خمس سنوات مرت على ثورة 25 يناير التي كان لها جوانبها المشرقة وجوانبها المحرقة، فالجوانب المشرقة تمثلت في الوحدة الوطنية، وسقوط الأيديلوجيا، وكسر حاجز الخوف، وإعادة مصر للمصريين، وشعور المصري في الداخل والخارج بكرامته، أما الجوانب المحرقة للثورة فقد صاحبتها وامتدت، حتى بعد مرور سنوات عليها، وثورة 25 من يناير أكلت أبناءها وأحرقت الكثيرين، ومن بين من أحرقتهم الثورة أفراد وجماعات ومؤسسات ودول.
شباب الثورة
الفئة الأولى التي تعرضت للتشويه والإحراق المعنوي أثناء الثورة وبعدها هم شباب الثورة وشهداؤها؛ فقد تعرضوا لعملية تشويه ممنهجة من قبل وسائل الإعلام التي كالت لهم الاتهامات ووصفتهم بأنهم عملاء خونة، ولم يسلم شباب الثورة من هجوم العوام عليهم واتهامهم بأنهم «خربوا البلد»!
وبعد تبرئة جميع القيادات الأمنية والسياسية من تهمة قتل الثوار، واتهام الإخوان لاحقًا بقتلهم، وُجهت الاتهامات لشهداء الثورة بأنهم قتلوا أنفسهم؛ لكي يشوهوا صورة الداخلية، ويحرجوا النظام، كما ورد على لسان عدد من الإعلاميين «المطبلين» للنظام!
الحركات الشبابية
التيارات الشبابية التي عارضت النظام في مصر قبل الثورة وشاركت في صنعها، وساندت الثورة المضادة فيما بعد؛ نكاية في الإخوان، تعرضت هي الأخرى للتشويه والإحراق، ومن هذه الحركات حركة «6 أبريل» التي تعرض أعضاؤها للتشويه، وزُج بهم في السجون، بعد الانقلاب، والبعض يطلقون عليهم أعضاء حركة «6 إسرائيل»، وغيرها من الأوصاف.
وحركة تمرد التي كانت صنيعة أجهزة الأمن والمخابرات، وحصلت على تمويل خارجي لإسقاط الرئيس المنتخب، أُحرقت بعد نجاحها في مهمتها القذرة.
الشخصيات العامة
الشخصيات العامة التي عارضت النظام قبل ثورة يناير، وزادت شهرتها بعد الثورة، تعرضت هي الأخرى للتشويه والإحراق، ومن هذه الشخصيات الناشط «وائل غنيم» الذي شارك في ثورة يناير، وانحاز فيما بعد للثورة المضادة في 30 يونيو، والدكتور «محمد البرادعي» الذي شارك عمليًا في الانقلاب، وشغل منصب نائب الرئيس لفترة محدودة، و«عمرو موسى» الذي ترأس لجنة الخمسين، و«حمدين صباحي» الذي لعب دور «المحلل» في انتخابات الرئاسة، والراحل «محمد حسنين هيكل» والاتهامات التي وجهت له ووصفته بـ «عراب الانقلاب»، ومن السياسيين «مصطفى بكري» وغيره ممن دعموا الثورة المضادة.
النخبة المزيفة
عملية الإحراق طالت عددًا كبيرًا من الذين يُطلقون عليهم النخبة أو المثقفين، وبخاصة الليبراليين، الذين انحازوا لمعسكر الاستبداد والفساد والظلم، وسكتوا على المجازر وعلى انتهاكات حقوق الإنسان.
والدور الذي قام به هؤلاء هو تبرير الممارسات القمعية والفاشية للنظام، ومن هؤلاء الدكتور «حسن نافعة»، والدكتور «جابر نصار»، والدكتور «مصطفى حجازي» الذي عين مستشارًا للرئيس المؤقت بعد الانقلاب، والكاتب «علاء الأسواني»، والكاتب «إبراهيم عيسى»، و«محمد سلماوي»، و«محمد أبو حامد»، وقائمة النخبة المزيفة، التي كفرت بمبادئها وباعتها، تطول.
الإعلاميون
عدد كبير من الإعلاميين أحرقوا بعد الثورة، وبعد الانقلاب، وفي مقدمة هؤلاء باسم يوسف صاحب برنامج «البرنامج»، الذي هاجم الرئيس «مرسي» والإخوان، ولكنه لم يجرؤ على مهاجمة الانقلابيين، واضطر إلى مغادرة مصر لأجل غير مسمى، ومنهم المثير للجدل «توفيق عكاشة» صاحب قناة الفراعين، الذي أسقطت عضويته من البرلمان مؤخرًا، و«حياة الدرديري»، ومنهم «أحمد المسلماني» وغيره ممن نافقوا الإخوان أثناء حكمهم، ثم انقبلوا عليهم بعد ذلك، ومنهم «أحمد موسى» و«تامر أمين» و«رولا خرسا»، وقائمة الإعلاميين «المطبلين» للنظام طويلة جدًا.
الفنانون
ثورة 25 يناير أحرقت عددًا كبيرًا من الفنانين الذين وقفوا في وجه الثورة، ووجهوا الاتهامات لشباب الثورة، وأحرقت كذلك من ساندوا الثورة المضادة من الممثلين، ومنهم على سبيل المثال «سماح أنور» و«عادل إمام» و«يسرا» و«محمد صبحي» و«إلهام شاهين» و«أحمد بدير» و«وفاء عامر» و«أشرف زكي» و«تامر حسني» و«غادة عبد الرازق»، وغيرهم.
ومن الملاحظ التأييد الهائل من قبل الراقصات للثورة المضادة، وسيذكر التاريخ حصول راقصة على لقب «الأم المثالية»، وتكريم المحافظين للراقصات.
شيوخ السلطان
ثورة 25 يناير أحرقت عددًا من الدعاة وشيوخ السلطة والعسكر، الذين وظفوا الدين في خدمة الثورة المضادة وفي خدمة الانقلاب، ويأتي على رأس هؤلاء شيخ الأزهر «أحمد الطيب»، والمفتي الأسبق «علي جمعة» و«عمرو خالد»، وفتاواهما بقتل المعارضين، واستباحة الدماء والحرمات.
ومن الشيوخ الذين افتضح أمرهم بعد الانقلاب «مظهر شاهين» الذي لقب أثناء الثورة بـ «خطيب التحرير»، و«سعد الدين الهلالي» الذي جعل من «السيسي» و«محمد إبراهيم» رسلًا، و«أحمد كريمة»، و«ياسر برهامي»، و«محمد عبد الله نصر»، الشهير بالشيخ «ميزو»، «صاحب فتوى الرقص الشرقي حلال، وبدلة الرقص أفضل من النقاب»، وغيرهم من الشيوخ الذي ساندوا الباطل ودافعوا عنه.
الجماعات الإسلامية
الجماعات الإسلامية في مصر تعرضت للتشويه وأحرقت إعلاميًا وسياسيًا ودينيًا، وبعض هذه الجماعات ساهمت في تشويه نفسها وإحراق تاريخها، مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تصدرت لحكم مصر، دون امتلاك أية رؤية، أو أدوات لحكم مصر، على الرغم من التحذيرات التي وجهت لهم، والغباء السياسي لقادة الإخوان أوردهم المهالك، وفتح عليهم أبواب الجحيم، وأفقدهم الكثير من رصيدهم الشعبي والنضالي والدعوي.
وحزب النور السلفي أحرق أعضاؤه أنفسهم؛ بمساندتهم للثورة المضادة، وللانقلاب على الرئيس المنتخب، وصمتهم على حملات الهجوم والإساءة للإسلام، وصمتهم على انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت، ولم تزل تحدث حتى الآن، وكانت النتيجة هي فشلهم الذريع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفقد مشايخ الحزب الشهرة الزائفة التي تمتعوا بها سابقًا.
المجلس العسكري
تفويض الرئيس المخلوع «مبارك» للمجلس العسكري بإدارة شئون البلاد، والتدخل الفج للعسكر في الشأن السياسي شوه صورة المجلس العسكري وأحرق أعضاءه واحدًا تلو الآخر، وأحرق كذلك المنتمين للمؤسسة العسكرية مثل الفريق «أحمد شفيق» المرشح السابق للرئاسة، والذي سافر للإمارات، بعد الانتخابات، ولم يعد حتى الآن!
وكل من ظهر من أعضاء المجلس العسكري على الساحة الإعلامية والسياسية تم حرقه؛ من خلال التصريحات والمواقف التي أظهرت معاداتهم لثورة 25 يناير.
وتسريبات مكتب السيسي فضحت العقلية التي تسيرهم وتحكمهم، والطريقة التي يديرون بها شئون البلاد.
الدول الداعمة للانقلاب
الدول التي تآمرت على ثورة 25 يناير، وساندت ودعمت الانقلاب في مصر، شوهت صورتها بيدها، وفقدت الكثير من رصيدها لدى المصريين ولدى الشعوب العربية، والسؤال الذي لا يزال قائمًا ومطروحًا حتى الآن هو: ما الذي جنته أو استفادت منه هذه الدول من خلال مناهضتها للثورة ودعمها للثورة المضادة في عدد من الدول العربية؟
إشراقة جديدة
عملية الحرق لم تقتصر على الأفراد والتنظيمات والمؤسسات، ولكنها طالت القيم والأخلاق بعد الثورة، وهو ما ظهر جليًا في الفوضى والانفلات الأخلاقي عقب الثورة، ومصر كانت – ولا تزال – بحاجة إلى ثورة أخلاقية ضد السلبيات التي طغت على المجتمع المصري؛ نتيجة عملية الإفساد الممنهج الذي مارسته الأنظمة المتعاقبة منذ قرون.
وعملية الحرق والصهر التي حدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير كانت لها إيجابياتها، ولعل أهمها: أنها فضحت المنافقين والمتلونين والمتحولين والآكلين على جميع الموائد، ومحصت معادن الرجال، وكشفت خبايا النفوس، وأظهرت الحق وكشفت الباطل الذي التبس على كثير من الناس.
وعقب هذا التمحيص تأتي البداية الجديدة، والتي ينبغي أن تكون على أسس واضحة وسليمة، ومصر اليوم بحاجة إلى المخلصين من أبنائها من كافة التيارات والتوجهات، وبحاجة لثورة ضد الفساد والظلم، وثورة من أجل تمكين المجتمع، وبناء مجتمع مدني قوي يدافع عن الحريات والحقوق، وبحاجة إلى بناء مؤسسات وطنية هدفها مصلحة الوطن والمواطن.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست