«الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، بهذه الهتافات افتتح نواب مجلس الشوري الإسلامي (البرلمان الإيراني)، جلستهم بعد اغتيال العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زاده في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبدأوا التصويت على مشروع القانون الجديد، الذي من شأنه أن يخفض بشكل كبير الالتزامات الإيرانية تجاه الاتفاق النووي، أو ما يعرف رسميًا خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
فقبل حوالي أسبوعين من اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، كان النواب في البرلمان الإيراني، يتحدثون عن خطة جديدة بعنوان «الخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات وحماية حقوق الأمة الإيرانية»، لكن حتى قبيل اغتيال فخري زاده، لم يتجاوز الأمر نطاق المناقشة والجدل الدائم في أغلب جلسات البرلمان الإيراني، فيما يخص الاتفاق النووي.
لكن بعد ثلاثة أيام من اغتيال فخري زاده، وبدافع الرغبة في الانتقام لمقتل أهم علماء الجمهورية الإسلامية في المجال النووي؛ جرى تعديل مشروع القانون السابق ذكره، مع إضافة الكثير من البنود الجديدة، وتم التصويت عليه، وإرساله إلى مجلس صيانة الدستور، الذي وافق بدوره على القانون الجديد. فما قصة هذا القانون؟ وكيف يمكن أن يؤثر في الاتفاق النووي؟
ما هي أهم بنود قانون البرلمان الإيراني الجديد؟
ينص القانون الجديد باسم «الخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات، وحماية حقوق الشعب الإيراني»، على عدد من البنود، التي تعد اختراق صريح لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 بين طهران والغرب، مع إلزام الحكومة الإيرانية بتنفيذ كافة بنود القانون، وهي كالآتي:
1- البدء في إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، وتخزين 120 كيلو جرام منه سنويًا.
2- إنتاج اليورانيوم المخصب غير المحدد نقاوته بنسبة 500 كيلوجرام شهريًا، إضافة هذا الإنتاج الجديد إلى احتياطات البلاد من اليورانيوم.
3- تركيب ما لا يقل عن ألف جهاز لتخصيب اليورانيوم من الجيل الثاني.
4- إلزام الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية بتركيب 164 جهاز طرد مركزي من نوع «IR6»، وزيادتها إلى ألف بحلول العام الإيراني الجديد.
5- تقديم الحكومة جدول زمني لإنشاء مفاعل جديد يعمل بالماء الثقيل بقدر 40 ميجاوات لإنتاج نظائر مشعة واستخدامها طبيًا.
6- إذا لم تستطع باقي الأطراف المتبقية في خطة العمل الشاملة المشتركة (الصين، روسيا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) والاتحاد الأوروبي، شراء النفط الإيراني، ورفع العقوبات عن النظام المالي الإيراني، وعقد الصفقات التجارية العادلة، حينها ستعلق طهران العمل بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الذي يسمح لمفتشي الوكالة الدولية، بزيارة المنشآت النووية الإيرانية، والاطمئنان على سير العمليات النووية الإيرانية، والتأكد من عدم سعيها لامتلاك سلاح نووي.
«قانون تخريب الاتفاق النووي»
فور صدور القانون والمصادقة عليه في البرلمان الإيراني، انتقد عددًا كبيرًا من أنصار إدارة روحاني، والنخب السياسية الإصلاحية، هذا القانون.
ففى حديثه لـ«ساسة بوست»، يصف الكاتب الإصلاحي الإيراني، عبد الكريم حسين زاده، القانون بأنه «تخريب لما تبقى من الاتفاق النووي»، ويقول «يعتقد الأصوليون أنهم بهذا القانون ينقذون الشعب الإيراني من العقوبات، لكنه في الحقيقة تخريب للاتفاق النووي الهش بالفعل، إنها خطوة إلى الوراء، تهدف إلى زيادة الأمور تعقيدًا».
تتضمن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، التزام إيران بخفض نشاطها النووي، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% فقط، لكن القانون الجديد الذي يلزم فيه البرلمان الحكومة الإيرانية بتنفيذه، يهدف إلى تجاوز هذه النسبة، إلى حد كبير.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية، قد اتخذت العديد من الخطوات منذ مايو (أيار) 2019، لتخفيف التزاماتها النووية تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنها إلى الآن لم تتخذ أي إجراء بزيادة نسبة إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، كما أنها أبقت على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وفقًا للبروتوكول الإضافي.
لذلك فإن إجبار البرلمان الإيراني للحكومة الإيرانية على تنفيذ اثنان فقط من البنود الجديدة وهما إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، وتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي، يعني ضرب الاتفاق النووي في مقتل، وانتهاك اثنين من أهم البنود في خطة العمل الشاملة المشتركة، طالما ابتعدت الحكومة الإيرانية عن الاقتراب منهما، لعدم القضاء على الصفقة النووية بشكل كامل.
يقول السيد حسين زاده لـ«ساسة بوست»: «هذا القانون يضرب الأجزاء الأكثر حساسية في الاتفاق النووي، إذا تم تنفيذه، سيكون على العالم أن يعلن نهاية خطة الصفقة النووية الإيرانية».
البرلمان الإيراني: الحكومة ستواجه عقوبة السجن!
ينص القانون الجديد على إلزام رئيس الحكومة والمسؤولين ذوي الصلة، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، على تنفيذ كامل بنود القانون، وإلا فسيعاقب من يرفض التنفيذ ممن سبق ذكرهم بالسجن لمدة تصل إلى 25 عامًا، بجانب حرمانهم من حقوقهم وأنشطتهم الاجتماعية.
بعبارة أخرى إذا رفض حسن روحاني ومسئولي حكومته، أو رفض مديرين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، تنفيذ القانون بأي شكل من الأشكال، سيتم الزج بهم في السجن لمدة 25 عامًا.
في المقابل رفض الرئيس الإيراني، حسن روحاني تنفيذ القانون، واصفًا إياه بأنه «ضار بالأنشطة الدبلوماسية وغير ضروري». كما أعلن إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس روحاني، عن رفضه للقانون، ووصف نواب البرلمان بالتدخل في شئون السلطة التنفيذية.
قضي الأمر.. «مجلس صيانة الدستور» يوافق على القانون
لا يعد رفض حسن روحاني، ومجادلة أعضاء إدارته، بأن البرلمان غير مختص بالتعامل مع الملف النووي والصفقة النووية للبلاد، مجديًا الآن، فقد وافق «مجلس صيانة الدستور»، الجهة التي من ضمن صلاحيتها، إعطاء الموافقة على مشاريع القوانين التي يتم تمريرها في مجلس الشوري الإسلامي (البرلمان الإيراني).
أعلن عباس كدخدائي، المتحدث باسم المجلس، أنه بعد مناقشة عدد من المواد التي تضمنها القانون الجديد، تمت الموافقة عليه، وسيتعين على هذه الموافقة إلزام حكومة حسن روحاني بالتنفيذ.
لكن.. ما موقف «المجلس الأعلى للأمن القومي» من القانون الجديد؟
ذهب المنتقدون لقانون البرلمان الجديد، إلى المجادلة بأن الملف النووي الإيراني، وكل ما يخص خطة العمل الشاملة المشتركة، من اختصاص «المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وليس البرلمان.

الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف
في مقابلة معه قال حشمت فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان العاشر: «القضية النووية ليست من اختصاص البرلمان»، إنها قضية كبيرة، يفصل فيها المجلس الأعلى للأمن القومي». كما وصف القانون الجديد، بأنه «خروج كامل من الاتفاق النووي، وليس الهدف منه رفع العقوبات».
يرأس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الرئيس حسن روحاني، بينما يتولى الأمانة العامة له، الجنرال السابق في الحرس الثوري، علي شمخاني، توقع البعض أن يعلن المجلس الأعلى للأمن القومي رفضه التام لهذا القانون، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، فقد أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي بيانًا تؤكد فيه تمرير القانون الجديد للخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات!
يقول مصدر صحافي مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، لـ«ساسة بوست»، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: «نعلم أن موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي على القانون الجديد، بمثابة صدمة للبعض، خاصة أن رئيس المجلس هو السيد روحاني الرافض للقانون، لكن بعض الأشياء تحدث».
بحسب المصدر ذاته، كان المجلس الأعلى للأمن القومي، معترضًا على بعض الأمور بخصوص القانون الجديد، لكن بعد التشاور مع أعضاء البرلمان، والفقهاء، وأعضاء من وزارة الخارجية، حُلت جميع هذه الأمور.
يبدو الأمر، وكأن المجلس الأعلى للأمن القومي، ذهب للتصرف وإعلان الموافقة على القانون، دون موافقة الرئيس حسن روحاني، مسؤول حكومي في إدارة حسن روحاني، تحدث لـ«ساسة بوست»، عن أمر يشبه المؤامرة على إدارة روحاني، فقال، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: «بيان المجلس الأعلى للأمن القومي، صدر دون الرجوع إلى الرئيس حسن روحاني، لقد تصرفت أمانة المجلس دون إذن الرئيس، تصرفت في الخفاء».
«خطة لتدمير الاتفاق النووي وإضاعة الوقت»
قال الأستاذ الجامعي، والخبير السياسي، صادق زيبا كلام، في مقابلة صحافية: إن المتشددين في إيران يرغبون في تدمير الاتفاق النووي، وإضاعة الوقت أمام إدارة روحاني لإحياء الاتفاق النووي من جديد.
يقول السيد زيبا كلام في مقابلته «للاسف وضع البرلمان المواقف الشعبوية والمتطرفة على أجندته، بدلًا عن المصالح الوطنية، ويسعى إلى التعبير عن مشاعر الأقلية المتطرفة في البلاد».
وأضاف قائلًا: «المتشددون يريدون إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة بألا تتفاوض مع إدارة روحاني، وأن التفاوض سيكون معهم بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الصيف المقبل».
السيد علي مهدي، السياسي الإيراني المؤيد للإصلاح، يوافق زيبا كلام الرأي، فيقول لـ«ساسة بوست»: «لا يريد الأصوليون لإدارة روحاني الفوز بأي انتصار فيما يخص الاتفاق النووي، يريدون تمهيد الطرق لأنفسهم، لكنهم يستخدمون أساليب قد تضر بالسياسات الكلية للبلاد».
يضيف السيد مهدي قائلًا: «لدينا فرصة جيدة للدبلوماسية، بايدن أعلن نيته العودة إلى الاتفاق النووي، كان يجب علينا أن نسخر كافة أدواتنا الدبلوماسية من أجل تمهيد الطريق لعودته، بدلًا عن الانجرار وراء الرغبة في الانتقام».
القانون الجديد: أداة التيار المحافظ المشروعة
في المقابل يدافع الأصوليون عن القانون الجديد باعتباره أداة مشروعة للجمهورية الإسلامية التي التزمت بكافة بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، بينما لم تمثل الأطراف الموقعة على الصفقة لأية شيء من التزاماتها.
يقول السيد مجتبي ذو النوري، النائب البرلماني المحافظ، ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني، والذي كان من أحد مصممي هذا القانون، «نصيبنا من الاتفاق النووي معلق، ولم نحصل عليه إلى الان، الأطراف الأخرى في الاتفاقية لم تقم بواجباتها تجاه إيران، لذلك يجب على الجمهورية الإسلامية العودة إلى المسار الصحيح».
وفي حديثه لـ«ساسة بوست»، يؤكد السياسي الأصولي حميد رضا ترقي، على مشروعية القانون الجديد، وحق الجمهورية الإسلامية في خرق البنود الاساسية من خطة العمل الشاملة المشتركة، فيقول «زيادة تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحد المسموح به في الصفقة، حقنا بعد الانسحاب أحادي الجانب من قبل واشنطن، أما بخصوص تعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي، فأنا أجد أن هذه الأداة هي الأكثر فعالية لرفع العقوبات».
يرى مؤيدو القانون الجديد، وخاصة البند المتعلق بتعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي، أن هذا البند هو الأداة الوحيدة المتبقية لإيران لإجبار الأطراف الأخرى الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة على الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران.
يقول السيد ترقي لـ«ساسة بوست»: «عندما لا يتم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المنشآت النووية الإيرانية، وعدم الوصول إلى المعلومات النووية الخاص بالأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية، حينها فقط سيشعرون بالخطر، ويقدمون على رفع العقوبات عن بلادنا».
بينما يرى منتقدو القانون الجديد، بأنه وقوع في «الفخ الاسرائيلي»، لتدمير الاتفاق النووي، وتدمير أى أمل في إحياء الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، يجادل مؤيدو القانون بالعكس، وبأن هذه الخطوات من شأنها أن تعزز موقف إيران المستقبلي، وترغم الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا، جو بايدن على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بدون شروط مسبقة.
تأتي هذه التحركات البرلمانية في إيران، بالتزامن مع تصريحات جو بايدن لصحيفة «نيويورك تايمز» في الأيام القليلة الماضية، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بأن «الأمر سيكون صعبًا، لكن آخر شيء نحتاجه في ذلك الجزء من العالم هو بناء قدرات واسلحة نووية، ولتحقيق الاستقرار النسبي يجب أن نركز على القضية النووية أولًا».
«في انتظار خامنئي»
إلى الآن لم يعلن الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، رأيه أو قراره بشأن القانون الجديد المثير للجدل، لكن على جانب آخر قد يبدو أن موافقة مجلس صيانة الدستور الذي يشرف آية الله خامنئي على تعيين أعضائه انعكاسًا لتأييد خامنئي للقانون الجديد.
لكن في حالة إذا استمرت المعارضة الحكومية في تنفيذ هذا القانون، يتوجب على الزعيم الأعلى إعلان موقفه بوضوح للفصل في هذه المسالة الإشكالية، لكن إلى الآن كل المعطيات تشير إلى أن الزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية، لم يتخذ موقفًا نهائيًا بخصوص هذه المسالة، وينتظر الجميع داخل المؤسسة السياسية الإيرانية قراره الأخير ليحسم الجدل.