تحلّ اليوم الذكرى الأولى للانتخابات الرئاسية، التي جرت في الجزائر السنة الماضية في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، لتُعيد إلى أذهان الجزائريين ذكريات سنوات حكم الرئيس الجزائري الأسبق، عبد العزيز بوتفليقة.

فالانتخابات التي كانت تَعدُ بـ«جزائر جديدة» حسب شعار المترشّح الفائز عبد المجيد تبّون، حملت معها الكثير من معالم الجزائر القديمة، وفي الوقت الذي نجح الحراك الشعبي في إزاحة الرئيس السابق، فإن معالم سنوات حكمه ما زالت حاضرة بقوّة في المشهد إلى درجة التطابق أحيانًا.

فمن مرض الرئيس تبّون الذي يعالج في ألمانيا منذ أكثر من شهر، إلى الصراعات داخل المؤسسة العسكرية التي تطفو بعض أخبارها في كل مدّة، وليس انتهاءً بالأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعانيها البلاد نتيجة انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا؛ تراوح الوضعية الاقتصادية والسياسية الجزائرية مكانها. في الأسطر القادمة نتطرّق إلى أربعة ملفّات أعادت إلى أذهان الجزائريين طيف سنوات الرئيس المستقيل بوتفليقة. 

1-مرض الرئيس.. غموض يحيط بالوضعية الصحية لتبّون

عندما أُعلن عن فوز الرئيس عبد المجيد تبّون بالرئاسة قبل سنة من اليوم؛ لم يكن أكثر المتشائمين يتوقّع أنه لن تمضي سنة واحدة على انتخابه ليلقى مصيرًا مشابهًا لمصير الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، إذ يتواجد تبون في ألمانيا من أجل العلاج.

يحيط غموض شديد بالوضعية الصحية للرئيس تبون أو بالمرض الذي أصابه، ففي حين تكتّمت السلطة الجزائرية عن طبيعة مرضه في البداية، جاء الإعلان عن أنه أصيب بفيروس كورونا، وأنه أنهى البروتوكول العلاجي له. ولكن طول غياب الرئيس الذي بلغ 55 يومًا من آخر خروج علني له، وعدم ظهور أي صورة أو فيديو له يوحي بأن الأمر يتعلّق بأكثر من مجرّد المرض بالفيروس المستجدّ. 

Embed from Getty Images

غموض حول الوضعية الصحية للرئيس تبون 

ولا يمكن تجاهل التشابهات البديهية بين هذه الوضعية التي تعرفها الرئاسة في الجزائر وبين سنوات بوتفليقة الأخيرة، إذ إن هذه المشاهد أعادت إلى أذهان الجزائريين أحداث مرض الرئيس بوتفليقة في سنة 2013، عندما أمضى 80 يومًا في مستشفيات فرنسا للعلاج، ليعود على كرسي مُقعدًا ويختفي عن الأنظار والكاميرات، ويبقى في منصب الرئاسة لعهدة كاملة على كرسي متحرّك دون إلقاء أي خطاب أو زيارة رسمية، ثم يُعيد السفر إلى سويسرا للعلاج بعد أيام قليلة من انطلاق الحراك المطالب بإيقاف العهدة الخامسة في فبراير (شباط) 2019. 

وقد خلقت الوضعية الصحية للرئيس تبون حالة استثنائية من الغموض والترقّب في الساحة السياسية، وأعادت مرّة أخرى شبح سنوات بوتفليقة الأخيرة حين اختفى عن الأنظار وبقي «الكادر» الذي يحمل صورته في اجتماعات الوزراء.

وفي حين دعا عبدالرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» إلى الشفافية في ملف مرض الرئيس الحالي، فإن هنالك مطالبات صريحة بتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، دعى لها حزب «التيار الوطني الجديد»، وتنصّ المادة الدستورية على اجتماع المجلس الدستوري لإعلان حالة شغور منصب الرئيس بسبب المانع الصحي، وإجراء انتخابات رئاسية في مهلة لا تزيد عن 45 يومًا، وهي للمفارقة، ذات المادة التي دعا إلى تطبيقها قائد الأركان السابق، الفريق أحمد قايد صالح من أجل إزاحة بوتفليقة.

2-بعد رحيل «القايد».. صراعات متجدّدة داخل مؤسسة الجيش

راهنت السلطة في الجزائر ما بعد استقالة بوتفليقة على انتخابات 12 ديسمبر 2019 من أجل الخروج من المأزق السياسي المتمثّل في شغور منصب الرئيس، كما كان من المفترض أن يأتي النظام الجديد ما بعد الانتخابات بالاستقرار ليس على المستوى الاجتماعي والسياسي فقط، بل على مستوى المؤسسة العسكرية، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة لعهد بوتفليقة صراعات شرسة وإقالات بالجملة ومحاكمات لكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين.

رغم استقالة بوتفليقة، ما زالت التغييرات داخل الجيش الجزائري لم تتوقّف

 إذ عرفت السنوات الأخيرة لبوتفليقة إقالات لرؤساء أجهزة الشرطة والدرك؛ بالإضافة إلى إقالة الشخصية القويّة في النظام الجزائري، قائد جهاز المخابرات السابقة «الجنرال توفيق» من منصبه، وقد كانت كل هذه التحرّكات بأوامر من قائد أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح، الذي استمرّ في إجراء تغييرات هي الأكبر منذ الاستقلال في صفوف الجيش. لكن الوفاة المفاجئة لقائد الأركان بعد أيام من تنصيب الرئيس الجديد تبون، تلتها موجة من الصراعات والإقالات والملاحقات القانونية في أوساط الجيش الجزائري. 

إذ إن الانتخابات وتنصيب رئيس جديد لم يأتِ بالاستقرار المرغوب في المؤسسة العسكرية، فقد بقيت المؤشرات على وجود صراعات قويّة في داخلها، من بينها استمرار حملة الإقالات وحتى الإيداع في السجن لكبار قادتها، أشهرهم اعتقال مدير المخابرات الداخلية واسيني بوعزة، والمحسوب على جناح أحمد قايد صالح، واعتقال سكرتير قايد صالح السابق قرميط بونويرة الذي هرب إلى تركيا.

ويرى مراقبون أن هذه الإقالات والصراعات تهدف إلى إضعاف الجناح المحسوب على قائد الأركان السابق أحمد قايد؛ فقد نشرت صحيفة «الوطن» تحقيقًا صحافيًا عن الأملاك غير المشروعة لعائلة قائد الأركان السابق، وباشرت السلطات الجزائرية التحقيق في مصدر هذه الأموال ومنع أبنائه من السفر. 

من جهة أخرى فستتم إعادة محاكمة قائد المخابرات السابق الجنرال توفيق وخليفته في المنصب الجنرال طرطاق، بعد قبول الطعن الذي تقدّم به محاميه، وذلك بعد أن حُكم عليهم بـ15 سنة في السجن بتهمة «التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة».

3-الأزمة الاقتصادية.. مشاكل هيكلية عمّقتها الجائحة 

عندما ترشّح الرئيس بوتفليقة للعهدة الرابعة سنة 2014، كان سعر برميل البترول حوالي 95 دولارًا، وهو ما سمح للسلطة آنذاك بشراء السلم الاجتماعي من خلال وعود الإسكان والعمل ودعم السلع؛ وساهم ذلك في إنجاح مشروع التمديد لبوتفليقة رغم كونه عاجزًا عن أداء مهامه وهو مُقعد على كرسي متحرّك.

لكن وبعد سنة واحدة، انهارت أسعار النفط انهيارًا استثنائيًا ودخلت البلاد في أزمة اقتصادية كبيرة، وشهدت انهيارًا في احتياطي النقد الأجنبي الذي كانت تعتمد عليه الجزائر، والذي بلغ في سنة 2014 حوالي 200 مليار دولار، ليبلغ في آخر سنة 2018، أي أسابيع فقط قبل انطلاق الحراك في فبراير 2019، حوالي 78 مليار دولار.

 اليوم، يواصل الاحتياطي النقدي الأجنبي انهياره، إذ بلغ في أغسطس الماضي 57 مليار دولار رغم إجراءات الحكومة التي منعت استيراد الكثير من المواد من أجل إيقاف هذا النزيف. وقد عجزت الحكومة عن إيجاد حلول لتنويع الاقتصاد الذي يعتمد بصورة رئيسية على تصدير المحروقات. وفي ظلّ انهيار أسعار النفط، وتراجع الإنتاج وزيادة الاستهلاك الداخلي، يعاني الاقتصاد الجزائري من إيجاد مخارج للأزمة التي يعيشها. 

في هذا الصدد، كان الرئيس تبون قد أكّد أن البلاد لن تلجأ إلى صندوق النقد الدولي ولا الاستدانة الخارجية «في الفترة الحالية»، لكن بعض المراقبين ونظرًا للأرقام المقلقة لاحتياطي النقد الأجنبي يرون أن لجوءها إلى صندوق النقد أمر لا مفرّ منه. 

بالإضافة إلى ذلك فقد جاءت أزمة «كورونا» الصحية لتضيّق الخناق أكثر على اقتصاد البلاد، وقد أعلن الديوان الوطني للإحصائيات أن نسبة البطالة من المتوقع أن تصل إلى 15% مقارنة بـ11.4 في سنة 2019؛ كما يشهد الاقتصاد الجزائر انكماشًا بنسبة 5%.

وتُرجع الحكومة أسباب الأزمة الاقتصادية إلى تركة عهد بوتفليقة الثقيلة، بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا الصحية. وقد تسببت هذه الأزمة في غليان اجتماعي ملموس بسبب البطالة وارتفاع الأسعار وشحّ فرص العمل، بالإضافة إلى احتجاجات بدأت تظهر شيئًا فشيئًا في مختلف الولايات ضد الحجر الصحي الذي أدى إلى خسارة الكثيرين لوظائفهم.

4-الجزائر تغادر العالم.. تراجع للدبلوماسية الجزائرية

عندما وصل الرئيس تبون إلى الرئاسة، أجرى أولى زياراته الخارجية إلى ألمانيا من أجل حضور قمّة دولية حول ليبيا، وقد رأى المراقبون أن هذه الزيارة تدشّن عودة الدبلوماسية الجزائرية للعب أدوار أهمّ في محيطها الإقليمي، بعد غياب لسنوات طويلة بسبب مرض الرئيس السابق بوتفليقة وعجزه عن أداء مهامه.

أيضًا كانت الجزائر قد أجرت اتصالات مع طرفي النزاع الرئيسيّين في ليبيا من خلال زيارة لوزير الخارجية الجزائري إلى بن غازي الليبية ولقائه الجنرال خليفة حفتر، كما زار رئيس حكومة الوفاق فايز السرّاج الجزائر في يونيو الماضي.

عربي

منذ سنتين
5 أسئلة تشرح لك تفاصيل «الصفقة» الأمريكية بين المغرب وإسرائيل

لكن فور مرض الرئيس تبّون، عادت للأذهان سنوات غياب الجزائر على الساحة والدولية وتراجع أدوارها الدبلوماسية، بالخصوص في ملفّات كانت فاعلة فيها على مرّ تاريخها، إذ يعدّ الاتفاق المغربي الأمريكي حول التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، ضربة للدبلوماسية الجزائرية التي لطالما رافعت على حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، والمتمسّكة برفض التطبيع.

كما كان قد صرّح الرئيس تبون من قبل بأن الجزائر «لن تبارك ولن تشارك، في موجة التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي التي يشهدها العالم العربي». لذا فإن غياب أعلى هرم السلطة في الجزائر جعلها غائبة في العديد من الملفّات وترك حالة من الغموض الشديد تسود الساحة السياسية وتبعث برسائل غير مطمئنة لشُركاء الجزائر الدوليين، مما يجعلهم في كثير من الأحيان يعتمدون على منافسيها الإقليميين، باعتبارهم أكثر استقرارًا، ومصدرًا للثقة في ظلّ عدم الوضوح الذي يسود السلطة منذ سنوات طويلة، والذي فشلت انتخابات 12 ديسمبر 2019 في تجاوزه على ما يبدو.

المصادر

تحميل المزيد