منذ بدء احتلال فلسطين من قبل القوات الصهيونية مدعومة بالقوات البريطانية المحتلة، تحركت معظم الجيوش العربية والإسلامية للدفاع عنها، وخاصة مدينة القدس الشريف ومسجدها الأقصى المبارك الذي يعد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين في العالم أجمع.
واعتقد أجدادي أنه من سابع المستحيلات احتلال القوات الصهيونية المسلحة فلسطين، وإذا حدث هذا فلن يدوم الاحتلال لعدة أسابيع أو أشهر على أقصى تقدير، وهذا ما قاله لي جدي أثناء الحديث عن الأراضي المحتلة، وخاصة التي عاشها إبان نكبة 1948م من القرن الماضي.
وبعد 19 عامًا، تحركت معظم الجيوش العربية التي لها حدود مع فلسطين، وهي مصر وسوريا والأردن، في محاولة منها لتحرير فلسطين من دنس الاحتلال الإسرائيلي، ويا ليتها لم تفعل فسمي عام 1967م بعام النكسة، بعد أن أكملت (إسرائيل) احتلال باقي فلسطين منها الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق مدينة القدس، وشبه جزيرة سيناء (مصر)، وهضبة الجولان (سوريا)، ليكتمل حلمها باحتلال جميع فلسطين وبمساعدة الدول العربية ولكن بطريقة غير مباشرة.
وبعد هذا العام، توقفت الجيوش العربية عن قتال قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر إلا في حالة واحدة، وهي حرب السادس من أكتوبر في عام 1973م، عندما استعادت القوات المصرية برئاسة رئيس مصر السابق أنور السادات، شبه جزيرة سيناء وهزم الاحتلال شر هزيمة. فاعتقدنا نحن الفلسطينيين بأن عمر (إسرائيل) أصبح أيامًا معدودة، فتوقعنا بأن السادات سيستمر بعمله العسكري لتحرير فلسطين من دنس الاحتلال، فما زلنا ننتظر هذه اللحظة حتى الآن!
فاستطاعت (إسرائيل) بطرقها الخاص تحييد الدول العربية المجاورة في الصراع الدائر مع الفلسطينيين، عبر تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الوحيد والشرعي للفلسطينيين، ومنذ ذلك الحين لم تتدخل دولة عربية عسكريًا لأجل فلسطين.
ولكي لا نبتعد كثيرًا، منذ بدء انتفاضة الأقصى في سبتمبر من العام 2000م، عندما دخل المجرم أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى المبارك، فثار أبناء مدينة القدس وانتفضوا في وجه الاحتلال الإسرائيلي، معبرين عن رفضهم وغضبهم لهذا التصرف العنصري تجاه مسجدهم الأسير، لدى ما تسمى (إسرائيل)، فدارت اشتباكات مع قوات الاحتلال فسقط آنذاك العشرات من الشهداء والجرحى.
فامتدت الانتفاضة في اليوم التالي إلى جميع أنحاء المدن الفلسطينية، بما فيها مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، تأكيدًا من أهالي تلك المدن بأن سكان القدس ليسوا وحدهم في مواجهة جنود الاحتلال، فسقط شهيد من غزة ولحق به آخر من الضفة، فانطلقت الانتفاضة وسميت بانتفاضة “الأقصى” تقديرًا للشهداء الذين سقطوا في اليوم الأول من تلك المواجهات في باحات المسجد الأقصى.
فلم تطل سلمية الانتفاضة، فسرعان ما تحولت إلى انتفاضة مسلحة، فقامت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي وفتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية، بتنفيذ عمليات مسلحة من خلال قيام المجاهد بتنفيذ عملية وسط المستوطنين أو جنود الاحتلال، لإيقاع أكبر عدد منهم في القتل.
ولكي لا نخرج عن بوصلة الموضوع، خرج مئات الآلاف من أبناء الشعوب العربية دعمًا لانتفاضة الأقصى، انطلقت من مصر والأردن وسوريا ولبنان ودول المغرب العربي، واعتقدنا أن مسيرة التضامن تتطور فتصل إلى الحكومات العربية، فتغلق سفارات الاحتلال الإسرائيلي، أو تطرد السفير الإسرائيلي لديها، أو أي نوع من أنواع الاحتجاجات الدبلوماسية للضغط على الكيان المغتصب للأراضي الفلسطينية.
لكن للأسف، لم يحدث أي شيء من تلك الأمنيات التي تمناها المواطن الفلسطيني، لكي يؤكدوا للعالم بأن الأقصى ليست للفلسطينيين فقط. فاستمرت الانتفاضة المسلحة خمس سنوات حتى طًرد الاحتلال من قطاع غزة، وذلك في منتصف عام 2005م، وسُمي آنذاك بالانسحاب أحادي الجانب من قبل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أرئيل شارون.
وبعد ثلاث سنوات، وتحديدًا في أواخر عام 2008 وبداية 2009، خاضت (إسرائيل) أولى حروبها المجنونة ضد سكان قطاع غزة، فقتلت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني العزل، وتحرك العالم أجمع سواء دول أوروبية وعربية وإسلامية، والحق يقال هنا بأن جميع الشعوب التي خرجت نصرت القضية الفلسطينية وأعادتها إلى مكانتها الطبيعية لدى الجميع.
وأصبح الكيان المغتصب بنظر العالم بشكل مغاير، دائمًا كان يلعب دور الضحية، وإنما في هذه الحرب، والفضل يعود إلى الزملاء الصحفيين الذين فضحوا ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي “الهمجية” بحق المدنيين العزل، من خلال التقارير الإنسانية والصور والفيديوهات التي كان يشاهدها سكان العالم أجمع، وبدأت (إسرائيل) تتراجع تدريجيًا من حيث عدد مؤيديها في العالم.
وبعدها بسنتين، خاضت (إسرائيل) حربًا أخرى على قطاع غزة، وذلك في نوفمبر من العام 2012م، فلم تستمر الحرب إلا 7 أيام، حيث سقط العشرات من الشهداء والجرحى، والسبب الذي أدى إلى عدم إطالة مدة الحرب ضد القطاع، هو أن الرئيس محمد مرسي كان آنذاك رئيس الجمهورية المصرية، وضغط بشكل واسع على الأطراف الدولية للضغط على الاحتلال بوقف الحرب، ولن ننسى مقولته الشهيرة “لبيك يا غزة”.
وبعد سقوط مرسي بسنة ونيف، خاضت للمرة الثالثة (إسرائيل) حربًا ضروسًا على قطاع غزة بمنتصف عام 2014م، وتعد هي الأعنف مقارنة بالحروب الماضية، لكن للأسف خرجت مظاهرات يمكن وصفها بـ”الخجولة” من قبل الشعوب العربية، ولا توجد مقارنة بالمظاهرات السابقة التي خرجت في الأعوام الماضية.
ولأول مرة شعر سكان قطاع غزة بتعاسة شديدة جراء عدم خروج الشعوب العربية بمظاهرات تليق بأعداد الشهداء الذين سقطوا أثناء الحرب، وشيئًا فشيئًا بدأ العرب والمسلمون في العالم يتخلون عن دعم القضية الفلسطينية رويدًا رويدًا.
وهناك عدة أسباب لانخفاض دعم القضية الفلسطينية بشكل ملحوظ، أبرزها الصراعات الدائرة في دول الربيع العربي، أبرزها مصر وليبيا وسوريا، ولذلك كل دولة مشغولة في شئونها الخاصة.
وأصبح الفلسطينيون يواجهون قوات الاحتلال الإسرائيلي وحدهم، ودون دعم واضح من قبل الشعوب العربية؛ فمنذ بدء انتفاضة القدس الحالية في بداية شهر أكتوبر، لم نسمع أي دولة عربية تشجب أو تستنكر الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
لذلك المرابطون والمرابطات في المسجد الأقصى المبارك يدافعون عن المسجد الأقصى المبارك بأرواحهم، فيبقى السؤال هل المسجد الأقصى للمسلمين أو الفلسطينيين؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست