جميعنا يقدر أهمية الحصول على قسط كافٍ من النوم. فعدم القيام بذلك يؤثر في قدرتنا على العمل بفعالية، وهو أمر يصبح واضحًا بشكل مؤلم أثناء العمل بنظام النوبات أو «الشيفت»، لا سيما الفترة المسائية أو الشيفت المسائي. لكن المفاجأة أن التأثير السلبي للعمل بنظام النوبات الليلية والاضطرابات المصاحبة لتغيير العمل بالنوبات يظهر أكثر في النساء.
فقد أوضحت الكثير من الأبحاث الحديثة، أن هذا النوع من الاضطراب في إيقاعات النوم اليومية، قد يكون له تأثير على أدمغة النساء وصحتهن أكثر من تأثيره على الرجال. آخر هذه الأبحاث أوضح مدى خطورة الدوام الليلي أو العمل في الفترة المسائية على المرأة الحامل، وإمكانية تعرضها للإجهاض.
احذري.. «الفترة المسائية» قد تتسبب لكِ في الإجهاض
العمل في الفترة المسائية لنوبتين أو أكثر في الأسبوع قد يزيد من خطر تعرض المرأة الحامل للإجهاض في الأسبوع التالي بنحو الثلث، هذا ما أظهرته دراسة جديدة نشرت على الإنترنت في مجلة الطب المهني والبيئي.
وبهذا يظهر خطر جديد على النساء اللواتي يعملن في الفترة المسائية، سواء بانتظام أو بشكل متقطع. وكانت دراسات سابقة اقترحت أن النساء الحوامل يواجهن خطرًا أكبر للإجهاض إذا كن يعملن في نوبات الفترة المسائية، لكن هذه الدراسات استندت إلى التبليغ الذاتي للنساء دون تحديد مستوى الخطر المتزايد أو مقدار العمل بنظام النوبات الذي يمثل خطرًا. للوصول إلى نتائج الدراسة الجديدة، وصل الباحثون إلى بيانات كشوف المرتبات لقرابة 22 ألف امرأة حامل تعمل في الخدمات العامة، وخاصة المستشفيات في الدنمارك، وربطوا ذلك ببيانات من السجلات الوطنية الدنماركية حول الولادات وتسجيل الدخول في المستشفيات للإجهاض، وهو ما سمح بتحديد تأثر خطر الإجهاض بين الأسابيع 4 -22 من الحمل بالعمل الليلي.
وأوضحت الدراسة أنه بعد الأسبوع الثامن من الحمل، كانت النساء اللائي عملن في الفترة المسائية نوبتين أو أكثر في الأسبوع السابق أكثر عرضة بنسبة 32% للإجهاض مقارنة بالنساء اللائي لم يعملن أي نوبات ليلية في هذا الأسبوع. وزاد خطر الإجهاض مع زيادة عدد نوبات الفترة المسائية في الأسبوع، وأيضًا مع أعداد النوبات الليلية المتتالية.
الدوام المسائي يشكل خطرًا على المرأة الحامل
كان الارتباط بين العمل خلال الفترة المسائية وخطر الإجهاض أقوى بعد الأسبوع الثامن من الحمل. وطبقًا للباحثين، فيمكن تفسير ذلك بانخفاض نسبة «الأجنة الشاذة كروموسوميًّا» مع عمر الحمل، ما يجعل هناك ارتباط بين الإجهاض وبين العوامل البيئية بصورة أكثر سهولة.
المقصود هنا هو أنه مع مرور أسابيع الحمل تقل نسبة حدوث إجهاض بسبب التشوهات الجنينية الناجمة عن العوامل الوراثية أو الأخطاء في الجينات، ويصبح هناك علاقة أوضح بين الإجهاض وبين العوامل البيئية المحيطة بدءًا من الأسبوع الثامن للحمل.
العمل في الفترة المسائية يؤثر في الذاكرة والانتباه والتحكم
تمتلك أدمغتنا ساعة مدمجة تعمل على مدار الساعة، مهمتها تنظيم بعض العمليات اليومية في أجسامنا مثل النوم، وتتبع أنماطًا محددة، تعرف باسم إيقاعات الساعة البيولوجية. يؤدي أحد هذه الإيقاعات إلى جعل أدمغتنا أكثر انتباهًا في النهار وأقل انتباهًا في الليل؛ مما يتيح لنا البقاء مستيقظين والنوم على هذا الأساس.
عندما نغير «دورة النوم والاستيقاظ» هذه عن طريق إجبار أنفسنا على البقاء مستيقظين في الليل والنوم أثناء النهار، كما هو مطلوب للعمل في الفترة المسائية، فإن ساعات عقولنا المدمجة لا تتحول معها. هذا هو السبب في أن العمل في الفترة المسائية صعب جدًّا. أدمغتنا خلال هذا الدوام لا تكون في حالة تأهب؛ لأنهم يريدون – بطبيعة الحال- الذهاب إلى النوم ليلًا.
وتشير بعض الأبحاث إلى أن النساء يتأثرن أكثر من الرجال بفترة عملهن المسائية؛ لأنهن أكثر عرضة للإصابات المرتبطة بالعمل. قد يكون هذا جزئيًّا بسبب عوامل اجتماعية مثل المسؤوليات الأسرية، وهذا يعني أن المرأة تعمل لفترة أطول وتنام أقل في أيام العطلة من الرجال.
ليس هذا هو السبب الوحيد؛ لكن هناك أيضًا اختلافًا متأصلًا بين أدمغة الرجال والنساء. لقد عرفنا منذ عام 1984 أن ساعات دماغ المرأة اليومية تعمل بشكل أسرع من ساعات الرجال، وأنها تميل إلى النوم لفترة أطول. ووجدت دراسة نشرت في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية» للعلوم، أن تأثير ساعة الدماغ – في عدة مقاييس للأداء- يبدو أقوى عند النساء منه في الرجال.
في هذه الدراسة جرت عملية مقارنة وظائف المخ لـ16 رجلًا و18 امرأة على مدار 10 أيام. يتضمن هذا النوع من الدراسة إبقاء المشاركين في بيئة خالية من عقارب الساعة دون ضوء النهار الخارجي يساعدهم على إعلامهم بالوقت.
وضع المشاركين في دورة نوم واستيقاظ مقدارها 28 ساعة بدلًا من 24 ساعة، وبدون أي إشارات حول الوقت الفعلي، أصبح الإيقاع الطبيعي لساعة عقولهم متزامنًا مع جدول النوم والاستيقاظ الجديد. كانت أوقات النوم والاستيقاظ على خلاف مع إيقاعات الليل والنهار المسجلة في عقولهم، كما يحدث بالضبط عندما يعمل الناس في الفترة المسائية.
خلال فترة استيقاظ المشاركين، كان يجري اختبار مهاراتهم في الانتباه والذاكرة والتحكم الحركي، وطلب منهم تقييم الجهد الذي يحتاجون إليه لإكمال المهام، وكذلك النعاس والمزاج. أظهرت النتائج أن العديد من جوانب الأداء في اليقظة تتأثر بساعة الدماغ. بشكل عام، كان الأداء عبر المهارات أضعف خلال فترة الليل المسجلة مسبقًا في المخ.
تغيير نوبات العمل يضع النساء في مشاكل مع مرض السكري
حذرت دراسة من أن النساء اللائي يعملن في مزيج غير منتظم من نوبات الليل والنهار لديهن «خطورة عالية بشكل خاص» من الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. نحن نعلم بالفعل أن هذا المرض يمكن أن يظهر من خلال عوامل نمط الحياة غير الصحية، مثل التدخين، وتناول الوجبات السريعة، والابتعاد عن الرياضة.
لكن الدراسة التي جرت في «جامعة هارفارد»، وشملت 150 ألف ممرض على مدى 15 عامًا، وجدت أن جدول عمل الشخص يمكن أن يعيق قدرة الجسم على التحمل والتحكم في مستويات السكر في الدم. وأظهرت النتائج التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية، حاجة أكبر إلى أن ندرك كيف يمكن أن يكون لنوبات العمل بجدول غير منتظم، آثار خطيرة ومدمرة على صحة المرأة.
الباحثون الذين أجروا الدراسة يعتقدون أنهم أول من نظر إلى التأثير المشترك لنمط الحياة غير الصحي والعمل بنظام الفترة المسائية الدورية على خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري. فاستخلصوا بيانات عن 143 ألف امرأة غير مصابات بداء السكري من النوع الثاني، أو أمراض القلب والأوعية الدموية، أو السرطان، وقد قاموا بملء الاستبيانات الطبية والغذائية ونمط الحياة على فترات منتظمة.
الممرضات معرضات لخطر صحي كبير بسبب دواماتهن المسائية
ولأن الرعاية التمريضية مطلوبة على مدار الساعة، مما يعني أن نوبات التمريض تشمل مزيجًا من نوبات الصباح والمساء والليل، والتي يمكن أن تكون مضرة للروتين والإيقاعات البيولوجية. ويعرف العمل بنظام المناوبة الليلية بأنه العمل على الأقل ثلاث نوبات ليلية في الشهر بالإضافة إلى نوبات مسائية وصباحية في الشهر نفسه.
تعملين في الفترة المسائية؟ إذن أنتِ معرضة لخطر الإصابة بالسرطان
الدراسة السابقة ليست هي الدراسة الأولى التي تربط نظام العمل بالنوبات، خصوصًا الفترة المسائية، والحالة الصحية السيئة. فقد أظهرت الأبحاث السابقة أن النساء اللائي يعملن في الفترة المسائية يرتفع لديهن خطر الإصابة بالقلق وارتفاع ضغط الدم، وحتى سرطان الثدي، وكذلك السكري من النوع الثاني.
قد تبدو أن فكرة ارتباط العمل في الفترة المسائية بسرطان الثدي شيئًا غريبًا. ومع ذلك، وجد العلماء أن النساء اللائي يعملن في نوبات ليلية لسنوات عديدة أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من النساء الأخريات. وهذا يشمل الممرضات اللاتي يعملن طوال الليل.
وذكرت «الوكالة الدولية لبحوث السرطان» وهي جزء من «منظمة الصحة العالمية»، أن العمل بنظام النوبات هو عامل خطر محتمل لبعض أنواع السرطان، مثلما يمكن أن يزيد النظام الغذائي من المخاطر أو يقلل منها. ووجد الباحثون أن نوبة العمل الليلية ترتبط بسرطان الثدي لأنه يمكن أن يغير دورة النوم والاستيقاظ لدى الشخص. هذا له علاقة كبيرة بالضوء الصناعي.
ويبدو أن عدد السنوات التي عملت فيها المرأة في نوبات ليلية أمر مهم. إحدى الدراسات وجدت أن خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي زاد بنسبة 3% لكل خمسة سنوات من عمل المرأة في نوبات ليلية، و13% لكل 500 نوبة ليلية، وجد باحثو «جامعة جونز هوبكنز «أن النساء اللائي يعملن بانتظام في الفترة المسائية يرفعن من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 20%.
ووجدت دراسة أخرى أن النساء اللائي عملن في الفترة المسائية لمدة تقل عن خمس سنوات كان لديهن زيادة بنسبة 2% في خطر الإصابة. ومع ذلك، فإن أولئك الذين عملوا في نوبات ليلية لأكثر من 20 عامًا زادت لديهم مخاطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 9%.