“بالتأكيد سوف أقوم بتصحيح اللغة .. لأن ما يقال عادة لا يحمل المعنى المقصود، فإننا لن نستطيع القيام بما ينبغي أن نقوم به، وإذا لم نفعل الشيء المطلوب فإن الأخلاق سوف تفسد، وإذا فسدت فإن العدالة سوف تضل، وإذا ضلت العدالة فإن الناس سوف يقفون في حالة من الخلط أو التداخل بدون حول ولا قوة، وحينئذ لن يكون هناك تحكم فيما يقال أو يمارس”

هكذا أجاب ما يلقب بـ”حكيم الصين العظيم “كونفشيوس” (551-479 قبل الميلاد) عندما سئل عن أول شيء سيقوم به إذا حكم الدولة، ومن هنا يترسخ قيمة الفهم الصحيح للكلام واللغة، والآثار السلبية الناتجة عن سوء فهمها وتأويلها.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز أخطاء الترجمة لغويا التي ظهرت في وسائل الإعلام و المحافل الدولية والدبلوماسية، فأحيانا يخطأ المترجمون، فيكون من الطبيعي أن يتحملوا مسؤولية خطئهم، وفي أحيان أخرى يخطئ قائل التصريح (المتحدث)، وفي هذه الحالة الأخيرة فإن اللوم والتوبيخ قد يوجهان للمترجم أيضا، أي أن المترجم يتحمل مسؤولية خطأ المتحدث، الذي تنقله وسائل الإعلام، لكن يبقى أن سوء فهم المترجم يمثل اتهامًا سابق التجهيز للسياسيين – خاصة رؤساء الدول والحكومات والوزراء – من كلمات استخدموها على سبيل الخطأ.

ويتم استغلال تلك الأخطاء سياسيًا أحيانًا، أو تصبح مادة للتندر عند شعب ما عن دولة معينة، كما تعمَّد بعض المترجمين نقل الترجمة خطأ لما يتسق مع سياسة الدولة التي ينتمي إليها.

أخطاء أطاحت بمترجميها

أنا سعيد للإمساك بالأعضاء الحساسة لبولندا

هكذا نقل مترجم الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر”، ما قاله كارتر أثناء زيارته لبولندا في عام 1977،”أنا سعيد بوجودي في بولندا”، كما حول المترجم عبارة كارتر “غادرت الولايات المتحدة هذا الصباح” إلى “غادرت الولايات المتحدة ولن أعود أبداً”، حسبما قالت مجلة التايم.

ولم يكن مثيرا للدهشة أن الرئيس استخدم مترجما مختلفا عندما كان في مأدبة عشاء رسمية في وقت لاحق من الزيارة ذاتها. لكن معاناته لم تنته هناك أيضا، فبعد أن ألقى أول سطر من خطابه، توقف كارتر ليواجه صمتا مطبقا، وبعد أن ألقى سطرا آخر، ساد المكان صمت مطبق مرة أخرى.

هناك اتفاق لتبادل الأسرار بين حزب الله وإسرائيل

هكذا تحدث مترجم الحكومة الكندية في 2004، عن موضوع تبادل “الأسرى” بين حزب الله واسرائيل، وعندما تمت ترجمة الخبر من العربية إلى الإنجليزية وانتشر الخبر عبر وسائل الإعلام، مما أثار ردود أفعال مدوية أفقدت المترجم وظيفته.

كيف استغلت إسرائيل أخطاء الترجمة لصالحها ضد بلاد الشام؟

ربما يكون أشهر الأمثلة في هذا الصدد، هو قرار مجلس الأمن رقم 242 – الذي صدر في نوفمبر  1967 – بشأن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية التي احتلتها في يونيو من العام نفسه، وقد كان القرار يقول بحسب الترجمة الفرنسية “انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية”، أما في النص الإنجليزي فإن القرار يقول “انسحاب إسرائيل من أراضٍ عربية” دون وجود الألف واللام في كلمة “أراضٍ”، وهو ما تذرعت به إسرائيل ليكون الانسحاب من”بعض” الأراضي العربية التي احتلتها وليست كلها.

وبعد مرور 4 عقود على تلك الواقعة، ففي أكتوبر 2007، نشبت مشكلة بسبب خطأ المترجم في ترجمة جملة، ضمن خطاب مندوب سوريا في اجتماع لجنة نزع السلاح، وكانت هذه الجملة هي” إن إسرائيل ضربت منشأة نووية سورية”، واستخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الترجمة لتبرير ضرب منشأة سورية في منطقة عين الزور السورية، بالرغم من أن هذه المنشأة لم تكن نووية، ولم يكن المندوب السوري قد قال إن إسرائيل ضربت منشأة نووية سورية.

واحتجت سوريا على هذه الترجمة، وبمراجعة محضر الاجتماع، تبين أن المندوب السوري تحدث عن “مزاعم غربية” بأن إسرائيل هاجمت مفاعلا نوويا. ولتصحيح الخطأ أصدرت الأمم المتحدة بيانا صحفيا، ذكرت فيه الحقيقة لتقدمها وسائل الإعلام، ووجهت توبيخا للمترجم، وأنه لابد أن يعتذر لسوريا، وأكدت سوريا أن هناك أياد في الأمم المتحددة وراء فبركة هذه الترجمة.
مترجمون تعمدوا “التحريف”

Former Egyptian President.

في بعض المواقف “يتعمد” المترجمون تحريف الكلام لأغراض سياسية، وسرعان ما ينكشف مرتكبي هذا “التحريف المتعمد” في الترجمة، مما قد يسبب حرجا بالغا للدولة المرتكبة له على مرأى من العالم كله. ومن أقرب الأمثلة في هذا الصدد، هو ما حدث مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بكلمته، في قمة دول عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية طهران في أواخر أغسطس 2012، وكان التلفزيون الإيراني ينقل الكلمة على الهواء مباشرة، مترجمة فوريا من العربية إلى الفارسية.

وقال مرسي :” إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والكرامة” وقال أيضا:” إننا نتضامن مع الشعب السوري لمواجهة الظلم والطغيان”.

غير أن الترجمة الفارسية استبدلت كلمة “السوري” الواردة في الجملتين السابقتين بـ”البحريني”، وهو ما احتجت عليه المملكة البحرينية رسميا بسبب هذا التحريف “المتعمد” في الترجمة، ولا ينفصل ذلك ” التحريف” عن الموقف الإيراني الداعم للمعارضة البحرينية، ونظام بشار الأسد.

تحميل المزيد