يعد حزب الله اللبناني أحد القوى الفاعلة في الأحداث المختلفة التي تجري في منطقة الشرق الأوسط, ويتميز الأمين العام لحزب الله, حسن نصر الله بخطاباتِه التي تلقى في كلّ مرة رواجًا وصدى إعلاميًا عربيًا ودوليًا سواء سلبًا أو إيجابًا, وخصوصًا أنها تبين مواقف الحزب وسياساته بشأنِ الأمور المستجدة.

فهل شهدت خطابات حسن نصر الله أيّ تغير  حتى الآن؟ وماذا كانت أبرز مواضيعه؟

إسرائيل.. في كلّ مكان

وهذا هو العامل الأشد ثباتًا في خطابات حسن نصر الله وتصريحات الحزب منذ بداية الحرب السورية, حيث يتم اعتبار جميع من يقف في مواجهة حزب الله عميلًا لإسرائيل أو من امتداداتها في المنطقة أو تابعًا للمحور الأمريكي الإسرائيلي المعادي لمحور المقاومة.

يبدو ذلك بداية في تصريح نعيم قاسم, نائب الأمين العام لحزب الله, في عام 2013 عن كون تواجدهم في سوريا بهدف مقاومة إسرائيل: “مقاومتنا في كل المواقع توصل في نهاية المطاف إلى مقاومة العدو الإسرائيلي، لأن العدو تارة يقاتلنا بالمباشر وأخرى يقاتلنا بجماعته وزبانيته وأولئك الذين يعملون لمشروعه”.

وفي كانون الثاني منذ بداية العام الجاري اتهم نصر الله “جبهة النصرة”، المنتشرة في جنوب سوريا قرب الحدود الإسرائيلية بأنها “جيش عميل لإسرائيل”, وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه غير قلقين من وجود جبهة النصرة بالجوار، بل إنهم يقومون “برعاية هذا الوجود” وتغطيته وهم يستقبلون جرحاهم ويتفقدونهم، على حد وصفه.

وفي مقابلته مع قناة الإخبارية السورية 6 أبريل/ نيسان 2015, يعدّ حسن نصر الله مصالح بعض دول الخليج وفي مقدمتها السعودية متقاطعة مع المصالح الإسرائيلية, وذلك في حديثه عن الاتفاق مع إيران: “لما منشوف الغضب الإسرائيلي السعودي، الإسرائيلي المعلم، السعودي المضمن، نفهم أهمية هذا الاتفاق”.

وفي خطابه الأخير في مناسبة النكبة التي صادفت السبت الماضي, اعتبر نصر الله أن “النكبة الجديدة التي يصنعها التكفيريون ستضيع فلسطين والمقدسات ودولًا وشعوبًا بأكملها”، مُعتبرًا أن أمريكا هي من يقف وراء هذه الجماعات: “أمريكا تستخدم المشروع التكفيري لإضعاف الأمة وتمزيقها, وعلينا أن نتحمل المسؤولية جميعنا في مواجهة المشروع الأميركي التكفيري الذي يريد صناعة نكبة أكبر”.

“شريحة من أنصار حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية تتابع إحدى خطابات نصر الله”

التعامل مع الدولة اللبنانية والمكونات اللبنانية المختلفة

اتّسمت خطابات حسن نصر الله بالاستقلالية الشديدة عن الدولة اللبنانية من جهة الآراء والقرارات, وحملت أحيانًا اللهجة الأبويّة التوجيهية, حيث يعتبر أن حزبه هو الجهة القادرة على “دفع الخطر عن لبنان وشعبه”.

وقد تحدث في خطابه الأخير في 16 مايو بداية الأسبوع الجاري عن معركة القلمون في الريف الشمالي لمدينة دمشق في سوريا, والتي كان حزب الله يُعلن نيّة بدئها بعد تحسن الأحوال الجوية هذا العام, مُهاجِمًا بشكل مطوّل المكونات اللبنانية الأخرى التي “تتعاطف مع المسلّحين” في سوريا على حد وصفه, ومستنكرًا عليهم تسميتهم بـ”الثوار”: “أنا أريد أن أخاطب عناصر وضباط الجيش والقوى الأمنية وأهالي الشهداء، هل هؤلاء ثوار أم قتلة ومجرمون؟ هؤلاء الذين يستهدفون عناصر الجيش اللبناني ومراكزه وأهالي عرسال هم ثوار أم إرهابيون وقتلة؟

إذا كانت مرجعية تلك القوى السياسية هي السعودية فإنها أعلنت أن داعش والنصرة منظمات إرهابية، وإذا كانت مرجعيتهم المجتمع الدولي فهم إرهابيون وإذا كانت القضاء اللبناني فهم إرهابيون”.

وتطرّق إلى “حجم التهويل والتهديد الذي عاشه اللبنانيون قبل بدء المعركة” الذي كان ينتشرُ في وسائل الإعلام اللبنانية والخارجية, ليطمئنهم بقولِه: “قلنا في ذلك الوقت أن هذا لن ينال من تصميمنا، وهذا يعني أنه عندما يكون لدينا هدف محق ونسعى إلى تحقيقه، التهويل والوعيد لن يحول بيننا وبين ما نريد القيام به”, مؤكدًا أنه “نحن لم نكن نريد توريط الجيش اللبناني في هذه المعركة وحريصون على دماء كل ضابط وعسكري”.

 ويوضح بالنهاية أن حزب الله يهدف لتطهير الجرود المحاذية للبنان حتى لا يبقى فيها “إرهابي واحد”, موجها كلامه للدولة اللبنانية: “إذا كانت الدولة تتسامح باحتلال أراضٍ لبنانية فإن الشعب بجميع أطيافه اللبناني لن يتسامح لأنه لا يقبل بالاحتلال”.

ليعلنها معركة مفتوحة يتولّى زمام قيادتها حزب الله: “منذ البداية قلنا أننا ذاهبون إلى معركة ولكن لم نتحدث لا عن زمانها ولا عن حدود مكانها، ونحن في معركة مفتوحة في المكان والزمان والمراحل”.

وقد عقّـب الحريري, الرمز السنّي السياسي الأبرز في لبنان, على الخطاب الأخير مُعتبِرًا أن مصلحة لبنان “بند أخير” باهتمامات نصر الله, “بعد مصالح إيران في اليمن والعراق وسوريا”, ومضيفا أن الدولة اللبنانية “مشطوبة من عقله” وحزب الله “هو البديل عنها وسيقوم مقامها في الذهاب إلى الحرب في القلمون”.

“يقول نصر الله إن الذهاب إلى حرب القلمون أمر محسوم، وهو من يرسم حدود العملية وزمانها ومساحتها.. ونحن نقول للسيد حسن، أنت تكلف نفسك بمهمة لا أخلاقية ولا وطنية ولا دينية. أنت تتلاعب بمصير لبنان”.

“مظاهرة شيعيّة في بيروت ضد الغارات الجوية السعودية في اليمن”

مع المملكة السعودية وباقي الدول الخليجية

احتلّ الحديث عن المملكة السعودية موضعًا في أغلب خطابات حسن نصر الله الأخيرة, ويُلاحظ عمومًا ازدياد نبرة الاتهام والهزء والانتقاد بشكل طردي والتهديد في أحيان أخرى, وكانت عاصفة الحزم النقطة الأبرز في انتقاداته والتي يسمّيها “عدوانًا أمريكيًا سعوديًا” و”احتلالًا”, حيث اعتبر في خطابه الأخير يوم السبت أن السعودية “قدمت نفسها كأبشع صديق للشعب اليمني”، و”إن ما تحقق في اليمن دمار وأعداد كبيرة من ضحايا الأطفال والنساء، منذ اليوم الأول قلنا أن العدوان السعودي لن يحقق أهدافه وكل ما حصل فاشل وعكس الأهداف التي وضعها العدوان.

العدوان السعودي في اليمن لم يبق حرمة لشيء، العدوان السعودي على اليمن يؤسس لأبشع أنواع العدوان في المستقبل، ورغم بشاعة العدوان الإسرائيلي وجرائمه لكنه لم يقصف أضرحة وقبورًا”.

ويعتبر الأمين العام لحزب الله أن قيام الطائرات السعودية بقصف عدد من الأضرحة والمساجد والمواقع التاريخية في اليمن، يمثل “المرجعية” التي يستند إليها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، مُتبِعًا ذلك بالقول: “الفكر الصحراوي البدوي هو ما يدفع العدوان السعودي إلى قصف الأضرحة والقلاع والآثار التاريخية في اليمن”.

أما في مقابلتِه التلفزيونية في 6 نيسان الماضي, اعتبرَ أن مصالح دول الخليج وعلى رأسها السعودية تتقاطع مع مصالح إسرائيل فيما يخصّ المفاوضات التي كانت جارية آنذاك مع إيران, واصفا  إياه بـ”الغضب الإسرائيلي السعودي”, مُتابِعًا: “كلكم اللي كنتوا ناطرين الفشل وسيعملون بالمناسبة من هون لـ30 حزيران (يونيو)، بدنا نفترض مليارات الدولارات بدها تندفع، اللوبيات كلها بأمريكا بدها تشتغل، ودول الخليج، الإسرائيليين، اللوبي الصهيوني، سيكون هناك عمل دؤوب في الليل وفي النهار، حتى لا يتم هذا الاتفاق في 30 حزيران”.

وفي مؤتمر لاحق أقيم تضامنًا مع اليمن, اعتبر نصر الله أن النظام السعودي الداعم للوهابية هو عامل التهديد الرئيسي تجاه قبر النبي محمد: “نعم، هناك تهديد للحرمين الشريفين ولكن من داخل السعودية والفكر الوهابي وليس من اليمن.. الحرم النبوي مهدد, لا نعلم متى يخرج شباب الوهابية من المدارس السعودية لتفجير أنفسهم وهدم قبر النبي محمد”.

وفي تعليِقه على عاصفة الحزم في شهر مارس الماضي اعتبر نصر الله أن: “هناك مشكلة جوهرية بعقل النظام السعودي وهي عدم الاعتراف بشيء اسمه شعوب سواء شعب مصري أو خليجي أو حتى سعودي”.

كما يقف نصر الله موقف العداء تجاه السلطة الحاكمة في البحرين، حيث يعتبر أن “هناك فظائع تُرتكب داخل السجون في البحرين، وسط صمت وتخاذل المجتمع الدولي”، داعيًا جماعات المعارضة البحرينية، إلى “الاستمرار في حراكها حتى تحقيق أهدافها”.

“المستشار الإيراني علي أكبر ولايتي, في لبنان الاثنين الماضي, معبّرًا عن “افتخاره” بـ”انتصارات المقاومة” في القلمون”

“محور المقاومة” إيران وسوريا

لم يتغير موقف نصر الله كثيرًا بالنسبة لكلّ من سوريا وإيران خلال أحاديثه الأخيرة, حيث استمرّ بتأكيد استقلالية الحزب التامة عن إيران, ومنكرًا أي تدخل إيراني في قرارات الحزب, قائلا بشأن تدخل الحزب في سوريا: “لم تأمرنا إيران بقرار مطلقا منذ بداية المقاومة بعكس السعودية وأخذها للأوامر من جهات معروفة”.

وتعليقًا على عملية شبعا التي قام بها الحزب في يناير كانون الثاني بداية العام الجاري, أكد حسن نصر الله أن إيران لم يكن لها دور، ولم تطلب من الحزب عدم الرد خاصة وأنها كانت تخوض مفاوضات مع الغرب في تلك الأثناء بشأن ملفها النووي، وذلك لأنها “تحترم قرارات وكرامة المقاومة”.

ودافعَ عن الموقف الإيراني في مرّات ومواقف عدة, من ذلك تعليقه على عاصفة الحزم “أين الدليل على أن اليمن محتل من إيران؟ لا يوجد تدخل لإيران في اليمن ولا هيمنة”.

وفي وقت آخر: “لا توجد قوات إيرانية في سوريا بل هناك ضباط موجودون في البلاد من قبل الأحداث, عدد الإيرانيين في سوريا محدود لا يصل لـ50 شخصا ثم يقول سعود الفيصل إنها محتلة من إيران”.

نصر الله: لا وجود لقوات إيرانية في سوريا

ومُعتبِرًا أن دول المنطقة تلجأ لإيران بسبب “الفشل التام في السياسة الخارجية للسعودية خلال الـ30 عاما الماضية هي ما فتح المنطقة لإيران ودفعت بشعوب المنطقة للتوجه إلى إيران”, بالإضافة إلى حديثه الحماسي بشأن المفاوضات الجارية مع إيران والذي اعتبر أن جهات عدة ستقف بمواجهته بشدة أملًا بأن يفشل.

ويُذكر أنه على إثر استهداف الطيران الإسرائيلي بعض عناصر حزب الله وجنرال إيراني في 18 يناير 2015, اعتبر نصر الله أن “المعركة واحدة حين يمتزج الدم اللبناني بالإيراني فوق أرض سوريا”, ليعقّب القائد العام للحرس الثوري الإيراني, اللواء محمد علي جعفري: “نحن وحزب الله واحد”.

“زيارة الرئيس الإيراني لدمشق بحضور حسن نصر الله عام 2010”

وبالنسبة لسوريا, فقد وقف حسن نصر الله موقف الدفاع والتأييد باستمرار, حيث عدّ أنه “على الرغم من تراجع الجيش السوري عن بعض مناطق البلاد لا تزال موازين القوى في صالح دمشق”، و”سقوط قرية أو مدينة لا يشكل تحولا جذريا في المعركة الدائرة في سوريا”.

كما أن “المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الدولة هي الأكبر والجزء الأكبر من الشعب السوري لا يزال مع الدولة”.

ويُنكِر نصر الله ما وصفه بمزاعم عن قيام طهران بفرض قراراتها على دمشق، مؤكدا أن “القرار في الداخل السوري وفي السياسية الخارجية هو قرار سوري والقيادة الإيرانية تصر على احترام هذا الأمر”.

“جنازة لمقاتلين من حزب الله سقطوا في القلمون في مايو الجاري”

مزامنة الخطابات للأحداث

تأتي غالبية خطابات الأمين العام لحزب الله تعليقًا على الأحداث الجارية في الشرق الأوسط خصوصًا وفي المجتمع الدولي عمومًا, وتفضّل سياسة الحزب عمومًا مزامنة الخطابات مع حوادث تبرز قوّة الحزب ومن أشهر تلك المواقف إعلان حسن نصر الله تدمير بارجة إسرائيلية في حرب تموز 2006م أثناء إلقائه خطابًا متعلقًا بالحرب, وكذلك الخطاب الذي ألقاه فورًا بعد تحقيق “النصر” في معركة “القصير” في سوريا عام 2013.

لكن أحداث عام 2015 لم تجرِ بطريقة تمكنه من تحقيق هذا, حيث كان أولها في يناير/ كانون الثاني وكان الحزب قد تلقّى ضربة من الطيران الإسرائيلي في الجولان أدت لمقتل بضع من كوادره أحدهم ابن “عماد مغنية” أحد أشهر رموز حزب الله, وانتظر حسن نصر الله حتى قام حزب الله بالهجوم على دورية إسرائيلية في مزارع “شبعا” اللبنانية, ليقوم بخطاب متلفَـز ويُعلق على الحادثة.

أما التصريحات اللاحقة فقد جاءت بعد بداية “عاصفة الحزم” التي كانت بقيادة سعودية, ما جعلَ الحزب يقوم بمؤتمر “تضامني” مع اليمن في مواجهة “العدوان السعودي الأمريكي”, والذي قام حسن نصر الله بإلقاء خطاب ضمنه.

كما لم تكن الخطابات المتعلقة بسوريا أفضل حالًا, حيث جاءت إحداها بعد تمكن جبهة النصرة و”جيش الفتح” المكوّن من تجمع لفصائل من الجيش الحر من إحراز تقدم ملحوظ في شمالي سوريا, أما الخطاب الأخير الذي قام به السبت الماضي, رافقَ بدء “جبهة النصرة” “معركة القلمون” ضد قوات حزب الله والنظام السوري, وقد أنكرَ نصر الله في الخطاب الأرقام المعلنة عن قتلى الحزب, حيث أكّد أن الحزب لم يخسر أكثر من 13 مقاتلًا منذ بداية الهجوم.

المصادر

تحميل المزيد