بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية الجارية، أثيرت المخاوف من احتمالية قيام حرب عالمية ثالثة تتراشق فيها الدول بالأسلحة النووية الفتاكة في حرب شعواء لا رابح بها. فقد رأى العالم أجمع ما أحدثته القنابل الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من آثار مدمرة لا يزال أثرها باقيًا إلى اليوم.

ورغم فظاعة ما أحدثته، فإن تلك القنابل التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي تعد قزمًا مقارنة بأسلحة أخرى أشد فتكًا. في السطور التالية، نتناول بعضًا من أقوى الأسلحة النووية التي جرى تطويرها، وقدرتها التفجيرية، وآلية عملها.

1.«أبو القنابل».. أكبر جهاز متفجر غير نووي في العالم

«تخيّل نفسك وأنت تأخذ نفسًا عميقًا ثم تغطس في المياه، ثم يخرج الأوكسجين من جسمك على دفعة واحدة، ثم جرّب أن تأخذ نفسًا آخر، ولكن بدلًا من أن تمتلئ رئتاك بالمياه الباردة تبدأ الجزيئات السامة الملتهبة في قتلك من الداخل»

هكذا وصف بيتر لي من جامعة بورتسموث آلية عمل القنابل الحرارية أو الفراغية والمعروفة بلقب «أبو القنابل»، والتي تتكون من حاوية وقود ذات شحنتين متفجرتين منفصلتين، وتسبب تدميرًا أكثر من المتفجرات التقليدية من الحجم نفسه. وقد تُطلق هذه القنبلة صاروخًا أو تُسقط على شكل قنبلة من الطائرات.

وعندما تصل إلى هدفها، تفتح العبوة الأولى الحاوية وينتشر خليط الوقود انتشارًا واسعًا على هيئة سحاب، وتخترق هذه السحابة أي فتحات أو دفاعات غير محكمة الإغلاق، ثم تفجر الشحنة الثانية تلك السحابة، ما يؤدي إلى تكون كرة نارية ضخمة وحدوث موجة انفجار هائلة، وفراغ يمتص كل الأكسجين المحيط.

لذلك؛ تسمى أيضًا هذه القنبلة بقنبلة «الغبار الجوي» أو قنبلة «المتفجرات الهوائية التي تعمل بالوقود». وتستطيع هذه القنابل تدمير المباني المحصنة، والمعدات، وقتل الأفراد أو إصابتهم. وقد جرى تطوير إصدارات ضخمة منها تُطلق من الجو؛ للقضاء على المقاتلين في الكهوف ومجمعات الأنفاق، والمقاتلين الذين يتحصنون في مبان أو مخابئ، حيث تظهر قوة هذا السلاح في أشد حالاته في الأماكن المغلقة.

واتهمت سفيرة أوكرانيا في الولايات المتحدة الأمريكية روسيا باستخدام القنبلة الفراغية في غزو بلادها، ومع أنه لا يوجد تأكيد رسمي لهذا الاتهام، فلا توجد قوانين دولية تحظر استخدام هذا النوع من القنابل تحديدًا، ولكن في حال استخدمتها إحدى الدول لاستهداف سكان مدنيين، أو المدارس، أو المستشفيات، يمكن اعتبارها جريمة حرب بموجب اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907.

وكان الجيش الألماني هو أول من استخدام الذخائر الحرارية في الحروب، فقد استخدمها خلال الحرب العالمية الثانية، ثم طورتها الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات واستخدمتها في فيتنام. كذلك، استخدمتها في عام 2001 في أفغانستان ضد قوات تنظيم القاعدة المختبئة في كهوف الجبال.

أيضًا أستخدمتها روسيا من قبل في حربها في الشيشان عام 1999، وفي عام 2007، اختبرت روسيا أكبر سلاح حراري لديها، والمعروف باسم «أبو جميع القنابل»، الذي أحدث انفجارًا يعادل قنبلة تقليدية تزن 44 طنًا؛ ما يجعلها أكبر جهاز متفجر غير نووي في العالم.

2.«قنبلة القيصر».. أقوى قنبلة نووية في التاريخ

بوزنها الذي يبلغ 27 طنًّا، وطولها الذي يعادل طول حافلة ذات طابقين، تعد هذه القنبلة أكبر وأقوى قنبلة نووية حرارية صُنعت على الإطلاق، إنها القنبلة الهيدروجينية RDS-220، والمعروفة باسم «قنبلة القيصر»، والتي فجرها الاتحاد السوفيتي في 30 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1961 فوق إحدى جزر القطب الشمالي الروسي.

صمم الاتحاد السوفيتي هذه القنبلة الهدف لأغراض سياسية أكثر منها عسكرية، ردًا على قدرات الردع النووي التي كانت تمتلكها الولايات المتحدة آنذاك وممارسة الضغط النفسي عليها خلال الحرب الباردة. هذا إلى جانب تحقيق انتقام بمستوى ضرر هائل في حالة توجيه الولايات المتحدة ضربة نووية إلى الاتحاد السوفيتي عبر استخدام قنابل نووية أكثر قوة.

واحتوت قنبلة القيصر على ثلاث مراحل، على عكس الأسلحة النووية الحرارية العادية التي تنفجر على مرحلتين فقط. وقد أدى إضافة المرحلة الثالثة إلى زيادة القوة التفجيرية للقنبلة، والحد من الغبار المشع.

وفي التجربة التي أجراها الاتحاد السوفيتي في القطب الشمالي، أسقطت إحدى الطائرات «قنبلة القيصر» باستخدام مظلة ضخمة لتأخير السقوط. ووقع التفجير على ارتفاع 4 كيلومترات فوق سطح الأرض، مما أدى إلى إنتاج تفجير بقوة 50 ميجا طن، والذي يُعتقد أنه يعادل القوة التفجيرية للتفجير المتزامن لـ 3800 قنبلة هيروشيما، و10 أضعاف الطاقة المجمعة لجميع المتفجرات التقليدية المستخدمة في الحرب العالمية الثانية، وحوالي 10% من الناتج الإجمالي لجميع التجارب النووية حتى الآن.

ومع أن القنبلة انفجرت على بعد أربعة كيلومترات فوق سطح الأرض، إلا أن الانفجار الناتج عنها جرد الجزيرة من كل ما عليها وجعلها صحراء جليدية جرداء. كذلك، استطاع شهود عيان رؤية ضوء الانفجار على بعد أكثر من 965 كيلومترًا، وشعر البعض بحرارة التفجير على بعد 250 كيلومترًا.

فضلاً عن ذلك، هدمت المنازل الخشبية الواقعة على بعد أكثر من 150 كيلومترًا في الأراضي السوفيتية، وتضررت المنازل المبنية من الطوب والحجر، وأبلغ عن انقطاع الاتصالات اللاسلكية، وصعدت سحابة عيش الغراب الناجمة عن تفجير القنبلة إلى أسفل حافة الفضاء على أطراف الغلاف الجوي للأرض.

لكن لحسن الحظ، لم يتسبب الانفجار في أي خسائر بشرية، ولم يجر اختبار أي قنبلة مطابقة لقوتها مرة أخرى. ووقع كل من الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة في عام 1963 «معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية»، التي تحظر تجارب الأسلحة النووية المحمولة جوًّا، فيما استمرت التجارب النووية بعد ذلك تحت الأرض، حيث تواصل الدول تخزين الأسلحة النووية.

3. «قنبلة Mk-41».. أقوى قنبلة صنعها الأمريكيون

كانت القنبلة النووية B41، والمعروفة أيضًا باسم (Mk-41)، سلاحًا حراريًا ثلاثي المراحل صممته الولايات المتحدة في أوائل الستينيات؛ ليصبح أقوى قنبلة صنعها الأمريكيون على الإطلاق، لها القدرة على توليد ما يقرب من 25 ميجا طن من القوة التدميرية عند التفجير.

يبلغ طول القنبلة أكثر من 3.76 مترًا، وتزن أكثر من 10.670 رطلاً، وتُحمل بواسطة الطائرات. وقد جرى تطوير ما يقرب من 500 من هذه القنابل الضخمة بين عامي 1960 و1962، قبل أن تُحال إلى التقاعد في يوليو (تموز) عام 1976 بعد استبدالها بقنبلة أخرى تسمى (B53)، والتي بلغت قوتها التدميرية ٩ ميجا طن.

ويجادل الباحثون بأن القنبلة B-41 كانت أكثر الأسلحة النووية الحرارية كفاءة على الإطلاق في التاريخ، إذ حافظت على أعلى نسبة إنتاجية إلى وزن لأي سلاح جرى إنشاؤه. ومن حيث القوة والقدرات التدميرية، كان التفجير الناتج من B-41 أقوى بنحو 1136 مرة من القنابل الذرية التي جرى تفجيرها في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.

4. «قنبلة الجمبري».. خطأ في التصميم ضاعف قدرتها التدميرية

اختُبِرت القنبلة النووية (TX-21)، والمعروفة أيضًا باسم القنبلة النووية الحرارية «الجمبري»، أو «قلعة برافو» للمرة الأولى في الأول من مارس (آذار) عام 1954 في إحدى جزر المارشال في المحيط الهادئ. وكانت تزن قرابة 11 ألف كجم، ويبلغ طولها 4.5 مترًا تقريبًا، وموضوعة في أسطوانة ضخمة لتعمل سلاحًا نوويًا يستخدم ديوتريد الليثيوم؛ لتشغيل تفاعله الانشطاري، وإنتاج موجة تفجيرية بقوة 6 ميجا طن.

ومع ذلك، كان الانفجار الناتج في الجزيرة ثلاثة أضعاف العائد المتوقع، أي ما يقرب من 15 ميجا طن من القوة التدميرية (حوالي أقوى مرة أقوى من قنبلة «الصبي الصغير» التي ألقيت على هيروشيما في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية). وحدث ذلك نتيجة لبعض الأخطاء التي واجهت المصممين، خلال تصنيع القنبلة في مختبر لوس ألاموس الوطني.

وفي غضون ثانية واحدة بعد انفجارها، شكلت قنبلة «الجمبري» كرة نارية بعرض تجاوز 7 آلاف مترًا، والتي كانت مرئية على بعد أكثر من 402 ألف مترًا. ووصل ارتفاع سحابة فطر عش الغراب الشائعة في الانفجارات النووية إلى أكثر من 14 ألف مترًا في أقل من دقيقة، وبعرض إجمالي يبلغ 11 ألف مترًا تقريبًا.

دولي

منذ 4 سنوات
عالم ما بعد القنبلة.. هكذا سيتغير الشرق الأوسط إذا امتلكت إيران سلاحًا نوويًّا

وتسبب الانفجار في تلوث أكثر من 18 ألف كم مربع من المحيط الهادئ بالحطام المشع، وعُثر أيضًا على مواد مشعة في أماكن بعيدة مثل جنوب شرق آسيا، وأستراليا، وأوروبا، وجنوب غرب الولايات المتحدة لعدة أسابيع بعد الانفجار؛ بسبب الرياح العاتية التي تواجدت في أثناء اختبار القنبلة.

وقد تسبب الإشعاع الناتج من الانفجار في وقوع إصابات في الأسابيع التالية، حيث أصيب آلاف الأفراد بمستويات مختلفة من أعراض التعرض للإشعاع، مثل الغثيان، والإسهال، وتساقط الشعر، والآفات الجلدية، والقيء.

ومع أن قنبلة «الجمبري» لم تكن أكبر قنبلة نووية صممها الجيش الأمريكي، إلا أنها تظل أكبر تجربة نووية نفذتها الولايات المتحدة على الإطلاق من بين 66 تجربة نووية أخرى أجرتها الولايات المتحدة في جزر مارشال بين عامي 1946 و1958.

تكنولوجيا

منذ 3 سنوات
أن تلاحقك القنبلة بسبب «جيناتك».. تعرف إلى «الأسلحة المبرمجة وراثيًّا»

المصادر

تحميل المزيد