإنما بناءً على تفاهمات ضمنية بين النظامين السياسيين في تركيا والمغرب من أجل صرف حسابات سياسية مع الجماعتين المعارضتين، بغض النظر عن العلاقة الجيدة لكل جماعة بالدولة المضيفة.
لذا فإن الكاتب إدريس الكنبوري يصف قرار حظر مدارس جماعة جولن في المغرب بـ«القرار السياسي»، على اعتبار وجود مدارس أجنبية غير حكومية أُخرى في المغرب لها مناهج مختلفة عن المناهج الرسمية لوزارة التعليم؛ لكنها تشتغل بشكل طبيعي، ومنذ سنوات تعمل مدارس محمد الفتاح في المغرب دون أن تتهم بمخالفتها المناهج أو الترويج لأيديولوجية معينة، ولم يحدث ذلك إلا بعد ظهور الصراع بين النظام في تركيا وبين جماعة جولن للعلن.
وفُتحت أول مؤسسة تعليمية تابعة لجماعة جولن أبوابها في المغرب سنة 1994 في طنجة، قبل أن تفتتح مدارس أخرى في مدن تطوان والجديدة والرباط والدار البيضاء ومراكش وأغادير؛ لتصبح مجموعة مدارس جولن مسؤولة عن تعليم أكثر من 2400 تلميذ، إلا أن قرار حظرها الأخير سيقود إلى اختفاء أنشطتها في المملكة.
وكانت جماعة جولن على وفاق مع حزب «العدالة والتنمية» في تركيا، حين كان يسعى كلاهما لأهداف مشتركة، وفي نفس الوقت يغرسان الفكر الديني في تركيا وخارجها من خلال وسائل الإعلام والجمعيات والمؤسسات التعليمية، ويعارضان الأحزاب العلمانية.
بيد أنه في السنوات الأخيرة تحول حليفا الأمس إلى عدوين لدودين، وأصبح الداعية التركي فتح الله جولن رجلًا مطلوبًا لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ بعد أن اتهمه بتأسيس دولة موازية، ومشاركته في محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو (تموز) 2016.
ومن ثمَّ شنت السلطات التركية حملة شرسة لتقويض مؤسسات جماعة جولن داخل تركيا وخارجها، ودعت الخارجية التركية في هذا الإطار المغرب عقب محاولة الانقلاب، إلى منع مؤسسات جولن التي تعمل في المملكة؛ لتلبي الأخيرة هذا الطلب مع بداية السنة الجديدة.
في المقابل لا تسمح السلطات التركية لجماعة العدل والإحسان بتأسيس فرع لها في تركيا، بل إنها أقدمت مؤخرًا على منع قيادات الحركة من دخول أراضيها، وحظرت بعض أنشطتها الدعوية في إسطنبول.
وكان هذا القرار التركي مثيرًا للاهتمام، خاصة مع إعلان الجماعة تأييدها لأردوغان الذي تعتبره «زعيمًا للأمة الإسلامية»، كما أنها سارعت إلى إدانة محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا، وتنفي كلما تسنّى لها أية صلة تجمعها بجماعة جولن، لكن الحكومة التركية لا يبدو أنها مستعدة لانزعاج المملكة المغربية، خاصة بعد إعلان الأخيرة حظر مدارس جولن.
وتعتبر جماعة العدل والإحسان، التي تتبنى توجهًا إسلاميًا يجمع بين الصوفية والسلفية، أحد أبرز الحركات السياسية المعارضة للنظام في المغرب، وشارك أتباعها بكثافة في حراك 20 فبراير (شباط) 2011، إبان تظاهرات الثورات العربية.
من جهة أخرى، يقرأ بعض المراقبين أن التضييق على جماعة العدل والاحسان في تركيا يدخل في سياق السياسة التركية الأخيرة، التي باتت أكثر تقاربًا مع المملكة العربية السعودية، مُبتعدةً عن جماعات الإسلام السياسي التي قد تكلفها خسارة علاقتها الخارجية مع بلدان صديقة، كما حصل مع مصر، الأمر الذي لا يبدو أن أردوغان مستعدًا له.
مثلما يمكن أن يكون قرار حظر مدارس جولن في المغرب، حسب المحلل المنار إسليمي، إجراءً طبيعيًا يدخل ضمن سياسة الدولة المغربية الجديدة في محاربة «التطرف» في البلاد، حيث تشن حملة واسعة للحد من انتشار الفكر السلفي داخل الجمعيات والمؤسسات التعليمية، ولكن ما قد يُؤخذ على هذا التفسير أنّ جماعة جولن تتبنى الفكر الصوفي هي أيضًا.