في الآونة الأخيرة شهدت المملكة المتحدة ارتفاعًا غامضًا في حالات أمراض الكبد الحادة لدى الأطفال، بدأت بظهور 10 حالات من التهاب الكبد الحاد التي سببها فيروس كبدي في أسكتلندا لدى أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 شهرًا إلى خمس سنوات، وكانوا يتمتعون بصحة جيدة سابقًا.
وفي الثامن من أبريل (نيسان) 2022 ارتفع عدد الحالات إلى 74 حالة، تطلبت بعضها التحويل إلى وحدات كبد متخصصة للأطفال، في حين خضع ستة أطفال من المصابين لعملية زرع كبد وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
لم يقتصر الأمر على حدود المملكة المتحدة، بل امتد ليشمل دول غربية أخرى، حيث جرى الإبلاغ عن حالات مشابهة لدى أطفال في الدنمارك، وأيرلندا، وهولندا، وإسبانيا، وحُدّدت أيضًا تسع حالات مشتبه بها لدى أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة وست سنوات في ولاية ألاباما الأمريكية، من بينهم حالتان في حاجة إلى زراعة كبد.
وحتى الآن يبقى السبب مجهولًا، وسط تكهنات بأن يكون للفيروسات الغدية، أو الإصابة بفيروس كورونا وغيرها، من العوامل ضمن الأسباب المحتملة.
فما هي علاقة جائحة كوفيد-19 بهذا الالتهاب الغامض، وهل يمكن أن تكون هي أو غيرها سببًا له، أم أننا بصدد فيروس جديد قد يشعل فتيل وباء آخر؟ وما هي توصيات منظمة الصحة العالمية تجاه السفر والتعامل مع الوضع في البلدان التي ظهرت فيها الإصابات؟
في البداية.. ما هو الالتهاب الكبدي وما هي أعراضه
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة دعونا أولًا نتعرف على ماهية الالتهابات الكبدية وأعراضها. في البداية الكبد عضو حيوي يقوم بعدة وظائف مهمة، منها: معالجة العناصر الغذائية، وتنقية الدم، ومكافحة العدوى.
وعند إصابته بالالتهاب، الذي هو عبارة عن استجابة مناعية عامة للجسم ضد العدوى في محاولة لمقاومة مرض محتمل، يمكن أن يؤثر الالتهاب على وظائف الكبد، ويختلف المرض في شدته تبعًا للسبب.
وفي حين أن بعض أنواع التهاب الكبد خفيفة، ولا تتطلب علاجًا، يمكن أن تصبح الأشكال الأخرى من المرض مزمنة ومميتة.
وتشمل الأعراض عند الأطفال غالبًا: البول الداكن، والبراز ذي اللون الرمادي، واصفرار الجلد والعينين الذي يعرف بـ«اليرقان»، وارتفاع درجة الحرارة. وعادةً ما يمكن علاج الحالة مع الرعاية الطبية المناسبة، ولكن قد يحتاج بعض المرضى إلى زراعة كبد في الحالات الخطيرة.
الفيروسات الكبدية.. 5 أنواع رئيسة والفيروس الغامض ليس من بينها
تتنوع أسباب الالتهاب الكبدي، ولكن في الأطفال يرتبط التهاب الكبد عادةً بالعدوى الفيروسية، وأكثر هذه الفيروسات شيوعًا هي فيروسات التهاب الكبد الخمسة: التهاب الكبد الوبائي أ، ب، ج، د، هـ (A وB وC وD وE). ويمكن أن تُسبب فيروسات أخرى مثل الفيروسات الغدية التهاب الكبد، لكن في حالات نادرة.
وينتقل التهاب الكبد الوبائي (أ) و(هـ) عن طريق شرب ماء ملوث أو تناول طعام ملوث ببراز المصاب، ويسهل علاج فيروس (أ) إن جرى اكتشافه مُبكرًا، وبعد التعافي منه يكتسب الجسم مناعة تُحصنه من الإصابة مرة أخرى بالفيروس، ويتوافر لقاح ضد هذا الفيروس للوقاية منه.
أما عن فيروس (هـ)، فيمكن أن يسبب مرضًا خطيرًا يُعرف باسم «التهاب الكبد الحاد»، المؤدي للوفاة لبعض المُصابين، ويُمكن الشفاء منه ذاتيًا بعد أسبوعين إلى ستة أسابيع من الإصابة، ولا يوجد علاج رئيس لهذا النوع، وتُعالج بعض الحالات بالأدوية المُضادة للفيروسات. وقد أنتجت الصين لقاحًا ضد هذا الفيروس، ولكن اقتصر استخدامه داخلها.
أما عن فيروس (ب) و(ج) فينتقلان عبر الدم، كأن ينتقل الفيروس من دم الأم المُصابة إلى طفلها خلال الولادة، أو التعرض لإبر ملوثة بالفيروس، أو عن طريق الاتصال الجنسي. ويُعد التهاب الكبد (ب) أحد أنواع التهاب الكبد الذي يمكن الشفاء منه تلقائيًا بعد الإصابة بشهرين حال الإصابة في مرحلة البلوغ، أما إذا حدثت الإصابة في الطفولة فيحتاج علاجه إلى الأدوية المُضادة للفيروسات حتى لا تتفاقم الحالة وتصل إلى حد تليف الكبد أو سرطان الكبد. ويتوفر لقاح مضاد له.
أما فيروس التهاب الكبد (ج) فيعد أحد أنواع التهابات الكبد المزمنة، والذي يمكن أن يتفاقم في الجسم دون أي أعراض ملحوظة، لذلك غالبًا ما تتفاقم الحالة، وتصل إلى تليف، وفشل الكبد، ولا يوجد لقاح ضده حتى الآن.
ومع ذلك لم يُكتشف أي من فيروسات التهاب الكبد الخمسة في أي من حالات الأطفال التي ظهرت مؤخرًا؛ الأمر الذي يترك سلطات الصحة العامة في حيرة من أمرها، ويوجه أصابع الاتهام ضد أسباب أخرى محتملة.
فيروس كورونا والفيروسات الغدية في قفص الاتهام
الفيروسات الغدية (adenoviruses) عدوى فيروسية شائعة جدًا في البشر، وخاصة الأطفال، إذ يُصاب كل طفل تقريبًا بعدوى واحدة على الأقل بالفيروس الغدي قبل سن العاشرة. وعادةً ما تسبب هذه الفيروسات التهابات في الرئتين والمسالك الهوائية؛ ما يؤدي إلى ظهور أعراض نزلات البرد، وأحيانًا الالتهاب الرئوي.
وفي بعض الحالات النادرة يمكن للفيروسات الغدية أن تسبب التهاب الكبد، وذلك لدى المرضى الذين يعانون من نقص المناعة، مثل أولئك الذين يخضعون لعمليات زرع الأعضاء، أو علاجات السرطان.
لكن رؤيته على هذا النطاق أمر نادر للغاية، خاصة عند الأطفال الذين لا يبدو أنهم يعانون من نقص المناعة، وإذا كان الفيروس الغدي السبب في هذه الحالات، فقد يعني ذلك ظهور نوع جديد من الفيروسات الغدية التي تسبب التهاب الكبد بسهولة أكبر.
وتُجري هيئة التأمين الصحي البريطانية حاليًا الأبحاث لمعرفة الأسباب الأخرى للعدوى، وأشارت أصابع الاتهام أيضًا إلى أن الإصابة بكوفيد-19 قد تكون من بين الأسباب المحتملة؛ إذ كشفت منظمة الصحة العالمية عن أن بعض أولئك المرضى أصيبوا من قبل بفيروسات من بينها فيروس كورونا. ومن ناحية أخرى اتضح أنه لا توجد صلة واضحة بين تلك الإصابات وتعاطي لقاحات فيروس كورونا، أي أن اللقاحات ليست سببًا محتملًا.
هل نشهد وباء فيروس كبدي؟
تراقب منظمة الصحة العالمية الوضع عن كثب مع المملكة المتحدة والدول الأعضاء الأخرى؛ لمعرفة الحالات ذات السمات المماثلة. وتحث المنظمة على المزيد من العمل لتحديد الحالات، سواء داخل المملكة المتحدة أو على الصعيد الدولي، وجعل الأولوية هي تحديد المسببات المرضية لهذه الحالات لتوجيه مزيد من الإجراءات السريرية والصحية العامة.
وتُشجع الدول الأعضاء على تحديد الحالات المحتملة التي تتماشى مع تعريف الحالة، والتحقيق فيها، والإبلاغ عنها. ويشمل تعريف الحالة المؤكدة: الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات وما دون، ومصاب بالتهاب الكبد الحاد الذي لا تتسبب فيه الفيروسات الكبدية الخمس المعروفة، مع ارتفاع في إنزيمات الكبد، وذلك من تاريخ الأول من يناير (كانون الثاني) 2022.
وبالنسبة للسفر والتجارة الدولية لا توصي منظمة الصحة العالمية بأي قيود على السفر، أو التجارة مع المملكة المتحدة، أو أية دولة أخرى جرى فيها تحديد الحالات، بناءً على المعلومات المتاحة حاليًا.