قد يعتقد الكثيرون أن الدول الإسلامية فقط هي من تفرض أشد العقوبات على ممارسة الإجهاض، وذلك بسبب الإفتاء السائد من المؤسسات والفقهاء المسلمين بأن الأمر ضد الشريعة الإسلامية، بسبب قتل نفس مخلوقة، حتى وإن لم تولد بعد، ولكن في واقع الأمر إن هناك العديد من الدول غير الإسلامية، في مختلف أنحاء العالم وقاراتها، ما زالت تفرض أقصى العقوبات على عمليات الإجهاض، في مختلف حالاته، حتى ولو كان فيه خطرًا على حياة الأم، وحتى لو ارتبط بالأمراض الوراثية؛ ذلك يحدث حتى في أوروبا نفسها.
أيرلندا.. كانت تفرض أقسى العقوبات حتى شهور قليلة ماضية
قبل أكثر من شهرين، أشاد رئيس الوزراء الأيرلندي، ليو فارادكار بما أسماه «الثورة الهادئة» التي حدثت في أيرلندا، وذلك بعدما أشارت النتائج حينها إلى تقدّم الداعين إلى إلغاء تجريم الإجهاض، في الاستفتاء الشعبي الذي جرى من أجل التصويت على إلغاء المادة الثامنة من الدستور الإيرلندي، والتي تشير إلى حق الجنين في الحياة، حتى وهو في بطن أمه؛ إذ جاءت النتائج بـ69% ممن لهم حق التصويت اتجهوا إلى الموافقة على إلغاء المادة الدستورية. وقال رئيس الوزراء الأيرلندي إن الناخبين الأيرلنديين يثقون في النساء، ويحترمون قراراتهن بشأن صحتهن.
الجدير بالذكر أنه قبل هذا الاستفتاء، كانت أيرلندا واحدة من الدول التي تفرض أقسى العقوبات على النساء اللاتي يجرين عملية إجهاض؛ وقد كانت تصل عقوبة الإجهاض إلى سجن الأم لمدة 14 عامًا كاملة. وبتصويت الأيرلنديين، فإن أيرلندا تصبح الدولة 134 في العالم، التي تسمح بالإجهاض طبقًا للقانون.

الناخبون الأيرلنديون يصوتون بنعم لصالح إلغاء قوانين حظر الإجهاض
وبخلاف أيرلندا، فهناك العديد من الدول الموجودة في مختلف قارات وأنحاء العالم التي تفرض أشد العقوبات على الإجهاض، سواء في أوروبا، أو آسيا، أو حتى أمريكا اللاتينية، أو غيرهم، والتي غالبًا ما تقضي بسجن الأم لفترة تبدأ بعامين وقد تصل إلى 40 عامًا، بحسب قوانين كل دولة.
التضييق على الإجهاض ليس فقط عن طريق عقوبة السجن؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم فرض عدد من الإجراءات على عيادات الإجهاض، وهو ما أدى إلى إغلاق 89% منها، فهناك مئات المقاطعات التي لا تجري فيها أية عمليات للإجهاض.
وقد يظنّ البعض أن أيرلندا هي الدولة الأوروبية الأخيرة التي كانت تفرض عقوبات على الإجهاض، ولكن هذا خاطئ، فهناك دول أوروبية أخرى ما زالت تفرض عقوبات شديدة عليه. كما قد يظن البعض أنّ الدول الإسلامية هي الأكثر تشددًا وحزمًا ضد الإجهاض، إلا أنّ السطور القادمة ستغيّر هذا الرأي.
السلفادور.. السجن قد يصل إلى 40 عامًا
تعتبر السلفادور في أمريكا اللاتينية أسوأ دول العالم في إجراءاتها ضد الإجهاض؛ إذ من غير القانوني إجراء أي عمليات إجهاض تحت أي ظرف، حتى لو كان الحمل يُعرِّض حياة الأم للخطر، ويتعين على المرأة في السلفادور أن تلد ما تحمله، حتى لو كانت حياتها الصحية الجسدية أو العقلية معرضة للخطر نتيجة هذه الولادة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنه من غير القانوني إجراء أي عمليات إجهاض حتى في حالات الاغتصاب، أو حالات الأمراض الوراثية، أو وجود أي إعاقة لدى الجنين، أو في حالة العلم بأن الجنين لن ينجو بأي حال في حال تم الحمل، أو أنه سيعاني من الأمراض لفترة، كما أنه ليس مسموحًا به حتى في حالة الحوامل القُصَّر؛ وهم أولئك اللاتي يحملن وهن دون السن القانوني.
وتواجه النساء اللائي يقمن بعمل عمليات إجهاض غير قانونية بمواجهة عقوبة السجن لفترة تتراوح بين سنتين إلى ثماني سنوات كاملة. يأتي هذا في الوقت الذي يعتبر فيه الطبيب الذي قام بإجراء العملية شريكًا في الجريمة، فـيواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 12 عامًا.
الجدير بالذكر أن هذا الإجراء جعل من الأطباء أشبه بـمُخبري الشرطة؛ إذ إنهم يقومون بإبلاغ الشرطة في حالة سعي مرضاهم لإجراء عمليات الإجهاض لديهم، وذلك من أجل تبرئة أنفسهم أمام القانون.
عقوبة السنوات الثمانية هي خاصة بأولئك الذين يقومون بعمليات الإجهاض في بداية الحمل؛ أما أولئك الذين يقومون بها بعد فترة من الحمل في السلفادور فإنهن يواجهن عقوبات تصل إلى 40 عامًا بالسجن، وذلك بتهمة القتل العمد، وذلك بحسب قانون حظر الإجهاض الذي يتم تطبيقه منذ عام 1998 في السلفادور.
وفي الفترة بين عامي 2000 و2011، جرى مقاضاة 129 امرأة بموجب قانون حظر الإجهاض، من ضمنهن 26 اتهمن بالقتل العمد، من ضمنهن 17 سيدة في الواقعة الأشهر في العالم؛ وحكم عليهن بالسجن لمدة 40 عامًا بعد قيامهن بعمليات إجهاض؛ يقضينها الآن في السجن، وهن اللائي أُطلق عليهن اسم «لاس 17».
مالطا.. الإجهاض جريمة حتى لو كان لإنقاذ حياة الأم
أمَّا الوضع في مالطا فليس أفضل بكثير؛ ففي الوقت الذي تعتبر فيه مالطا من الدول المؤيدة للحقوق والحريات الجنسية؛ إذ إنها منحت حق تبني الأطفال للشركاء المثليين جنسيًا من مواطنيها في عام 2014، إلا أنها تعتبر في الوقت نفسه الدولة الأوروبية الوحيدة التي ما زالت تعتبر الإجهاض غير قانوني بنسبة 100%، حتى لو كانت حياة المرأة معرضة للخطر، أو إن كان الحمل غير مرغوب فيه، أو ناتجًا عن اغتصاب، وتواجه السيدات عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات، وهي العقوبة نفسها التي يواجهها الطبيب الذي يقوم بالعملية.
الهندوراس.. قوانين الإنجاب على الطريقة الكاثوليكية
وفي الهندوراس، يتم اغتصاب الآلاف من الفتيات والنساء كل عام؛ لكن لا يُسمح للناجيات من الاغتصاب، اللواتي يحمَلن نتيجة الاعتداء عليهن جنسيًا، بالإجهاض القانوني أو حتى تناول حبوب منع الحمل. يأتي ذلك لأن السلطات في الدولة الكاثوليكية تعتقد أن حقوق الطفل الذي لم يولد بعد يجب أن تكون محمية بموجب القانون بأي ثمن، وهذا يعني أن أي طريقة لإنهاء الحمل تعتبر غير قانونية، وتُكلِّف الأم، ومن قام بالعملية، عقوبة سجن لعدة سنوات، تتراوح من ثلاث إلى ست سنوات.