جسم الإنسان وما يحتويه من أعضاء حيوية وخلايا؛ ما زال يحمل مفاجآت واكتشافات جديدة للعلماء الذي يقضون وقتًا طويلًا، ويبذلون جهدًا كبيرًا لفهم الجسم البشري، وكلما تقدم العلم وتقدمت التكنولوجيا المستخدمة في الأبحاث الطبية، تأكد الأطباء والباحثون أنه ما زال أمامهم الكثير ليتعلموه عن جسم الإنسان.
مؤخرًا أجريت الكثير من الدراسات لفهم والبحث حول الرئتين، بعد أن تعرض البشر في أنحاء كوكب الأرض لجائحة كورونا والتي ما زال البشر يعانون منها حتى الآن؛ إذ فتح ذلك الباب للمزيد من الأبحاث عن الرئتين، وفي هذا التقرير سنتحدث عن واحدة من أحدث الدراسات التي تخص الرئتين، والتي كشفت النقاب عن جزء جديد في رئة البشر لم يكن الأطباء يعلمون شيئًا عن وجوده من قبل، يمكن أن يكون بشرى سارة لمرضى الانسداد الرئوي المزمن على سبيل المثال.
خلايا جوكر؟
نشرت دراسة في نهاية شهر مارس (آذار) من العام 2022 تحت عنوان: «Human distal airways contain a multipotent secretory cell that can regenerate alveoli» أو «ممرات هوائية في رئة الإنسان على خلية إفرازية متعددة القدرات يمكنها تجديد الحويصلات الهوائية»، وفي هذه الدراسة اكتشف العلماء نوعًا جديدًا من الخلايا الرئوية كان «يختبئ عن أنظار الأطباء» – وفقًا لوصف الدراسة– داخل الممرات الدقيقة والمتفرعة بالرئة.
تلك الخلايا المكتشفة حديثًا تلعب دورًا حيويًّا في الحفاظ على عمل الجهاز التنفسي عملًا صحيًّا، وفي الوقت الذي تعرض فيه البشر على كوكب الأرض لوباء يخص الجهاز التنفسي، يعد هذا الكشف مفتاحًا لبوابة جديدة في تطوير علاجات جديدة تخص الأمراض التي تهاجم الرئة وتسبب وفاة ملايين المصابين بها سنويًّا.
الخلايا المكتشفة حديثًا –المعروفة الآن باسم خلايا إفراز مجرى الهواء التنفسي (RAS)- موجودة في ممرات صغيرة ومتفرعة في الرئة مرتبطة بالحويصلات الهوائية، وهذه الحويصلات عبارة عن أكياس هوائية صغيرة من شأنها تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بمجرى الدم.
وضح الأطباء في هذه الدراسة أن تلك الخلايا المكتشفة حديثًا في رئة البشر تشبه كثيرًا الخلايا الجذعية، ويمكنها التشكل بالتحفيز من خلال الدواء لأي خلايا أخرى في الجسم ما يجعلها قادرة على إصلاح الحويصلات التالفة في الرئة وتحويلها إلى خلايا جديدة، ولفهم الأمر يمكنك تخيل تلك الخلايا على أنها مثل الجوكر – الخاص بأوراق اللعب- يمكنها أن تحل محل أي خلية أخرى تالفة في الرئة، ما يجعل هذا الكشف عاملًا مساعدًا فعَّالًا في اكتشاف علاجات وتطوير عقاقير من شأنها تحفيز تلك الخلايا بهدف إنقاذ العديد من مرضى الأمراض التنفسية الخطيرة.
بسبب الفئران.. لماذا لم يكتشف البشر هذه الخلايا من قبل؟
الأمر الذي وقف عائقًا لفترة طويلة بين العلم واكتشاف تلك الخلايا ذات الدور المهم في رئة الإنسان، هو أن معظم التجارب التي أجريت لفهم رئة البشر؛ كانت تُجرى على الفئران نماذجَ مصغرة ومشابهة للجهاز التنفسي البشري، ولكن عادة ما كانت النتائج «محبطة» – على حد وصف العلماء – وهذا بسبب الاختلافات التشريحية بين البشر والفئران، والذي وقف عائقًا أمام العلم لفهم رئتي البشر فهمًا كاملًا.
ولهذا الغرض؛ كافح العلماء فترة طويلة لسد بعض الفجوات المعرفية حول رئتي الإنسان، ومن أجل الوصول لفهم أفضل لهذه الاختلافات على المستوى الخلوي، اتجه العلماء لمتبرعين أصحاء من البشر لإجراء تلك التجارب، وأخذ الفريق عينات من أنسجة الرئة للمتبرعين البشر الأصحاء، وحللوا الجينات داخل الخلايا الفردية، والتي كشفت عن خلايا «RAS» غير المعروفة سابقًا للعلماء على الإطلاق.
ما الفائدة العائدة على البشر من هذا الكشف؟
أكد العلماء أن اكتشاف هذه الخلايا والتوسع الفترة القادمة في دراستها، سيمنح الطب الفرصة لعلاج الكثير من الأمراض التنفسية من أهمها الأمراض المرتبطة بالتدخين والتلوث، مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو ثالث سبب مؤدٍ إلى الوفاة في العالم، و تسبب في 3.23 مليون حالة وفاة في عام 2019 وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وأكثر من 80% من هذه الوفيات حدثت في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، ويتسبب هذا المرض في ظهور أعراض تنفسية مستمرة تتفاقم تدريجيًّا على المصاب، ومنها صعوبة التنفس والسعال وإفراز البلغم، ويعد التعرض البيئي لدخان التبغ، وتلوث الهواء في الأماكن المغلقة، والأغبرة في مكان العمل، والأدخنة والمواد الكيميائية هي أبرز العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن.
نظريًّا يخبرنا الباحثون في هذه الدراسة أن خلايا «RAS» يمكنها أن تمنع أو على الأقل تخفف، من آثار مرض الانسداد الرئوي المزمن عن طريق إصلاح الحويصلات التالفة، ومع ذلك، يشك الباحثون في أن التدخين يمكن أن يدمر الخلايا الجديدة، ولذلك فإن المريض الذي سيطبق عليه تلك العلاجات التي سيتم تطويرها؛ يجب ألا يدخن بعد العلاج وإلا من المحتمل أن تتلف الخلايا مرة أخرى.
تكمن أهمية هذا الاكتشاف للجزء الجديد من جسم الإنسان، في أنه يعد فرعًا من فروع الأعصاب الموجودة داخل الرئتين، وله دور مهم في تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون داخل الدم، وقد أطلق عليه العلماء بعد اكتشافه اسم «Respiratory Airway Secretary» أو سكرتير الجهاز التنفسي، ولذلك يعد هذا الكشف فرصة كبيرة لعلاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، والذي يمنع الأكسجين من التراكم داخل الرئتين.