لأن أيام التاريخ المجيدة قد لا تعود أبدًا، مثلها مثل الثوّار الأوائل والمحاربين القدامى، والحضارات ذائعة الصيت، لذلك تظلّ الدول التي كانت إمبراطوريات فيما مضى في حرجٍ أمام شعوبها حين تفشل خططها في العودة إلى أمجاد الماضي العتيق. ولا تزال الممالك الغابرة التي تحمل في طياتها إرثًا ثقيلًا أمثال الخلافة الفاطمية والعثمانية والاتحاد السوفيتيّ وغيرها تتحكّم في عالمنا المعاصر.

لعلّ هذا غريبٌ بعض الشيء، لكن لنكمل.. فليس أبعدها رغبة تركيا في أن تصبح دولةً عظمى قبل عام 2023، وهي الذكرى رقم 100 لسقوط الدولة العثمانية الكبيرة، مترامية الأطراف. في هذه السطور سنأخذك في رحلة، قد توضِّح لك كيف يمكن أن تتحكّم أمجادُ الماضي في مصير الشعوب التي تحلم بعودة «الزمن الجميل».

الخلافة الفاطمية.. حُلم إيران الكبير

إيران تمتلك مشروعًا نوويًا ووكالة فضاء ولديها جامعات مُصنفة دوليًا إضافة إلى تمدد المذهب الشيعي في المنطقة العربية.

بدأت فكرة إنشاء أول دولة خاصة بالشيعة بعد قرنٍ ونصف من ظهور الإسلام، عام 788 ميلاديًا، وهو العصر الذهبي للخلافة العباسية في عهد هارون الرشيد؛ ولكن كيف تمكَّن الشيعة من اقتطاع جزء من العالم الإسلامي في ذروة قوته في ذلك الوقت؟

الإجابة لن تكون أكثر صعوبة من السؤال الآخر: كيف نجحت الثورة الإيرانية عام 1979؟ والتي أنهت الحكم الملكي المدعوم أمريكيًا، واستطاعت الصمود أمام الدول العربية التي سارعت بالاشتباك معها في حرب الخليج الأولى (1988:1980)؛ لكن الحرب فشلت، واستمرت طهران التي سرعان ما اتجهت نحو ملفها النووي، واستطاعت انتزاع اعترافٍ ما زال قائمًا بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، والقصة ستصبح أكثر إثارةٍ حين تعلمُ أن الشيعة نجحوا في كل مرة في إنشاء دولة غير مرغوب فيها، بنفس الاستراتيجية التي لم تتغير تقريبًا؛ بداية بالدولة الأولى «الأدارسة» ونهاية بالدولة التاسعة «إيران»، مرورًا بالدولة الخامسة «الخلافة الفاطمية» التي انتزعت قلب العالم الإسلامي من العباسيين بعد 120 عامًا فقط من تاريخ إنشاء الدولة الأولى؛ ومن هنا يأتي الحديث عن أحلام الزمن الجميل.

(امتداد الدولة الفاطمية من عام 909م وحتى عام 1171م).

كانت أول الأفكار الناجحة التي اهتدى لها إدريس بن عبد الله، مؤسس دولة الأدارسة، هو الابتعاد تمامًا عن الجزيرة العربية بصراعاتها التي من الممكن أن تقضي على الحركة تمامًا، وأصبحت تلك الفكرة حتمية بعد موقعة «فخ» الدامية بمكة والتي كاد أن يُقتل فيها؛ ففر إلى بلاد المغرب العربي حيث بايعته أكبر قبائل البربر «قبيلة أوربة»، واستطاع أن يخضع البلاد التي حوله لسيطرته، وحرصوا على نشر المذهب الشيعي دون إخضاع القبائل له، إضافة إلى الاهتمام بالحركة العلمية؛ ومن هنا كانت بداية التمهيد للدولة الفاطمية فيما بعد، عن طريق تشكيل المثلث المؤثر «1-دولة بعيدة تتمدد شرقًا، 2-وجيش قوي يزداد عددًا مع مرور الوقت، 3- ومحاولات غزو مصر التي نجحت بعد المحاولة الثالثة، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة الأقوى التي كانت ذات يوم حُلم الأدارسة».

بالعودة لحرب الخليج الأولى، فيبدو أن اتجاه إيران صوب الغرب – العربي/ الإسلامي – لم يكن من قبيل الصدفة أو التجربة؛ وبحسب دراسة لمركز بيو للأبحاث؛ فإن التشيع كانت نسبته تقريبًا صفرًا في نيجيريا عام 1980، لكن بعد الثورة الإسلامية الإيرانية حصلت إيران على أكبر طائفة شيعية في الدولة الأفريقية الأكبر من حيث السكان، وهو الذي أدى إلى حدوث حرب أهلية عقب وصول محمدو بوهاري أواخر عام 2015 إلى السلطة.

 وتستهدف طهران نحو 30 دولة أفريقية، ويصل عدد الشيعة اليوم في القارة السمراء نحو سبعة ملايين، وتبلغ نسبة الشيعة 21% في تشاد، و20% في تنزانيا، و8% في غانا؛ وبالرغم من أن الدول العربية الأفريقية قطعت علاقاتها مع إيران بدعوى نشر المذهب الشيعي، إلا أن التمدد المذهبي في زيادة واضحة، تُرى ماذا تخطط إيران بعد اكتمال مشروع إيران النووي؟

اقرأ أيضًا: تسع دول للشيعة على مر التاريخ.. خمس منها في منطقة إيران

المثيرُ في تاريخ الدولة الفاطمية التي اتخذت من مصر عاصمة للخلافة بعد غزوها عام 969 ميلاديًا، أنها قامت على عدم إجبار الناس على اعتناق المذهب الشيعي، وحرصها على أن يكون عهدها عهد ترف وبذخ؛ إضافة إلى اهتمامها الزائد بالحركة العلمية التي اعتبرتها السبيل الوحيد للانتصار على الدولة العباسية التي نجح الفاطميون في انتزاع الشام منها بعد ذلك.

ولأن الحُلم الفاطمي لن يكتمل بالتمدُّد الشيعي فقط؛ بل بالحركة العلمية كذلك كالدولة الأم، فقد حرصت إيران بعد تعطيل الملف النووي مؤقتًا بتوقيع اتفاقية 2015، إلى التوجه مباشرة إلى اقتحام الفضاء عبر وكالة الفضاء الإيرانية، كما أنها استطاعت مؤخرًا إرسال قمرها الصناعي الخامس إلى الفضاء وسط غضب أمريكي وصف الإطلاق بأنه عمل استفزازي.

وبالرغم من أن إيران محظور عليها استيراد الأسلحة إلا أنها تحتل المرتبة 21 في التصنيف الأخير لــ«global fire power»، كما أن طهران تمتلك ثلاث جامعات ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى العالم وفقًا للتصنيف الأخير لهذا العام. واستطاعت أن تحتل ثلث التصنيف لأفضل 10 جامعات وسط عزلتها الدولية، إضافة إلى برامج السيطرة على الفضاء.

اقرأ أيضًا: تخيل لو أنك تعيش العشر الأواخر من رمضان بالعصر الفاطمي في مصر

الخلافة العثمانية.. حُلم السلطان أردوغان

المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، المآذن حرابنا، والمصلون جنودنا مرجعيتي هي الإسلام، وإذا لم أكن قادرًا على قول هذا، فما فائدة الحياة؟ * من إحدى خُطب أردوغان.

بعدما فازت «نعم» في استفتاء التعديلات الدستورية التي خاضها نحو 55 مليون تركي، والتي أسفرت عن تعديل 18 مادة في الدستور؛ توجه الرئيس التركي المُلقب بـ«السلطان» من قبل معارضيه صوب قبر السلطان محمد الفاتح، حيث وقف في خشوع المُصلين وهو يصدحُ بآيات القرآن الكريم، ويشدو بصوته مُرتلًا سورة الفاتحة، كأنما يُخبر السلطان الجاثمَ في قبره أن أيام التاريخ المجيد قد عادت، وأن أطراف القسطنطينية وما حولها باتت قريبة من صوت الأذان الذي ظهر جليًا في هذا الفيديو الذي أظهر الرئيس التركي في حالة نادرة، ليس هذا فقط، بل رأى البعض أن توجهه إلى قبر السلطان سليم الأول أيضًا، كأنما يرسل إلى أعدائه الأوروبيين رسالةً سُلطانية واضحة؛ وهذه قصة أخرى عن أحلام الزمن الجميل.

كانت تركيا قبل ما يقرب من 100 عام مقر الخلافة العثمانية، قبل أن يُعلن مصطفى كمال أتاتورك إسقاط الخلافة عام 1923، قبل أن يقود عملية تغيير الدولة من خلافة إسلامية إلى جمهورية علمانية؛ ولم تكن المهمة سهلة على الإطلاق، إذ قادته معركة الهوية الجديدة وتكريس العلمانية  إلى جعل أنقرة عاصمة للدولة التركية بدلًا من إسطنبول التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية، إضافة إلى منع استخدام اللغة العربية، وتجريم ارتداء الطربوش والعمامة، ومنع المدارس الدينية وإلغاء المحاكمات الشرعية.

 كما استطاع بموجب الصلاحيات التي كانت في يده إلغاء التعددية الحزبية، واستبدل بها نظام الحزب الواحد، كي يمنع الأصوات المنادية بعودة الخلافة مرة أخرى، وخلال الأعوام الخمسين الماضية شهدت تركيا خمسة انقلابات ناجحة قادها الجيش الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية في البلاد بقوة الدستور؛ إذًا فالتاريخ يُخبرنا أن المعركة في تركيا كانت ولا تزال تنحصر في إرث العلمانية الأتاتوركية التي يحميها الجيش والمعارضة، وبين أمجاد السلطنة العثمانية التي يُكرّسها أردوغان بالقوة.

اقرأ أيضًا: «ذا نيويوركر»: أردوغان ضد أتاتورك.. صراع طويل بين العلمانية والأصولية في تركيا

قبل عام 2023، وهي الذكرى الـمائة لسقوط الخلافة التي استمرت 600 عام، وامتد نفوذها من أواسط آسيا إلى شمال أفريقيا، وكانت تركيا هي مركز الخلافة؛ ولكي يحصل أردوغان على اللقب السُلطاني، فإنه لن يكتفي بزيارة رمزية لها دلالة واضحة إلى قبر السلطان سليم الأول.

يجب التوضيح أن جهود استعادة الدولة العثمانية تمثلت في حزب العدالة والتمنية الذي أُنشئ عام 2001، وقدم نفسه حزبًا علمانيًّا لا يسعى للتخلص من إرث أتاتورك بالعودة إلى الخلافة العثمانية، رغم أنّ مؤسسيه من أبناء «الحركة الإسلامية» في تركيا. كان أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي السابق هو أحد أكبر المُنظرين لتلك الاستراتيجية، حيث قدم الحزب نفسه على أنه  يسعى لاستعادة دور تركيا الإقليمي إضافة إلى النهوض بالديمقراطية والحفاظ على التراث العثماني الذي لا يمكن إنكاره، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقتها المعارضة «العثمانيون الجُدد»، وأصبحت الفكرة أقرب إلى التطبيق خاصة مع تولي أردوغان الرئاسة عام 2014 بعد رئاسة الوزراء.

بمجرد فوزه بالرئاسة، شرع أردوغان في بناء قصرٍ كبيرٍ مُحاكيًا قصور الدولة العثمانية وسلاطينها، وفي خطوةٍ أكثر جرأة استقبل أردوغان الرئيس الفلسطيني وسط مجموعة من الجنود مرتدين زيّ المحاربين القدامى، حيث حمل الجنود بأعلامهم 16 دولة أسسها الأتراك في مراحل مختلفة، وصرح الحزب الحاكم بأن الصورة التي تزامنت مع زيارة الرئيس الفلسطيني تحمل دلالة رمزية واضحة بأن الخلافة العثمانية أُسقطت لأنها رفضت التخلي عن فلسطين.

وبعيدًا عن الرمزيات، فقد أعاد أردوغان شعار الخلافة العثمانية للرئاسة التركية المتمثل في «طغراء»، كما مهَّد لإعادة هوية تركيا الجديدة عن طريق اعتماد اللغة العربية مرة أخرى في المدارس، ولا ينسى الرجل أن يُكرر على شعبه في كل خُطبة بعضًا من وصايا السلطان سليم أو أن يُذكرهم بأنهم أحفاد محمد الفاتح.

وفي هذا الصدد يبرر أحمد داود أوغلو اعتراض أوروبا على عودة تركيا لتاريخها قائلًا: حين تحاول أوروبا بأكملها العمل على توحيد الدول وإزالة الحدود بينها، لا تُنعَت بأنها «الإمبراطورية الرومانية الحديثة» أو «الرومانيون الجدد»، في حين أننا حين ننادي للجمع بين مَن عاشوا تحت لواء دولة واحدة من قرن مضى، نصبح «العثمانيين الجُدد».

اقرأ أيضًا: رسائل سورة الفاتحة.. ما وراء زيارة أردوغان لقبر سليم الأول ومحمد الفاتح

الاتحاد السوفيتي.. إمبراطورية تسعى للعودة

الاقتصاد الروسي كان العقبة الكبرى في أحلام بوتين التي لم تتحقق بعد.

نشرت وكالة نيفادا الروسية استطلاع رأي مثيرًا للجدل؛ إذ أظهرت النتائج المنشورة أن أكثر من نصف المواطنين الروس يشعرون بالأسف تجاه انهيار الاتحاد السوفيتي، مُعتقدين أنه كارثة كان يُمكن تجنبها، بينما رحب العدد الأكبر من العينة باستعادة النظام الاشتراكي والدولة السوفيتية؛ وبالرغم من تأكيد بوتين للقوى الغربية أنه لا يسعى لاستعادة اشتراكية روسيا، إلا أن تلك التصريحات تصبح مُتناقضة حين نعود إلى عام 2005؛ حيث صرح في خطاب علني أمام البرلمان الروسي بأن انهيار السوفييت كان الكارثة الجيوسياسية الكبرى للقرن الماضي.

(العلم الأمريكي بجوار علم الاتحاد السوفيتي).

وتقول المعارضة الروسية إن «بوتين مُحق تمامًا فيما قاله، وهو يعتقد أن مهمته الوحيدة هي استعادة النظام في أقرب وقت ممكن»؛ لكن سياسات الرئيس القابع في الحُكم منذ عام 2000 تنفي صحة كلامه المتكرر دائمًا بأن الغرب لا يقتنع بأن روسيا تخلت عن أحلامها القديمة، وخوفًا من سياسات التمدد قررت سبع دول شيوعية بينهم ثلاث جمهوريات من الاتحاد السوفيتي السابق الانضمام لحلف الناتو عام 2002، وهو ما أثار غضب بوتين الذي أعلن أن روسيا تخلت عن سياستها الخارجية عندما سلمت جزءًا كبيرًا من سيادتها إلى كتلة الناتو التي تقودها الولايات المتحدة.

وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى انفصال 15 دولة كانوا يمثلون الإمبراطورية القديمة، وبعدما انضمت منه فيما بعد ثلاث جمهوريات إلى حلف الناتو، بدا واضحًا أن الولايات المتحدة تقوِّض حدود روسيا وأحلامها التوسعية خاصة بعدما وقفت أمام رغبة الاتحاد الأوروبي في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع أوكرانيا في أواخر  2013، وبعد عدة أشهر اشتعلت الثورة الأوكرانية التي عزلت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، مما أدَّى إلى احتجاج من نوعٍ جديد في الأقاليم، وخاصة شبه جزيرة القرم التي أجرت استفتاء انتهى بانضمامها إلى روسيا الاتحادية.

بوتين أيضًا استفاد من تنظيم الدولة الذي ظهر في أفغانستان لتعزيز طموحه الإمبراطوري؛ ففي اجتماع له مع قيادة جهاز الأمن الفيدرالي طالب الرئيس الروسي بالتصدي لمحاولات مقاتلي تنظيم الدولة للتسلل إلى أراضي روسيا أو إلى دول الاتحاد السوفيتي القديم المجاورة والقريبة من أفغانستان، في إشارة إلى تركمانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان.

 كانت تلك إشارة قوية إلى أن روسيا ما زالت تمارس دورها القديم؛ والدليل على ذلك أنّ موسكو قامت بتعزيز تواجدها العسكري في طاجيكستان صاحبة أطول حدود مع أفغانستان. وفي الوقت نفسه فإن روسيا الآن تدعم طالبان في محاولة لتقويض حلف الناتو الذي قام بتحريك قطع عسكرية بالقرب من الحدود الروسية إضافة إلى قيام واشنطن سابقًا بنشر قواعد عسكرية في كل من رومانيا وبولندا، وقبل عدة أيام أذاعت شبكة سي إن إن الأمريكية شريطًا مُصورًا لعناصر طالبان أكدت فيه أن الأسلحة التي ظهروا بها ربما تشير إلى حصولهم على دعم مباشر من الحكومة الروسية، وهو الأمر نفسه الذي أعلنه الجنرال المسؤول عن القوات الأمريكية في أفغانستان، حيث ألمح إلى أن التقارير التي حصلت عليها واشنطن تفيد وجود قناة اتصال بين روسيا وطالبان، وهو الأمر الذي تنفيه موسكو بشدة.

 سيكون الروس على موعد مع الانتخابات الرئاسية التي لم يُعلن بوتين حتى الآن موقفه منها، إلا أن ما قد يعيق استمراره في تحقيق حُلمه، هو حالته الصحية المُحاطة بالكتمان، إضافة إلى الوضع الاقتصادي السيئ الذي تدهور نتيجة عدة عوامل أبرزها العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا في الوقت الذي يعتمد فيه اقتصاد الدولة على النفط، والذي أدى انخفاضه إلى سقوط روسيا في حالة ركود طويلة، يُشبهها الخبراء الاقتصاديون بتلك الفترة التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى الاهتمام المبالغ فيه بالترسانة العسكرية التي صنعت حُلمًا لم يكتمل حتى الآن.

الدولة اليهودية.. حلمٌ تحقق على أراضٍ عربية

في كتابه الأشهر «الدولة اليهودية»، يشرح تيودر هرتزل، الأب الروحي لما يُعرف بـ«الصهيونية»، فكرة إقامة دولة يهودية منذ عام 1896، عن طريق انتزاع اعتراف دولي وجعل قضية «الشتات اليهودي» فكرة قومية، وهو الذي تحقق عام 1948 بعد إعلان رئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون عن طريق إقامة دولة إسرائيلية في فلسطين، لكن الحُلم لم يكتمل، حتى وإن كان التاريخ يزدحم بالأحداث والحروب.

(تيودر هرتزل).

قبل أكثر من ألف عام قبل الميلاد، كان اليهود يعيشون في ذروة قوتهم في عهد النبي داود، حيث نشأت مملكة اليهود أو مُلك بني إسرائيل القوي الذي اتخذ من القدس عاصمة ضمت تحت حُكمها أجزاء وصلت إلى مصر، واستمرت الدولة القوية حتى بعد وفاة داود وتولية ابنه سليمان، لكن بموت الأخير  انقسمت الدولة إلى مملكتين (إسرائيل ويهوذا)، لكنهما لم يصمدا أمام محاولات الغزو المستمر، فسقطت الأولى أمام ملك آشور في 721 قبل الميلاد، وتبعتها الثانية بفترة قصيرة.

 لكن الحدث الأبرز في تاريخ اليهود هو غزو الملك نبوخذ نصر الثاني ملك بابل الذي هدم معبد سُليمان، وأنهى حكم سلالة داود، وأعاد اليهود مرة أخرى إلى حياة التيه والعبودية، وفي العصر الحديث يبدأ الصراع العربي الإسرائيلي بوعد بلفور 1926، الذي تعهد فيه رئيس الوزراء البريطاني آرثر جيمس إلى اللورد روتشيلد، بتأسيس وطن قومي لليهود في دولة فلسطين، ومن ثم بدأ الاحتلال برعاية دولية، بموجب قرار الأمم المتحدة.

اقرأ أيضًا: إسرائيل: القصَّة الكاملة لتأسيس جيش من العصابات

وفي احتفالات الذكرى الـ50 لاحتلال القدس، والتي تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض قبل أن يتوجه إلى إسرائيل، أعلن ترامب مُجددًا عن مقترح حلّ الدولتين الذي تؤيده مصر والسعودية المُعروف إعلاميًا بصفقة القرن، وفي المقابل فإن إسرائيل ستحظى باعترافٍ عربي، إضافة إلى مساهمتها في حلف الناتو العربي الذي لا يزال حتى الآن تصريحات إعلامية لم تدخل حيز التنفيذ، من أجل مقاومة التمدد الإيراني بقيادة سعودية، وهو ما جعل نتنياهو يعلق على المشروع قائلًا: «فرصة غير مسبوقة تتمثل في تخلي بعض الدول العربية عن اعتبار إسرائيل عدوًا، بل صارت ترى فيها حليفًا في مواجهة إيران».

 أي أن الحلف العربي سيرغم كل المُنضمين له على التوقيع نهائيًا على السلام الأبدي مع إسرائيل، إضافة إلى التنازل تمامًا عن القضية الفلسطينية التي سيتكفل ترامب والملك سلمان بحلها عن طريق حل الدولتين؛ والخطوة القادمة لمراحل استكمال الدولة تبدأ بالتعاون الاقتصادي والأمني بين إسرائيل والدول العربية؛ فهل يمكن أن تنتهي القضية الفلسطينة بتحقق الأحلام الإسرائيلية؟

اقرأ أيضًا: 4 أفلام وثائقية قد تغنيك عن «كورس» في القضية الفلسطينية!

المصادر

تحميل المزيد