فلنحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى رماد وظلام؛ فلنُنفس عن غضبنا بحشد كل ما أعددناه حتى الآن من وسائل الانتقام *بيان اللجنة الكورية الشمالية للسلام
لا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت التهديد والوعيد المتبادل بين أمريكا وكوريا الشمالية، آخر فصول التهديد، هذا التقرير الذي بثته وكالة الأنباء الرسمية في كوريا الشمالية، الخميس الماضي، والذي هدّد باستخدام بيونغ يانغ للأسلحة النووية «لإغراق» اليابان وتحويل الولايات المتحدة إلى «رماد وظلام» لدعمهما قرارًا لمجلس الأمن الدولي وعقوبات ضدها بسبب أحدث تجاربها النووية. وكانت بيونغ يانغ قد أطلقت صاروخًا باليستيًّا آخر في وقت مبكر من صباح الجمعة مرّ فوق جزيرة هوكايدو -شمال اليابان- قبل أن ينشطر إلى ثلاثة أجزاء، ويسقط في المحيط الهادي على بعد نحو ألف كيلومتر من اليابسة.
موازاةً مع الترقب الشديد لأكثر من سبعة مليارات نسمة، لتنفيذ بيونغ يانغ تهديداتها النووية وإعلان حربٍ عالميةٍ ثالثة يكون عنواها السلاح النووي، دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية النظامَ السوري إلى الكشف عن تفاصيل ما قالت إنه مفاعل نووي في دير الزور دمّرته تل أبيب قبل عشر سنوات، وساد اعتقادٌ كبيرٌ طيلة تلك المدة في الداخل الإسرائيلي بأنّ تل أبيب بتدميرها لمفاعل «الكبر» تكون قد قضت على أحلام الأسد في الحصول على السلاح النووي، لكن الأمر ليس كذلك، إذ تشير معلومات استخباراتية إلى أن نظام الأسد ما يزال يحاول الحصول على السلاح النووي، وذلك بمساعدة حليفيه النوويين كوريا الشمالية وإيران.. فهل سيكون نظام الأسد الخطر النووي القادم؟
كوريا الشمالية الرعب النووي الذي يهدد العالم
في فبراير (شباط) من العام الماضي قالت واشنطن إن لديها معلومات تشير إلى أن كوريا الشمالية قد تملك قريبًا مادة البلوتونيوم لصنع أسلحة نووية، بعد شهرٍ فقط من ذلك ظهر «كيم جونج أون» في صورٍ نشرتها وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، وهو يشاهد جهازًا للتفجير النووي، وبعد تحليل الصور تبيّن أن قطر الجهاز التفجيري حوالي 60 سم، وهو ما يتفق مع أبعاد القنابل النووية الأمريكية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
تتسارع الأحداث بعدها لتصل إلى تجربة نووية هي السادسة لكوريا الشمالية منذ انطلاق برنامجها، وذلك بتفجيرها قنبلة هيدروجينية يمكن تحميلها على صاروخ بالستي عابرٍ للقارات، وأن القنبلة ذات قوة تدميرية كبيرة ويمكن تفجيرها على ارتفاعات عالية، مؤكدة أن مكوناتها محلية، مما يتيح تطويرها بشكل مستمر، وكانت الولايات المتحدة قد قدّرت القوة التدميرية لتجربة النووية الكورية بأكثر من عشرة أضعاف عن القنبلة التي سوّت هيروشيما اليابانية بالأرض.
الزعيم الكوري الشمالي يتفقد جهازًا للتفجير النووي
كان للعالم بقيادة دول مجلس الأمن الرد على استفزازات كوريا الشمالية النووية لردعها، فصوت أعضاء مجلس الأمن الاثنين الماضي بالإجماع لصالح مشروع قرار أمريكي بفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية ردًا على سادس تجربةٍ نووية لها والتي تعدّ الأكبر في تاريخها، يأتي قرار العقوبات هذا رغم تحذيراتٍ شديدة اللهجة من بيونغ يانغ من أنها ستلحق بواشنطن «أكبر ألم» إذا فرضت عليها عقوبات جديدة، ورأى المجتمع الدولي أن العقوبات الشديدة التي فرضها على كوريا الشمالية، والتي تضمنت منعًا على صادرات النسيج الكورية الشمالية وقيودًا على شحنات المنتجات النفطية المتوجهة إلى هذا البلد النووي، أنها ستردعه.
لكن بيونغ يانغ يبدو أنّها لم تكثرت للعقوبات وواصلت تهديداتها، فأطلقت صباح الجمعة صاروخًا باليستيّا جديدًا فوق اليابان، وذلك للمرة الثانية في غضون أسابيع فقط، وبلغ الصاروخ الجديد ارتفاعًا قُدّر بنحو 770 كيلومترًا وحلّق لمسافة 3700 كيلومتر قبل أن يسقط في الماء قبالة جزيرة هوكايدو (شمال اليابان).
https://www.youtube.com/watch?v=EuYyiwVnt3Q
بحسب بيانٍ للجيش الكوري الجنوبي، وفي ردّ فعل على التصعيد الجديد، قال رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» في بيانٍ له إن دولته «لن تتسامح أبدًا مع ما سماها تصرفات كوريا الشمالية غير المسؤولة»، وأضاف آبي «إذا استمرت كوريا الشمالية بالمضي في هذا الطريق، فليس لها مستقبل مشرق».
من جهته أدان وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» إطلاق الصاروخ، الذي قال عنه إنّه يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة محملًا روسيا والصين مسؤولية الردّ على الاستفزاز الكوري الشمالي في رسالة فسرت إلى العجز الأمريكي لمواجهة الخطر النووي لبيونغ يانغ.
على خطى كوريا الشمالية.. الأسد يريد السلاح النووي
بينما كانت كوريا الشمالية تجهر برنامجها النووي في بداية القرن الحالي، كانت الاستخبارات الإسرائيلية تترصد في دير الزور منشأة شبيهة لمفاعل يونغبيون الكوري الشمالي وذلك استنادًا إلى موقع المفاعل وعدم اتصاله بأي شبكة كهربائية، الذي بدا إنه جزء من برنامج أسلحة نووية، وليس الهدف منه إنتاج الطاقة الكهربائية.
في منتصف مايو (أيار) من سنة 2007 وفي حدّة الخلاف الأمريكي الإسرائيلي على نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، يأتي الخبر اليقين لتل أبيب، «مئير داغان» رئيس جهاز الموساد يطلب لقاءًا عاجلًا مع السلطات الأمريكية لاطلاعهم على آخر ما حصلت عليه من معلومات على البرنامج النووي السوري، اجتمع داغان مع نائب الرئيس الأمريكي «ديك تشيني» ومستشار الأمن القومي «ستيفن هادلي»، وأخبرهم بأنّ سوريا تبني مفاعلًا نوويًا حصلت على تصميمه من كوريا الشمالية، وهي تبنيه بمساعدةٍ تقنيةٍ من بيونغ يانغ، وأنّ عملاء الموساد رصدوا تواجدًا لعالم كوري شمالي بالقرب من المنشأة السورية، لتتفق أمريكا وإسرائيل على إزالة هذا التهديد.
بعد أشهر من التنسيق الأمريكي الإسرائيلي حول المفاعل السوري، حصلت إسرائيل أخيرًا على معلومة تفيد أن مفاعل الكبر كان في مرحلة متقدمة من البناء وخلال أشهر قليلة سيصبح «حارًا» أي شغالًا.
إسرائيل تجهض أحلام الأسد النووية
قررت إسرائيل أخيرًا بعد أن تصاعد خوفها من امتلاك جيرانها السوريين للسلاح النووّي شنّ ضربة عسكرية للمنشأة، وكشف تحقيقٌ صحفي نشرته مجلة «ذي نيويوركر» الأمريكية في شهر سبتمبر (أيلول) سنة 2012 بعض أسرار الضربة الجوية المدمرة لمفاعل الكبر، وقالت المجلة إن عملاء لـ«الموساد» قاموا بالتسلل إلى شقة رئيس هيئة الطاقة الذرية السورية في فيينا «إبراهيم عثمان»، وتمكنوا من الحصول على أسرار كثيرة بعد أن نسي عثمان حاسوبه في الشقة، من بينها ما يزيد على 35 صورة ملونة للمبنى قيد الانشاء من الداخل.
وأظهرت الصور حسب الصحيفة الأمريكية وجود عمال وعلماء من كوريا الشمالية في الموقع المذكور، الذي عرف لاحقًا باسم «مفاعل الكبر»، كما أظهرت الصور أن المفاعل من الداخل يشبه إلى حدِ ما العناصر الهندسية لمفاعل يونغبيون الكوري الشمالي
وفي السادس من سبتمبر (أيلول) سنة 2007 بعد منتصف الليل بالضبط، وتحت مسمى «عملية البستان» ألقت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة ما مجموعه 17 طنًا من المتفجرات على موقع «الكبر» السوري لتسويه بالأرض، وأنكرت سوريا مرارًا أنّ الموقع الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية مفاعلا نوويا، وسمحت تحت الضغوطات الدولية لوكالة الطاقة الذرية سنة 2009 للمراقبين الدوليين بزيارة الموقع وتم العثور على آثار لمادة اليورانيوم به.
وفي سنة 2011 كشف مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية «يوكاوا أمانو» لأول مرة أن الموقع قصفته الطائرات الإسرائيلية في صحراء دير الزور السورية عام 2007 كان مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء، واحتجت سوريا على ما سمتها بالادعاءات وهددت بوقف تعاونها مع الوكالة، وبعد سيطرة الجيش الحر على منطقة الكبر قالت المعارضة السورية أنّ المبنى الواقع تحت سيطرتها لا يبدو أنه كان منشأة نووية، وبعد عشر سنوات على تدميره من قبل الطيران الإسرائيلي، عادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لفتح ملف «مفاعل الكبر» النووي قرب مدينة «دير الزور»، مطالبة النظام السوري بتقديم كافة المعلومات حول المفاعل.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية «يوكاوا أمانو» في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، إن الوكالة ما زالت تعتقد أن منشأة دير الزور التي دُمِّرت في العام 2007 كانت مفاعلًا نوويًا، وعليه فإنه يتعين على دمشق أن تبلغ عن تفاصيلها بناء على اتفاقها مع المنظمة الدولية.
الكبر ليس الوحيد.. مفاعل زمزم طريق سوريا لتهديد العالم
فجرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية مفاجأة كبيرة عندما كشفت مطلع سنة 2015 عن وجود مفاعلٍ نوويٍ سوريٍ قيد الإنشاء في القصير على الحدود اللبنانية، يعمل على إنجازه خبراء من كوريا الشمالية وإيران، ويقوم عناصر من حزب الله بحمايته، وعرضت الصحيفة صورًا وخرائط لمكان قالت عنه أنّه موقع المفاعل السوري الجديد، وأظهرت الصور أن الموقع يقع في منطقة جبلية بمنطقة القصير التي سيطر عليها حزب الله غربي سوريا.
وبحسب موقع «شبيغل أونلاين»، فإنّ الموقع يسمّى «زمزم»، ويمكن استخدامه في بناء مفاعل كامل أو مصنع لتخصيب اليورانيوم، بحسب ما قاله خبراء غربيون للصحيفة، وبالعودة إلى موقع المفاعل، الذي بدا يشبه كثيرًا موقع منشأة «فوردو» النووية الإيرانية وذلك بإقامته في منطقة جبلية تصعّب على الطائرات قصفه وتدميره، أضافت الصحيفة بأنّ النظام السوري قام بنقل 8 آلاف قضيب وقود كانت مخصصة لموقع «الكبر» لمفاعل زمزم الجديد.
https://www.youtube.com/watch?v=MoQ9sB_hz5k
جدير بالذكر أنّ صحيفة «فايننشال تايمز» الأمريكية نشرت في يناير (كانون الثاني) 2013 معلومات عن مخزن لليورانيوم في منطقة «مرج السلطان» في ريف دمشق، والذي يحتوي على قرابة 50 طن من اليورانيوم بحسب مصادر دبلوماسية غربية، فيما كشفت دراسة لمعهد العلوم والأمن الدولي في فبراير (شباط) 2011، ثلاثة مراكز نووية سورية لها علاقة بموقع الكبر في دير الزور، أحدها مرج السلطان، والآخر قرب مصياف بحماة والثالث في حمص.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية «يوكاوا أمانو» في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية «أجدد دعوتي لسوريا للتعاون الكامل فيما يتعلق بجميع القضايا العالقة المتعلقة بدير الزور وغيرها من الأماكن وأن على السلطات السورية الرد على هذه الدعوات».
هل ضحى الأسد بالسلاح الكيماوي ليخفي طموحاته النووية؟
في أعقاب هجومٍ كيماوي على الغوطة الشرقية في أغسطس من سنة 2013، خرج الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» من أمام البيت الأبيض ليقول بحزمٍ «لم أكن أفكر بالضربة العسكرية لكن الأمر تغير بعد استخدام الأسد للسلاح الكيميائي»، كان أوباما قد وضع خطوطًا وصفها بالحمراء في ما يتعلّق بالأزمة السورية، تخطاها الأسد بشنّه لعشرات الهجمات الكيماوية، وَعيدُ أوباما سرعان ما أفل بعد أن وافق النظام السوري على تسليم ترسانته الكيماوية للوكالة الدولية بعد صدور قرار أممي يقضي بذلك، مقابل عدم شنّ أوباما لضربة عسكرية ضد نظام الأسد.
وعلى مرّ السنوات كان نظام الأسد يتفاخر بترسانته الكيماوية التي اعتبرها توازن رعبٍ مع إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي، وكانت تل أبيب قد هددت بشنّ ضربة عسكرية لمنع وصول السلاح الكيماوي لحزب لله.
وكشف ظباطٌ منشقون عن النظام السوري عن وجود أكثر من 55 موقعًا يملكها النظام السوري لتصنيع وتخزين الأسلحة الكيماوية، سُمح لفريق المفتشين الدوليين بدخول 37 موقعًا، ومع فقدان الأسد لترسانته الكيماوية، يبقى احتمال مواصلته لبرنامجه النووي قائمًا لكي يبقي على توازن الرعب مع محيطه.