لا حاجة بنا إلى القول بأن من أعظم المكاسب التي تحققت لإسرائيل، والتي تجثم على جسد الأمة الإسلامية والعربية ما يزيد عن الستين عامًا، هو اشتعال المنطقة العربية بالحروب المذهبية والانفصالية والتوسعية، والتي قد تكون نتاجًا من توابع ثورات الربيع العربي، مثلما هو في اليمن وليبيا وسوريا، ولا حاجة بنا كذلك إلى القول بأن اليد الإسرائيلية الخبيثة هي وراء ذلك كله، تغذيه بالمال والسلاح، ولكن من المكاسب المتحققة لها أيضًا هو غياب أو بالأحرى تغييب الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم في مصر وغيرها، وهو ما يمثل لها تهديدًا حقيقيًّا -إذا تمكنوا من ذلك- من الممكن أن ينسف وجودها ويمحو خارطتها من الأذهان.

وبالرجوع إلى الماضي القريب، فقد كان صناع القرار في إسرائيل والذين يحسبون كل صيحة عليهم، يعملون في التخطيط لمنع تمكن الإسلاميين من ذلك، بالرغم من حالة الفوبيا والصدمة والإحباط التي باتت تلازمهم، إلى الحد الذي وصف فيه الكاتب الإسرائيلي إيتان هابر ذلك بقوله: «أمام المخاطر الكيانية الملموسة، أمام مسائل الحياة والموت، أمام الحاجة الماسة إلى مجموعة اليهود العباقرة والحكماء وأصحاب التجربة الكبيرة والأكثر نجاحًا في العالم، فإننا ننتخب من يوزعون النقانق والكاتشب والخردل للناخبين، إننا نستحق هذه النقانق».

بعد سويعات من إعلان فوز الرئيس مرسي في الانتخابات وحتى قبل توليه مقاليد الحكم، عمدت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، والتي دخل فيها الهلع والخوف كل مدخل، إلى مطالبة وزارة المالية بـ4.5 مليار دولار لموازنة الأمن، وذلك لتأمين القيادة الجنوبية وزيادة قوتها وفعاليتها. ولأن قيادة الجيش الإسرائيلي الجنوبية سيكون على عاتقها مهمة أكبر من غيرها في تلك الحدود، والتي مع صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم من الممكن أن تكون مصدر قلق يهدد وجود الدولة العبرية، وتصبح من ثم اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر وإسرائيل عام 1979 والتي كانت تمثل درعًا واقيًا لها من أي عدوان عربي محتمل يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، تصبح مثل أي هدنة في تاريخ الصراعات والحروب بين الدول.

ومن المؤكد أن مصر في عهد الرئيس مرسي -والذي مضى عليه ألف يوم في سجنه الآن- لن تقبل بأي التزام إستراتيجي أو اتفاق أمني ومخابراتي مع دولة العدو الإسرائيلي، وأن مصر مرسي سوف تقوم بدورها كاملًا تجاه أمتها العربية والإسلامية، وأوضح مثال في ذلك هو دور مصر الأخير في إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي قادت فيه مصر وقتذاك حراكًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا انتهى بوقف العدوان على غزة، وهو ما عبر عنه الرئيس مرسي موضحًا أن مصر اليوم ليست مصر الأمس، ومهددًا إسرائيل وصناع قرارها، تهديدًا لا يقبل التأويل بقوله: «لن نترك غزة وحدها، إن مصر اليوم مختلفة تمامًا عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركًا لكل شعوب المنطقة ضدكم، أوقفوا هذه المهزلة فورا وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

مرسي, مصر
عرض التعليقات
تحميل المزيد