يعيش الشارع المغاربي صدمة كبيرة على أثر إقدام السلطات على اعتقال الصحافي الشهير «توفيق بوعشرين»، اعتُقل الرجل وبعض العاملين معه بدون تهمة، قبل أن تعود السلطات لتتهمه بـ«اعتداءات جنسية»، فيما يرى الصحافيون أن هذا الحدث جاء لإسكات صوته كمعارض للحكومة.

سلطت قضية «بوعشرين» الضوء من جديد على مستوى الحريات الإعلامية في المغرب؛ إذ تؤكد مجموعة من التقارير الحقوقية  أن المملكة المغربية هي بيئة غير آمنة للعاملين في المجال الإعلامي؛ بدليل حوادث الاعتقال والترهيب والضرب التي تنال من الصحافيين المغاربة، وقد كان «حراك الريف» دليلًا على هذا التعامل الذي ندد به الشارع المغربي.

اقرأ أيضًا: حراك الريف المغربي.. مطالب مشروعة ونزعات انفصالية

«بوعشرين» في قبضة الأمن المغربي

مساء الجمعة 23 فبراير (شباط) الحالي، كان الصحافي المغربي «توفيق بوعشرين» يهم بمغادرة مقر الصحيفة التي يرأس إدارتها: «أخبار اليوم»، قبل أن يتفاجأ والعاملون معه باقتحام 20 شرطيًا بزي مدني لاقتياده معهم، وصف المعارضون المغاربة طريقة المداهمة تلك الطريقة بـ«الهوليودية».

الصحافي المغربي «توفيق بوعشرين»

لقد اعتقل «بوعشرين» بضعة أيام بدون معرفة التهم الموجهة إليه، ولا الدواعي القانونية، ولذلك قال المحامي «محمد زيان»: «اعتقلوه وهم يبحثون له عن تهمة»؛ فقد جاء في بيان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء أنه «بناء على شكايات توصلت بها النيابة العامة، أمرت هذه الأخيرة بإجراء بحث قضائي مع توفيق بوعشرين، كلفت به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية». وأضاف البيان: «من أجل ضمان مصلحة البحث، وحفاظًا على سريته، وصونًا لقرينة البراءة، فإنه يتعذر في هذه المرحلة الإفصاح عن موضوع الشكايات».

يعقب النائب البرلماني السابق «رشيد سليماني» على هذا البيان بالقول: إنه «قد أقرّ بمخالفة هذا الفعل للقانون الذي يحول دون اعتقال أي مواطن لمجرد تسجيل شكايات ضده من طرف مواطنين آخرين»، ويضيف في مقال له: «وكأنّي بالرجل تتم متابعته بناء على قانون افتراضي للأدلة السرية، على غرار ما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل وجود قوانين تسمح للحكومة هناك باستعمال أدلة سرية لاعتقال شخصٍ ما دون تمكينه من الاطلاع على التهم التي أُلْصِقَتْ به أو الأدلة التي سِيقت لإدانته، كما يمكن احتجازه لفترة قد تفوق أربعة أعوام».

فيما تم لاحقًا إصدار بيان آخر للنيابة العامة جاء فيه أن «البحث القضائي بحق بوعشرين خاص بشكاوى تتعلق باعتداءات جنسية، ولا علاقة له بمهنة الصحافة»، ولم تكتف الحكومة المغربية باعتقال بوعشرين، بل استدعت النيابة لاحقًا عاملين بالصحيفة ذاتها، أو مواقع تابعة لها، مثل موقع «اليوم 24»، وموقع «سلطانة»؛ الأمر الذي فاقم من حدة ردود الفعل الغاضبة في الشارع المغربي، وخاصة في أوساط الصحافيين، بالرغم من اختلاف آرائهم، وكان أبرز من تم اعتقاله مديرة نشر موقع «سلطانة»، «ابتسام مشكور»، التي داهمت عناصر أمنية بيتها، وطلبت منها مرافقتها، فيما لم تكشف العناصر الأمنية بمدينة الدار البيضاء سبب التوقيف.

اعتقال «بوعشرين» الأخير ليس الخلاف الأول له مع الحكومة؛ إذ أسدل الستار قبل شهر على قضية امتدت ثلاث سنوات في المحاكم المغربية؛ وذلك حين أدين بتهمة «تشويه السمعة»، حين نشرت جريدة «أخبار اليوم» في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 مقالات تتحدث عن تآمر وزيري الفلاحة والصيد البحري والاقتصاد والمالية ضد رئيسهما في الحكومة السابقة، وقد حُكِم على بوعشرين مؤخرًا بتعويض الوزيرين ماليًا بـ40 ألف يورو.

 وقال «بوعشرين» في تعليقه على  الحكم على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «أنا متضامن معكما لأن مطلبكما الأول للقضاء كان مليار سنتيم (10 ملايين دولار) كتعويض للتعليق على خبر صحيح»، وتابع القول: «عندما يحرر القاضي الحكم، سننشره للعموم؛ لنكتشف أين هي التهمة، لكن من الآن نقول: إن الصحافة ليست جريمة، وأخنوش ليس مقدسًا، وجمع المال مع السلطة فيه مفسدة كبرى، والكلمة الأخيرة للرأي العام والتاريخ».

وفي العام 2009 حكم علي «بوعشرين» بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ، وبتسديد عطل وضرر بعد نشر «كاريكاتور» في صحيفته اعتبر مهينًا للعائلة الملكية والعلم الوطني، وكذلك في يونيو (حزيران) عام 2010، حُكم على بوعشرين بالسجن ستة أشهر بسبب قضية احتيال متعلقة بصفقة عقارية.

لماذا اعتقل «بوعشرين» والعاملون معه؟

تعتبر صحيفة «أخبار اليوم» واحدة من أهم الصحف العربية والأكثر تأثيرًا في المملكة المغربية، ولها مجموع من المواقع الإلكترونية التي تحظي معلوماتها بثقة القارئ المغربي. ويُعرف «بوعشرين» بـآرائه الحرة والبعض يراه قريبًا من حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، ولذلك يعتبر النشطاء والصحافيون المغاربة أن اعتقاله يأتي كمحاولة لإسكاته وإخراس قلمه.

وكذلك اعتقاله – حسب قانونيين وحقوقيين – هو «جزء من المخطط السلطوي الذي يسعى للحد من حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي»، وقد عقبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على اعتقال بوعشرين، فذكرت «وكأن المغرب تأبى إلا أن تلحق بحظيرة القمع العربي، وتقضي على الأصوات الخافتة المتبقية للصحافة المستقلة والمهنية، باعتقالها توفيق بوعشرين، وبدلًا عن فك الحصار عن الصحافيين الجادين، أمثال أبو بكر جامعي، وعلى أنوزلا، وعلي المرابط وغيرهم، يزداد الوضع قتامة، والحصار صرامة، وكأنه إعلان عن بدء حملة لإخلاء المغرب من الصحافة المستقلة والناقدة».

ويصر هؤلاء على أن اعتقال بوعشرين جاء لتصفية حسابات مع «صحافي مزعج»، وقد رأوا أن اعتقاله يعيد المغرب إلى «سنوات الرصاص ودولة البوليس ويدخلها في إطار المخطط السلطوي الذي يسعى إلى الحد من حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي»، كما قال الكاتب والباحث الأمازيغي «أحمد عصيد»، مضيفًا: بأن «اضطهاد الصحافيين أو التحرش بهم أو ملاحقتهم أصبح من المظاهر المؤسفة التي نشهدها منذ سنوات».

 بينما يؤكد المحلل السياسي، «بلال تليدي» أن «الديمقراطيات الهشة أو المزورة أو المترددة، هي التي تنزعج من الصوت الحر، وتسعى لخلق صحافة تابعة ذيلية تعبر عما تريده السلطة، أو تريده الجهات المؤثرة فيها، أو تعبر عن لوبيات المصالح المتواطئة مع المؤثرين على صناعة القرار».

 وأشار إلى أن «اعتقال توفيق بوعشرين بتلك الطريقة التي تعود لسنوات ما قبل انطلاق المسلسل الديمقراطي تؤشر على مخاطر كبيرة ستواجهها البلاد قريبًا، وتؤشر على أن النخب لا تستشار، وأن الجميع يراد له أن يكون مجرد أداة لتنفيذ أشياء لا تقنع حتى من يسعى جادًا للبحث عن تكييف مقنع لها لإرضاء أصحاب القرار».

سبب آخر قد يفسر اعتقال «بوعشرين»، وهو وقوف رغبة إسرائيلية وخليجية وراء إسكات صوته، ويستشهد على ذلك الباحث القانوني رشيد فلولي بالقول: «قبل أيام، نشرت أخبار اليوم في عمود (سري للغاية) خبرًا عن إحدى الجهات تترأس ما تسمى «جمعية الصداقة المغربية الإسرائيلية»، ورئيس هذه الجمعية نشر يوم الأربعاء ليلًا تدوينة يهدد فيها، ويذكر بوعشرين بالاسم وجريدته، ويكيل لهما عددًا من التهم».

«حراك الريف» دليل على قمع الصحافيين 

واحد من أشهر الصحافيين المغاربة الذين يقبعون في السجن الآن، هو مدير موقع «بديل» الإخباري، الصحافي «حميد المهداوي»، الذي اعتقل في 20 يوليو (تموز) الماضي حين كان يؤدي مهامه بالتغطية الإعلامية في مدينة الحسيمة.

اتهم الرجل بتحريض الناس على الهتافات في الأماكن العامة، أو «التظاهر عن طريق الصياح»، وقد عرف «المهداوي» بانتقاده المتواصل للأسرة الملكية في المغرب، ويرجع الصحافيون المغاربة سبب اعتقاله إلى شعبيته المتنامية بسبب المرئيات التي كان يبثها، وتتجاوز نسب مشاهدتها أكثر من مائة ألف مشاهدة خلال أيام معدودات.

ويضيف الصحافي المغربي «علي أنوزلا» سببًا آخر جعل «المهدوي» في دائرة استهداف السلطة، وهو «تجاوزه الخطوط الحمراء في مرئياته (فيديوهاته) الأخيرة، عندما أصبح يوجه سهام نقده مباشرة إلى الأجهزة الأمنية؛ ففي آخر فيديو بثه وهو في الطريق إلى مدينة الحسيمة لتغطية مسيرتها الممنوعة، قال بالحرف الواحد: إن المغرب تحول إلى (دولة مخابرات). ومن يعرف بنية السلطة السياسية في المغرب وتوازناتها يدرك دلالات مثل هذا النقد القوي».

لم يكن «المهدوي» الوحيد الذي يعتقل إثر «حراك الريف» الذي شهدته المغرب منذ أكتوبر عام 2016، بعد مقتل بائع سمك سحقًا في آلية جمع نفايات، فقد قادت الحكومة المغربية حملة اعتقالات خلال هذا الحراك، فاعتقلت محمد الأصريحي، جواد الصبري، حسين الإدريسي، وعبد العالي حدو، وفؤاد السعيدي، إلى جانب الصحافي ربيع الأبلق الذي دخل في إضراب عن الطعام هدد حياته لمدة 36 يومًا.

 وقُرئت تلك التحركات المغربية في إطار منع التغطية الإعلامية لثورة الريف، فحسب منظمة «مراسلون بلا حدود» قامت السلطات المغربية بـ«بعرقلة عمل الصحافيين والمؤسسات الإعلامية التي تحاول تغطية الاحتجاجات في منطقة الريف شمال البلاد»، فقد كشف تقرير المنظمة أن الحكومة المغربية بغية تعطيل عمل الصحافيين عملت على إبطاء شبكة الإنترنت وقطعها أحيانًا، وأحدثت اضطرابًا في شبكة الهاتف.

ويعود تاريخ قمع الحكومة المغربية لهذا الحراك إلى ما بين سنة 1981 و1984؛ حين  اندلعت في المنطقة الشمالية في الريف ما تعرف بـ«ثورات الجوع»، فقد تم ترهيب وسائل الإعلام المحلية؛ فالتزمت الصمت عما يحدث، وكذلك منع الصحافيون الأجانب من الدخول لتغطية الأحداث.

ويذكر تقرير صحيفة «بوبليكو» الإسبانية الخاص بوضع الصحافة في المغرب أنه «ما زالت الممارسات القمعية للاحتجاجات الاجتماعية وعرقلة عمل الصحافيين خلال مظاهرات الريف مستمرة، نتجت عنه موجة اعتقالات واسعة، شملت الناشطين والصحافيين والإعلاميين، الذين عملوا على تغطية أحداث الحراك»، ويضيف التقرير: «السلطات المغربية تستخدم قوانين الصحافة لإسقاط وسائل الإعلام المستقلة؛ فقد أصدرت المحاكم قرارًا بغلق العديد من المواقع الإخبارية، وتغريم العاملين فيها بتهمة (نشر الأخبار الكاذبة) و(التشهير) على خلفية ذلك».

تراجع الحريات الصحافية في المغرب

في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر العام الماضي، صنفت المغرب في المركز 133 من أصل 180 دولة، وقد اهتمت العديد من المنظمات والمؤسسات المعنية بقراءة حالة الحريات الإعلامية بوضع تلك الحريات في المغرب، لتؤكد أنه يتم قمع الإعلاميين بطريقة قاسية، فهم يتعرضون للاعتقال والضرب وسوء المعاملة، وقد خضعوا لمحاكمات غير عادلة، كما زاد من ترهيب الصحافيين المغاربة اكتشاف اقتناء الحكومة لبرامج خبيثة لاقتحام هواتف «الأندرويد»، واختراق البريد الإلكتروني؛ الأمر الذي زاد من «الرقابة الذاتية» لدى الصحافيين.

الملك المغربي

ويؤكد التقرير السنوي الأخير لمنظمة العفو الدولية «أمنستي» على أن «الهجمات على حرية التعبير وصلت إلى مستويات غير مسبوقة؛ بسبب سياسة الحكومة المغربية في تعاملها مع الاحتجاجات في عدة مناطق بالمملكة»، ويضيف التقرير الصادر 22 فبراير الحالي أنه «ما بين شهر مايو (أيار) وأغسطس (آب) من العام 2017، اعتقلت قوات الأمن واحتجزت ثمانية صحافيين ومدونين قدموا مقالات أو تعليقات بشأن الاحتجاجات في الريف، واتهمتهم النيابة العامة بالاعتداء على أمن الدولة فيما يتعلق بحركة الاحتجاج».

مجتمع

منذ 6 سنوات
الصحافة الورقية في المغرب تحتضر!

 كذلك صنفت منظمة «فريدم هاوس» في تقريرها الأخير المغرب ضمن خانة الدول «غير الحرة»، وذكر التقرير أن «الصحافة في المغرب، وخصوصًا الرقمية منها، تنتهج نوعًا من الرقابة الذاتية، احترازًا لما قد يطالها من توقيف في حالة تجاوز المسموح به».

واحد من أهم المآخذ على انتهاك الحريات الصحافية في المغرب هو إقرار البرلمان المغربي لقانون الصحافة والنشر الجديد؛ فبالرغم من أن هذا القانون ألغى بعض أحكام السجن المتعلقة بجرائم التعبير، إلا أنه أبقى الحفاظ على الأحكام التي تتخطى الخطوط الحمراء التي وضعتها الحكومة المغربية، ويرى الكاتب المغربي «الكبير الداديسي» أن «قانون الصحافة والنشر المغربي يتضمن آليات قد تعرقل حرية التعبير والصحافة، وترهب كل من يفكر في إنشاء مقاولة صحفية إلكترونية، فالقانون قد شدد الخناق على الصحافة، خاصة الصحافة الإلكترونية، ورسم مستقبلًا قاتمًا يهدد وجود آلاف الصحف الإلكترونية».

 ويضيف في مقاله «أي مستقبل للجرائد الإلكترونية في ظل قانون الصحافة والنشر الجديد بالمغرب»: «يرى البعض في هذا القانون تعارضًا مع المعايير الدولية؛ لأنه يشترط شروطًا ستجعل الآلاف من الجرائد الإلكترونية النشطة اليوم في خبر كان، كما أن الحصول على البطاقة المهنية ينبغي أن يكون معكوسًا، فعلى المرء أن يكون صحافيًا وصاحب مقاولة إليكترونية نشطة في الصحافة ليحصل على البطاقة المهنية، وليس عليه أن يحصل على البطاقة، ولا ليؤسس مقاولته ويشتغل في الصحافة» .

الصحافي الإيراني، سعيد كمالي دهقان

كذلك ضيقت المغرب على الصحافة الدولية العاملة في المغرب، فلجأت إلى سياسة الطرد كوسيلة لإسكات الصحافيين
الأجانب، ففي 25 يوليو الماضي، قامت الحكومة المغربية بترحيل صحافيين إسبانيين قسرًا إلى بلادهما بعد اعتقالهما عدة ساعات، هما «خوسيه لويس نافازو»، و«فرناندو سانز مورينو».

  أما في 28 سبتمبر (أيلول) من ذات العام، فطردت المغرب الصحافي العامل في «الجارديان» البريطانية، سعيد كمالي دهقان، وعقبت الصحيفة على طرد دهقان الذي نال جائزة «صحافي العام» من «فورين برس أسوسيشن» عام 2010، بالقول في بيان أن «لقد فوجئنا بأن يضطر صحافي محترم في الجارديان كان يعد تحقيقات في المغرب، إلى أن يغادر البلد، وسوف ندرس بمزيد من التفصيل ظروف طرده».

المصادر

تحميل المزيد