لن تتصور التغير الذي حدث بحياتنا على الأقل خلال الأعوام العشرين الماضية، ولمساعدتك في ذلك، تخيَّل أنك بغرفتك وثلاجتك الذكية ترسل لك رسائل نصية على فيسبوك: لا يوجد حليب لإفطار الغد، لقد انتهت صلاحية برطمان المربي، تذكَّر أن تحضر لحمًا مفرومًا لقد وعدت أصدقاءك بحفلة شواء. أو تخيل مثلًا أن يعطي الفرن إشارة لباقي الأجهزة المنزلية للتوقف، لأن مسح الشقة بيَّن له أن لا أحد اليوم هنا لخدمته. الأمر غريب جدًا، هو بالضبط بمثل غرابة الكم الذي يلتهمه الإنترنت مما كان موجودًا قبله، حتى أصبح الإنترنت أرضنا الفعلية.
سنوات طويلة مضت تكافح محلات التجزئة في شوارعنا وحدها من أجل البقاء، تمامًا مثلما حاولت قبلها الصحف الورقية أمام المواقع الإلكترونية التي تقرأ عليها هذا التقرير الآن. حاول هؤلاء المكافحون خفض الرواتب، وإلغاء العمل الإضافي لموظفيها، واتخذت تدابير لخفض التكاليف دون جدوى، ولكن هذه الأيام بالضبط الجميع يقف لينتظر حدوث ما هو غير منطقي وسط ما شهدناه السنوات الماضية، فهل ستختفي المحلات والمولات التجارية حقًا؟
خلال 5 سنوات فقط ستغلق رُبع المحلات
وفقًا لتقرير حديث من كريديت سويس، فإن بين 20% إلى 25% من المراكز التجارية الضخمة ستُغلق وسط كساد تجاري غير مسبوق سيشهده العالم. ودلل التقرير على ذلك بأن معدل إغلاق مراكز التجارة عام 1970 كان 300 مركز في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل في 2017 إلى 1.211 مركزًا، بسبب ارتفاع عدد مراكز التسوق الضخمة على شبكة الإنترنت كل عام.
Embed from Getty Images
سيف لوليز: تصوير المولات المغلقة أشعرني وكأنِّي آخر إنسان حي على الأرض. المصدر سي إن إن.
إذا كان تحليل مركز كريدي سويس صحيحًا فإن انهيار السوق التجارية سيكون سريعًا؛ رغم أن أسباب الانهيار ليست جديدة؛ فالناس يتسوقون عبر الإنترنت أكثر من أي وقت مضى، ومن المتوقع أن يستمر نمو التسوق الإلكتروني، وانخفاض نمو التجارة في المحلات على أرض الواقع، والتي هي تنخفض بالفعل منذ سنوات.
ويقدر التقرير أنه مع إغلاق مراكز التسوق الواقعية، سوف تقفز مبيعات التسوق الإلكتروني من 17% – نسبة التسوق الإلكتروني من مبيعات التجزئة – إلى 35% بحلول عام 2030، وهذا دون حساب ما تستقطعه المراكز التجارية الضخمة من المتاجر الصغيرة بالفعل.
يقدر تقرير كريدي سويس أيضًا أن عام 2018 سيسجل رقمًا قياسيًا في عدد المتاجر المتوسطة التي ستغلق بعدد 8.600 متجر، وهو رقم أكبر بكثير من ما سجله عام 2008 بعدد 6.200 متجر، وهي السنة الأولى بعد الركود التجاري الذي تلا الأزمة الاقتصادية العالمية.
علاقتنا العاطفية بالتسوق معقدة
علاقة الحب، التي أنشأناها ووطدناها على مدار سنوات ودفعنا من أجلها كل أموالنا، في خطر. يقول جريج بورتيل المدير التنفيذي لمركز التسوق الدولي «إن المول التجاري بشكله التقليدي الذي نعرفه محكوم عليه بالموت، فمتى كانت المرة الأخيرة التي أغلق فيها مركز تسوق وافتقده الناس، بالطبع بخلاف من كان يعملون به».
انخفضت الوظائف في مراكز التسوق التقليدية بنسبة 46% بين عامي 2001 و2016، كان النصيب الأكبر فيها للإناث بنسبة 60% من العمال المفصولين، ويليهم الأقليات، وكبار السن، والمراهقون تحت سن العمل القانوني وفقًا لـبيانات وزارة العمل الأمريكية.
ويعد هذا انخفاضًا مهولًا إذا قارناها بغيرها من الصناعات التي تشهد اضطرابًا أيضًا، فعلى سبيل المثال، تراجعت فرص استخراج الفحم بنسبة 32% خلال نفس السنوات الـ15 الأخيرة، وبالتبعية انخفضت العمالة في هذا المجال بنسبة 25%. وكان مركز «فونغ جلوبال ريتايل» المحلل في بحوث سوق التجزئة لمساعدة الأعمال الناشئة قد ذكر أنه قد تم غلق حوالي 3.300 مول تجاري عام 2017، وهو ضعف العدد في نفس الوقت من عام 2016.
حسب الحكومة الأمريكية، فإن الأمريكيين ينفقون أموالًا أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من أن محلات التجزئة أكدت انخفاضًا رهيبًا في مبيعاتها في نفس العام الحالي. وربما برزت المشكلة بشكل أكبر مع العلامات التجارية العالمية والتي تنتشر فروعها حول العالم، لكنها قلصت عدد هذه الفروع بنسبة 25%، وقال المديرون التنفيذيون نفس السبب: مستقبل قاتم، مبيعاتنا تتراجع بشدة، وكأن الجميع اتجه فجأة لمسوقين آخرين.
وقال مارشال كوهين، كبير محللي الصناعات في مركز «إن بي دي» إن هناك بعض السلاسل التجارية عفا عليها الزمن وتدلت خيوط العنكبوت منها، في إشارة لسلسلة مثل «سيرز هولدنجز وكمارت» والتي كانت تبحث عن مشترٍ لها، في الوقت الذي حذر المستثمرون أنفسهم من أنها لن تصمد في التجارة حتى العام القادم، الشركة التي أكدت أنها لا تمر بأزمة إفلاس، ولكنها سجلت خسائر تزيد عن 10 مليارات دولار منذ عام 2010، حتى ارتفعت ديونها وانخفضت قيمة أسهمها في البورصة.
بينما هم يبكون.. هؤلاء يضحكون
من المتوقع أن تنمو مبيعات التجارة الإلكترونية وتصل إلى 414 مليار دولار بحلول عام 2018، وبفضل الإنترنت، وتطوير آليات التسوّق الإلكتروني أصبح التسوق متاحًا على مدار الساعة، وبتشكيلة كبيرة من بضائع أسعارها منافسة، ما ظهر على الأسواق في الواقع ينبئ بنهاية المحلات الكبرى.
وفقًا لتقرير التجارة الصادر عن مكتب الإحصاء الأمريكي فإنه بعد رأس السنة الميلادية الماضي تراجعت مبيعات محلات التجزئة بنسبة 2.1% في حين ارتفعت بنسبة 12.8% على الأسواق الإلكترونية، في نفس الوقت الذي ارتفع فيه الإنفاق في نفس العام بنسبة 4% بمقدار 5.5 تريليون دولار.
ساهم في ما سبق الكثير مثل تطبيقات البيع والشراء على الموبايل، والثقة في الدفع عبر الإنترنت، واختيار المنتج بسهولة، وتحسين خدمات ما بعد البيع، وخدمة التوصيل للمنازل، وتوفر جميع القطع على الإنترنت، فلم تعد مضطرًا للبحث عن مقاسك في فرع آخر، فضلًا عن الراحة وتوفير الوقت والبنزين، ناهيك عن سعادتك وأنت تتسلم كتبك المفضلة على باب منزلك دون الحاجة لصديق يشحنها من دولة أخرى أحيانًا.
Embed from Getty Images
خدمات أمازون للشحن.
أما عن هذا الذي لا نعرفه على الطرف الآخر من حاسبنا الآلي فهناك تجار التجزئة الإلكترونيون يتلقون منك المال مقابل الخدمة، فعلى سبيل المثال حققت مبيعات «أمازون» ارتفاعًا من 16 مليار دولار عام 2010 إلى 80 مليار دولار عام 2016. وفي جانب آخر من العالم تحتد المنافسة بين الأسواق الإلكترونية على الإنترنت بين «أمازون» و«والمارت» و«فليبكارت» و«علي بابا» لتكثيف استثماراتهم في التسوق عبر الإنترنت بدلًا من الشكل التقليدي للتسوق في المحال التجارية.
ما قامت به الأسواق الإلكترونية ليس خدعة بل توسعة لجمهور المشترين بنسبة تصل إلى عشرة أضعاف، واستهداف جميع المناطق الجغرافية، ومختلف الأذواق. كذلك توضح المؤشرات أن الصناعات الثقيلة مثل الإلكترونيات بما تشمله من هواتف محمولة، وأجهزة كمبيوتر محمولة وغير محمولة من المقرر أن تنتقل للإنترنت بنسبة 87%، في الحين الذي انتقلت فيه بنود أخرى مثل الملابس بنسبة 79%، وبحلول عام 2018 ستكون كل البضائع بكل الصناعات والخدمات قد حجزت مكانًا لها بنسبة 100%.
الأمر غريب أكثر من كونه مخيفًا، ولا يبدو أنه سيكون محبطًا لجيلنا، ولكن هل سينهي هذا المستقبل هوسنا بالتسوق والشراء، أم سيضاعفه؟ فحتى إذا تغيرت طريقة استخدام المستهلكين لمراكز التسوق، فما زال هناك حاجة لها، أليس كذلك؟