ضاعف المغرب وتيرة تسلحه العسكري في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وسط سياق جيوسياسي متوتر، يشجع حكومات بلدان المنطقة على الهرولة في سباق تسلح غير مسبوق سعيًا للتفوق وصدّ التهديدات الأمنية الجديدة، خاصة مع استعار حرب الوكالة في ليبيا وفوضى الساحل الأفريقي.

صفقات عسكرية ضخمة

منذ العام الماضي إلى الآن عقد المغرب صفقات عسكرية ضخمة لاستيراد أسلحة عديدة ومتنوعة، معظمها من الولايات المتحدة الأمريكية، من بينها طائرات مقاتلة وصواريخ ذكية ودبابات وسفن وذخائر، لتعزيز قواته العسكرية. كان أبرزها، إبرام المغرب أضخم صفقة عسكرية في تاريخه مع الولايات المتحدة الأمريكية، بقيمة تقارب 5 مليارات دولار، لاقتناء سرب من 25 طائرة «F16V»، وترقية 23 طائرة أخرى «F16» تملكها المملكة مسبقًا، باعتبار ذلك خطوة نوعية تدعم سياستها العسكرية التي تركز على التفوق الجوي.

كما اشترى المغرب أيضًا المئات من قاذفات الصواريخ المضادة للدروع «TOW» و«ITAS»، وأزيد من 2400 من صواريخ التردد اللاسلكي «TOW2A»، بالإضافة إلى 28 من صواريخ تردد الراديو «TOW2A»، وأيضًا مجموعة قنابل ذكية خاصة بالطائرات، وذلك بقيمة قرابة المليار دولار.

وفي مارس (آذار) من العام الجاري، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على طلب القوات المسلحة الملكية اقتناء 25 مدرعة، تعزز بها ترسانة الأسلحة الحديثة والذكية التي تتوفر عليها المملكة، بتكلفة مالية تقدر بـ 239 مليون دولار، وتشمل الصفقة العسكرية أيضًا منظومات مضادة للتشويش وقنابل دخانية للتغطية، ورصاصًا مخترقًا للدروع، ومعدات دعم الاتصالات والاختبار والتدريب العسكري.

ومؤخرًا، أعلنت شركة «بوينغ» الأمريكية لصناعة الطائرات أنها وقعت مع القوات المسلحة الملكية عقد شراء 24 مروحية أباتشي AH-64E، سيتم تسليمها ابتداءً من سنة 2024، بتكلفة إجمالية تبلغ 1.6 مليون دولار. ليصبح المغرب واحدًا من دول العالم القليلة التي تحصل على مروحية أباتشي.

ومن المتوقع أن تستمر وتيرة التسليح في الفترة القادمة، حيث يطمح المغرب إلى اقتناء أسلحة نوعية أكثر فعالية، كنظام الصواريخ «باتريوت» للدفاع الجوي، وطائرات الدرونز، والغواصات. غير أنه لن يكون من السهل الحصول على مثل هذه الأسلحة بالنظر إلى تكلفتها الاقتصادية المهولة، وارتهانها بالحسابات السياسية للدول التي تصدرها.

تسلح تمليه تحديات المنطقة

وتأتي هذه الصحوة العسكرية للمغرب في خضم الأوضاع المضطربة التي تمر بها منطقة شمال أفريقيا، لا سيما في ليبيا، التي أصبحت ساحة مفتوحة لحرب الوكالات، مع مزيد من التدخلات العسكرية الأجنبية المباشرة، وهو ما يثير قلق الدول المغاربية المجاورة في احتمال انفجار الوضع هناك، وإلقاء ظلاله على المنطقة ككل.

كما تُلقي تلك الصفقات العسكرية، التي أبرمتها المملكة، الضوء على سباق تسلح متسارع في منطقة المغرب العربي بين المغرب والجزائر، في محاولة للفوز بالهيمنة والتفوق في منطقة مهمة يُعاد تشكيلها سياسيًا وعسكريًا حاليًا. وتربط المغرب مع الجزائر علاقات متوترة، بسبب موقف الأخيرة المناهض للمغرب في قضية الصحراء، وقد خاض البلدان المتجاوران معارك مباشرة في 1963 و1978 ومعارك غير مباشرة عبر جبهة البوليساريو الانفصالية، والتي استمرت لأكثر من 16 عامًا، وإلى اليوم لا تزال قضية الصحراء والتنافس العسكري مع الجزائر المحرك الرئيسي لسباق التسلح في المنطقة.

وقد صُنّف البلدان المغاربيان من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أكبر مشتريين للأسلحة في أفريقيا، حيث حصل المغرب على 26٪ والجزائر على 30٪ من إجمالي مبيعات الأسلحة في القارة كلها، ويبدو المغرب مؤخرًا عازمًا على اللحاق بالجزائر في ميدان التسلح العسكري، فقد سجّل تقدمًا في تصنيف «جلوبال فاير باور» لأقوى جيوش العالم، للعام الجاري 2020، إذ احتلت القوات المسلحة الملكية المرتبة الـ56 عالمياً من أصل 138 جيشًا شمله التقرير الأمريكي الشهير. وكان المغرب في تصنيف سنة 2019 يحتل المرتبة الـ60 عالميًا، ما يعني تقدمه بأربع مراتب.

نهج غير خال من المخاطر

يسعى المغرب، من خلال التسلح العسكري المتزايد، إلى تعزيز أمنه الدفاعي وسط تصاعد التهديدات الأمنية إلى مستوى لم تعرفه المنطقة منذ عقود، كما أن هذا التسلح يمكن أن يكون مجرد تحديث لترسانته العسكرية، التي تحتاج إلى استبدال وصيانة من وقت لآخر، ومع ذلك فقد يترتب عن ذلك تداعيات جانبية.

على سبيل المثال، تنظر الجزائر إلى الجهود المغربية في تعزيز ترسانته العسكرية باعتبارها تهديدًا يمكن أن يزيحها من عباءة التفوق الإقليمي العسكري، مما قد يؤدي، حسب مرصد ستراتفور، إلى مخاطر تأجيج التوتر الكامن بين الجارتين، ودخول بلدان المنطقة في سباق تسلح جنوني، ما قد يزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد تحدث مؤخرًا عن قلق بلاده من إعلان المغرب، خلال مايو الماضي، عن بناء قاعدة عسكرية في إقليم جرادة بالقرب من الحدود الجزائرية، إذ قال في حوار مع صحيفة لوبينيون الفرنسية، «هناك تلاسن دائم بين البلدين، ولكن الشعبين شقيقان، ولدينا تاريخ مشترك طويل ونحن جيران ومحكوم علينا بالتعايش. بالنسبة لنا ليس لدينا أدنى مشكل مع المغرب ونحن نركز على تنمية وطننا، ويبدو أن أشقاءنا المغاربة ليسوا في هذا الخط، فتشييد قواعد عسكرية على الحدود هو نوع من التصعيد ويجب إيقاف هذا» على حد تعبيره.

كما أثار تسلح المغرب بصواريخ أمريكية متطورة مضادة للسفن من نوع «هاربون بلوك 2»، لحماية مياهه الإقليمية انزعاجًا إسبانيًا، إذ راسل حزب «اسيودادنوس» الإسباني وغير الممثل في الحكومة، الكونجرس الأمريكي، من أجل وقف بيع 10 صواريخ مضادة للسفن من طراز AGM-84LB، بالإضافة إلى معدات عسكرية ذات صلة بقيمة مالية تبلغ 62 مليون دولار، للمغرب.

من جهة أخرى، تضيف الصفقات العسكرية الجديدة ثقلًا أكبر على ميزانية الدولة، إذ زادت ميزانية الدفاع الوطني لعام 2020 بنسبة 29.25% مقارنة بسنة 2019، إذ ارتفعت من 35.1 مليار درهم إلى 45.4 مليار درهم، بمعدل إنفاق سنوي يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في حين تحتاج البلاد، خاصة عقب تداعيات كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي، إلى إنفاق مزيد من الأموال على الصحة والتعليم وتوفير مناصب الشغل للشباب في ظل المخاطر الاقتصادية التي يفاقهمها الفيروس على اقتصاديات العالم كله.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد