إذا رأيت امرأة ممزقة الثياب، وجهها مثخن بالجراح، وعيناها متورمتان، تنوح وتستنجد بك، ثم تشير إلى أي شاب في الأرجاء وتتهمه بضربها، ستفور حميتك غضبًا للضحية، وتوليه الضربات واللكمات، دون أن تمنحه فرصة الدفاع عن نفسه، لأنه مدان حتى لو لم تثبت إدانته.
وصف العالمان عاموس ترافسكي ودانيال كانيمال، هذا النمط من التفكير في عام 1972م، بالتحيز المعرفي، وهو أحد أنماط التفكير المنهجية الخاطئة، التي تحدث بسبب خطأ في معالجة المعلومات التي يتعاطاها المرء، مما يؤدي إلى خلل في اتخاذ القرار السليم والحكم على الأمور.
وبخلاف فيلم «gone girl» الذي يعد نموذجًا مثاليًّا لتقديم الضحية رواية مختلقة بالكامل، إذ يدور حول امرأة خططت لانتقام بارد وفريد من نوعه لزوجها بعد اكتشافها خيانته، فتختفي كي يصبح الزوج مشتبهًا به في ذلك، بل تدور الشكوك حول تورطه في قتلها، نستعرض كيف عالجت السينما جاذبية وجود المرء في موقع الضحية وكيف يجري استغلال هذا الأمر، وكيف يقع القضاة والرأي العام في هذا الفخ؟ وهل حقًّا يجب علينا تصديق الضحية دومًا؟
1- I just didn’t do it (2006): عقاب الأبرياء VS إفلات المذنبين
صدر فيلم الفيلم الياباني الدرامي «i just didn’t do it» في عام 2006، ويستند إلى قصة حقيقية، اطلع عليها المخرج والكاتب الياباني ماسويوكي سو في الصحف اليومية، ويستعرض الفيلم قصة الشاب «تيبي كانيكو» أثناء ذهابه إلى إحدى المقابلات، وأثناء محاولة أحد المتحرشين استغلال الازدحام للمس أجساد النساء، صادف ذلك محاولات تيبي لتحرير معطفه العالق ليحتك بإحدى المراهقات دون قصد، وعلى إثرها تتهمه بالتحرش، وتقبض عليه الشرطة التي حررت المتحرش الأصلي بـ«الضحية» بعد تغريمه.
وفي سلسلة من التحقيقات والمشاهد التي أثارت حنق المشاهدين، يكشف لنا فيلم «i just didn’t do it» مدى جحافة نظام العدالة الياباني، الذي يفضل أن يعاقب الأبرياء على أن يفلت مذنب واحد من العقاب، وذلك على عكس روح القانون في كثير من دول العالم التي تفضل إفلات الكثير من المذنبين على معاقبة بريء واحد، إذ نادرًا ما يحصل متهم على البراءة في اليابان، بل يعد ذلك سببًا للطعن في نزاهة القضاء.
حصل الفيلم على جائزة الأكاديمية اليابانية عام 2008، وساهم في تغيير نظام العدالة اليابانية بعد إقرار تعديلات تشريعية عام 2009 تدعم اتجاه حصول بعض المتهمين على البراءة إذا ما دعَّمت الأدلة والشواهد براءتهم.
2- The Hunt (2012): أحباب الله يكذبون ويدمرون حياة الناس أيضًا
يتطلب الكذب تفكيرًا مطولًا، في عواقب ما يقال واستجابات المستقبلين للحديث، ويتطلب كذلك جهدًا لكبح دافع إفشاء الحقيقة، لذا يعتقد البالغون أن الأطفال لا يمكنهم الكذب، لكن الدراسات التي أجرتها جامعة واترلو، أثبتت أن 96% من الأطفال يكذبون في مرحلة ما، فالأطفال ما بين الثانية والثالثة ينكرون الأفعال السيئة تجنبًا لغضب والديهم، وفي سن الرابعة يحيكون أكاذيب قابلة للتصديق.
ويمكن اكتشاف ذلك في الفيلم الدنماركي «The Hunt» الذي يؤدي فيه الممثل المخضرم مادس ميكلسن دور «لوكاس»، وفاز عنه بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي، ثم رشح الفيلم لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية في عام 2014، ولاقى الفيلم استحسان النقاد والمشاهدين، فقد حصل على تقييم 8.3 على موقع «IMDb»، و93% على موقع الطماطم الفاسدة.
وفي الفيلم تحيك الطفلة «كلارا» (الضحية المتخيلة) قصة ملفقة عن معلم الحضانة المحبوب «لوكاس»، بعد مشاهدتها مقطعًا إباحيًّا على حاسوب أخيها، فتتهم المعلم بأنه أظهر عضوه الذكري أمامها، ليتحول «لوكاس» الصياد الماهر في الغابة التي تحيط بالمدينة إلى فريسة هشة، ويخسر وظيفته، وتفسد العلاقة بينه وبين صديقه والد «كلارا»، ويقوم أحد سكان القرية بقتل كلبه انتقامًا منه، وينبذه المجتمع بأكمله.
ولا يقتصر الفيلم على أن الأطفال يكذبون أيضًا، إنما كيف يمكن لكذبة أن تحيل حياة شخص إلى الجحيم، حتى بعد نفي الكذبة، واكتشاف كذب الضحية.
3- Side Effects (2013): والأمراض النفسية تصلح لكسب التعاطف
صدر فيلم الإثارة النفسية الأمريكي «Side Effects» في فبراير (شباط) عام 2013، وهو من إخراج ستيفن سوردبيرج، وحصل على تقييم 7.1 على موقع «IMDb»، وهو يدور (تتضمن السطور التالية حرقًا لبعض المشاهد عزيزي القارئ) حول «إميلي» التي تصارع وحش الاكتئاب بمساعدة طبيبها النفسي «جوناثان بانكس»، بعد الإفراج عن زوجها من السجن.
ومع فشل جميع الأدوية في علاجها، ينجح أحد الأدوية التجريبية في أن يجعلها تتعافى رغم خطورة أعراضه الجانبية، وبسبب هذه الأعراض بالذات تنقلب الأمور رأسًا على عقب، عندما يكتشف زوجها أنها تسير أثناء النوم، ثم تطعنه عدة طعنات متتالية، لترديه قتيلًا.
وبسبب الأخبار والشائعات المتداولة حول الضحية، التي تفيد بتورط الطبيب «جوناثان» وإهماله للعرض الجانبي للدواء، تعرضت سمعة الطبيب للتدمير، ويقرر مديروه حرمانه من جميع امتيازاته ويقاطعه زملاؤه، ليصبح عاطلًا ومفلسًا، لكنه لم يستسلم حتى اكتشف السر القابع وراء حقيقة القتل، وأن الأمر لا يتعلق بالأعراض الجانبية للدواء، وإنما بالعلاقة العاطفية السرية بين «إميلي» وطبيبتها السابقة، والتي أخفتها ببراعة متقمصةً دور الضحية.
4- Section 375 (2019): ابتسامة في عيون وقحة
في بلد مثل الهند التي تعد من أخطر بلدان العالم على النساء، إذ وصلت أعداد حالات الاغتصاب في عام 2020م إلى 28 ألف حالة، إلى جانب أن العنف المنزلي ثقافة مقبولة مجتمعيًّا، حين تقدم فتاة ما بلاغًا ضد رئيسها في العمل تتهمه باغتصابها، فلا بد أن تحكم المحكمة لصالحها دون اعتبار لصحة الأدلة من عدمها.
إذ يشرح هربرت سيمون عالم الاقتصاد وعلم النفس المعرفي حائز جائزة نوبل في خمسينيات القرن الماضي، هذا السلوك البشري بمفهوم الاستدلال، وهي عملية ذهنية سريعة للحكم على الأمور وحل المشكلات بسرعة وكفاءة، وتقليل الوقت المستغرق في اتخاذ القرارات، ورغم سهولة اتخاذ القرار فإنه يمكن أن يؤدي إلى التحيز المعرفي.
ويمكن ملاحظة ذلك في فيلم الإثارة الهندي الذي صدر عام 2019، من بطولة الممثل أكشاي خانا، وإخراج أجاي بهل، وحصل على تقييم 8.1 على موقع IMDb، ويستمد اسمه من قانون العقوبات الهندي رقم 375 الذي ينص على أن الاغتصاب هو «الجماع الجنسي مع امرأة ضد إرادتها، دون موافقتها، عن طريق الإكراه أو التحريف أو الاحتيال أو في وقت تكون فيه في حالة سكر أو خداع، أو في حالة صحية عقلية غير سليمة وعلى أي حال إذا كان عمرها أقل من 18 عامًا».
ويستعرض الفيلم تحقيقات متتالية للمخرج البارز روهان كورانا، بعد أن قررت إحدى فتيات طاقمه، الانتقام منه فاتهمته بالاعتداء عليها، ومع وجود الأدلة التي تثبت عملية الاغتصاب، مثل الكدمات، والسائل المنوي وكذلك مع تضامن الرأي العام مع «الضحية» تزداد القضية تعقيدًا، ما بين محامي الدفاع الذي يحاول إثبات أنها علاقة تمت بالتراضي والمدعي العام التي تحاول إثبات ملابسات الاغتصاب، وفي النهاية حُكم على المخرج بالسجن 10 سنوات طبقًا لقانون العقوبات الهندي، بينما تكتفي «الضحية» بالابتسام.