منذ عام 2008 لم تنجح منظمة الدول المصدرة للبترول (OPEC)، في الاتفاق حول تخفيض الإنتاج، إلى غاية يوم الاجتماع في العاصمة النمساوية فيينا، قبل يومين. وتمثل أوبك أكثر من 40% من الإنتاج العالمي و70% من الاحتياطي العالمي للنفط، لتواجد دول من الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية والكويت وإيران والعراق، ومن أفريقيا مثل ليبيا ونيجيريا؛ في المنظمة التي تأسست عام 1960.
منظمة أوبك التي عاشت صراعات وخلافات عديدة في السنوات الأخيرة حول سياسة تخفيض الإنتاج واستقرار أسعاره في السوق الدولية، تراجع دورها كثيرًا بسبب الحروب والنزاعات التي عرفتها الدول الأعضاء مثل العراق ونيجيريا وليبيا، واشتد الخلاف في المنظمة مع انهيار أسعار البترول التي وصلت عام 2014 إلى 140 دولار، في حين انهارت بشكل مفاجئ خلال هذا العام إلى أقل من 40 دولار، يقول خبراء حول هذا الانخفاض أنه يستحيل وصول الأسعار إلى 100 دولار في المستقبل، كما كانت عليه سابقًا.
الدبلوماسية الجزائرية تلعب آخر الأوراق مع الحلفاء
وجاء اتفاق الجزائر الذي انعقد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ضمن مساعي الدبلوماسية الجزائرية في بلورة اتفاق بين أعضاء المنظمة، لتقليص الإنتاج بمقدار1.2 مليون برميل يوميًا لكل الدول، باستثناء نيجيريا وليبيا، التي تشهد أوضاعًا صعبة من الناحية الأمنية. ونجح الاتفاق في التأثير على الأسعار بشكل جزئي خلال الشهرين الأخيرين، حيث استقرت بين 45 إلى 48 دولار للبرميل.
وبحسب وكالة الأنباء رويترز، فإن الأسعار ارتفعت أمس الأوّل، بعد ورود أنباء عن اتفاق نهائي حول المقترح الجزائري بتخفيض الإنتاج للدول الأعضاء، إلى أقل من 32.5 مليون برميل، حيث ارتفعت الأسعار إلى أكثر من 50 دولار، بالنسبة لنفط برنت العالمي، كما ارتفع خام غرب تكساس إلى 48.7 دولار، وهي ارتفاعات تأثرت بقرار المنظمة التي يجتمع أعضاؤها في المقر الرئيسي بالعاصمة فيينا.
وجاءت زيارة الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، إلى الرياض، في الآونة الأخيرة، من أجل الوصول إلى اتفاق بالمنظمة وسعيها لتمكين أسعار البترول من الاستقرار خلال نهاية هذا العام، كما أوفدت الجزائر وزير خارجيتها إلى الإمارات العربية المتحدة، وحاولت الجزائر إلحاق روسيا كذلك بهذا الاتفاق للعلاقات المميزة بها، رغم عضويتها خارج المنظمة.
بين السعودية وإيران
وعرف الاتفاق الجزائري قبل شهرين من الآن، صراعًا خفيًّا بين السعودية من جهة، وإيران والعراق من جهة أخرى، حيث يسعى الطرف الثاني إلى استعادة حصته في السوق الدولية للنفط، بخاصة مع العقوبات التي فرضت على إيران لعقدين من الزمن والانفتاح التدريجي لها من الدول الغربية، بالإضافة إلى احتياج العراق إلى المزيد من الأموال من أجل تمويل الحرب على الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة «داعش»؛ حسب تصريحات الحكومة العراقية.
ورغم أن السعودية تعاني متاعب مالية غير مسبوقة، بسبب قيادتها الحرب في اليمن، إلا أنها قدمت اقتراحًا بخفض الإنتاج إلى 500 ألف برميل يوميًا، وهي التي يصل إنتاجها إلى أكثر من 12 مليون برميل، في حين لا يجب أن يفوق إنتاج إيران أربعة ملايين برميل يوميًا، وهو المقترح الذي رفضه وزير النفط الإيراني، قائلًا إن «مستوى الإنتاج النفطي في إيران يخضع لإرادة الشعب الإيراني وليس لحسابات دولية لا تخدمنا».
هذا الخلاف جعل الجزائر تلعب دور الوسيط، لقوة العلاقات مع الحليف الإقليمي إيران، وكذلك رغبتها في تطوير المنظمة وضم دول أخرى لها طلبات سابقة في الانضمام إلى التكتل الدولي.
ودفع الحلف الإيراني العراقي الدبلوماسية الجزائرية بسبب التشبث في الإبقاء على حصصها في السوق إلى تعديل المقترح زمنيًا عبر تطبيقه ابتداء من العام الجديد 2017، ويُقيّم ويُعدّل مع نهاية كل سداسي.
اجتماع فيينا يترنح
وقالت مصادر لرويترز، إن الخبراء في اجتماعهم بمقر المنظمة، فشلوا في تضييق هوة الخلافات بين السعودية التي تعتبر أكبر منتج نفط في المنظمة، وصاحبة المركز الثاني والثالث على التوالي، إيران والعراق، بخصوص تخفيض الإنتاج اليومي، وهو ما يهدد الاتفاق الجزائري، بالرغم من تطمينات وزراء الطاقة للجزائر وقطر والسعودية وفنزويلا حول نجاح المسعى والمصادقة النهائية على القرار.
وزار وزير الطاقة الجزائري نورالدين بوطرفة، مصحوبًا بوزير البترول الفنزويلي، كلا من موسكو وطهران، في الأيام الأخيرة، ما يعكس النشاط الدبلوماسي المكثف للجزائر، ورغبة الحكومة في السّعي من أجل رفع سعر البترول إلى أكثر من 60 دولار للبرميل، وهي تصريحات نادى بها أكثر من مسؤول حكومي جزائري، باعتبارها ضرورة لاستعادة الموازنة المالية داخليًا.
كما استقبلت الجزائر رئيس الوزراء القطري خلال اليومين الماضيين وتناولا واجب إنجاح اجتماع فيينا، في حين قام الوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الخارجية رمطان لعمامرة سابقًا بزيارات تجاه الرياض وأبوظبي لنفس الغرض الاقتصادي.
ولا يخفي الوزير الجزائري بوطرفة تخوفه من اجتماع فيينا، فرغم النجاح الجزئي بخصوص كبح مستوى الإنتاج، والفصل في حجم التخفيضات بين الدول المعنية الذي قد يتحقق من خلال هذه المفاوضات، إلا أن الانعكاسات ستكون وخيمة على الأسعار التي قد تصل تحت 40 دولار، في حال أخفقت الأطراف في الوصول إلى صيغة توافق إلى ما يرمي به اتفاق الجزائر، وهو ما يعتبره الخبراء مغامرة في سوق النفط الذي يعرف تراجعًا كبيرًا من حيث الأسعار أو حتى من حيث الإنتاج والاستخراج والتنقيب في الكثير من مناطق العالم.