إذا لم تكن قد قرأت بعد الجزء الأول

7 وصايا لمن بلغ سن الأربعين أو شارف عليها ج(1)

 من هذا المقال فأنصحك بقراءته أولًا حتى تعلم فيما نتحدث، حيث إننا نستكمل في هذا المقال الوصايا السبع لمن بلغ سن الأربعين أو شارف عليها، والتي تحدثنا عن ثلاث منها في المقال السابق. 

7 وصايا لمن بلغ سن الأربعين أو شارف عليها ج(1)

 

4- اعتن بصحتك

 

«أعطنى صحة وخذ ثروتي».. (مثل إنجليزي)

 

حين تخرجتَ من الجامعة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، كنتَ ما زلتَ في مقتبل العمر، شابًا فتيًا حالمًا يافعًا، تحمل الكثير من الآمال، وتعدو وراء المستقبل، تتسلح بالعزيمة، وتكتسي بالمثابرة، تشدو بالأمنيات، وتتطلع إلى زوجة صالحة وأبناء مصلحين ومنصب براق، ومال وفير يهيئ لكم رغد العيش

 

ولكنك لم تكن تدرك آنذاك أن الزمان سيسرق منك أجمل أيام العمر مقابل تلك التطلعات المشروعة، ولم يخبرك أحد بأنه يجب عليك أولًا أن تقدم أغلى ما كنت تملك في تلك الأيام (الوقت والصحة) حتى تحصل على تلك التطلعات.

 

وها قد حان الوقت الذي يجب عليك فيه أن تتوقف عن ذلك، بعد أن حققت معظم ما كنت تربو إليه من أسرة ومنصب ومال، ها قد حان الوقت لأن تعتني بصحتك أكثر من أي وقت مضى، فقد بلغت الأربعين.

 

ففي الأربعين.. أنت تحتاج إلي ممارسة الرياضة بانتظام، وإلى الأبحاث الطبية المنتظمة والمتكررة وذلك للتأكد من سلامتك والحفاظ على صحتك طوال الوقت، حيث تتغير الطبيعة البيولوجية للجسم بعد سن الأربعين، نظرًا لأن الجسم قد مرت عليه مرحلة مهمة وحيوية من مراحل الحياة، ألا وهي مرحلة الشباب.

 

وإليك – باختصار– أهم النصائح الطبية للحفاظ على صحتك في سن الأربعين:

 

 

  • اقلع عن التدخين، فللتدخين الإسهام الأكبر في زيادة معدلات الوفاة بين المدخنين فوق سن الأربعين، فضلًا عن كونه محرمًا شرعًا، وهذا هو السبب الأسمى الذي يجب عليك أن تقلع عن التدخين من أجله.
  • قم بعمل فحوصات منتظمة على البروستاتا (للرجال) وعلى الثدي (للنساء) للكشف المبكر عن أي سرطان محتمل، حيث إن هاتين المنطقتين هما الأكثر عرضة للسرطان في كلا الجنسين.
  • حافظ على نظام صحي معين، وذلك بمزاولة التمارين الرياضية واتباع نظام غذائي صحي.
  • قلل من ضغوط العمل والمشاكل الأسرية، فإن التوتر والقلق يزيدان من معدلات الضغط.
  • افحص ضغط الدم بانتظام، حيث إن أغلب أمراض العصر ترتبط بضغط الدم.
  • خَفِّض – أو امنع إن استطعت – استهلاكك من السمَّين الأبيضين (السكر والملح)، فلهما علاقة مباشرة بالكثير من الأمراض.

 

 

5- تَعلَّم وعَلِّم

 

«لا زلت أتعلم».. (مايكل أنجلو- في السابعة والثمانين من عمره)

 

كان العلماء يعتقدون أن اكتمال نمو الدماغ يكون في سن العشرين تقريبًا، هذا ما دلت عليه تجاربهم، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، فقد نشرت جريدة تليجراف البريطانية بحثًا في عام 2010 بعنوان: «نمو الدماغ يستمر لمنتصف العمر»، يؤكد البحث أن نمو الدماغ يستمر لنهاية الأربعينيات من عمر الإنسان، بما يتفق تمامًا مع آية سورة الأحقاف: « حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشدَّه وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» التي توضح أن الإنسان يصل إلى ذروة نضوجه العقلي والنفسي مع بلوغه سن الأربعين، حيث يقول ابن كثير في تفسيره للآية الكريمة: «في الأربعين يتناهى العقل، ويكمل الفهم والحلم، وتقوى الحجة».

 

مهما كانت وظيفتك الحالية، رئيس حسابات في مؤسسة حكومية أو مدير تسويق بإحدى الشركات العالمية أو مديرًا لشركتك الخاصة، وأيا كان مجال عملك، البرمجة أو المبيعات أو المراجعة المالية، فبالتأكيد أنك قد أصبحت الآن «خبيرًا» في مجالك، بعد أن أمضيت ما يقرب من 20 عامًا أو أكثر في هذا المجال، تدرجت خلالهم من منصب إلى آخر، وانتقلت أثناءهم من شركة إلى أخرى، أو أدرت عملك الخاص، فقد تعلمت الكثير والكثير في تلك السنوات، حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن.

 

لا تنس أيضًا، أنك بجوار خبرتك العملية، فأنت تحمل قدرًا كبيرًا من الخبرة الحياتية بعد أن وصلت إلى هذا السن، فقد مررت بتجارب مختلفة، وتجاوزت مواقف كثيرة، وتلقيت دروسًا شتى، لم تتلقّها في قاعات المعاهد والجامعات، ولكنك تلقيتها في أروقة المواقف والمعاملات، فأكسبك كل ذلك مهارات عدة، وخبرات عديدة على كلا الجانبين، العملي والشخصي.

 

ولكن تذكر، أنك لم تصل إلى ذلك بذكائك أو براعتك! ولكن بفضل الله أولا، ثم بفضل من حولك من من ساعدوك، ووجهوك، وأرشدوك، وعلموك، وقوموك، ونصحوك، تذكر أنه لولا فلان وفلان وفلان… لما وصلت إلى ما أنت عليه الآن، وقد جاء الوقت لترد الجميل، ولكن لأناس آخرين، جاء الوقت لتغدق من خبرتك العملية والعلمية والحياتية على من حولك.

 

اعقد دورات تدريبية في مجالك، قدم الاستشارات العملية والحياتية إلى من حولك، وجه زملاءك، أرشد أصدقاءك، ساعد أقرباءك.

 

وعلى الجانب الآخر، لا تنس، أقرأ … اقرأ … اقرأ، اقرأ ولو قليلًا، اقرأ ما تيسر، اقرأ كل يوم، خصص وقتًا -ولو يسيرًا- للقراءة، فأول ما نزل من القرآن كان «اقرأ»، وأكثر كلمة ذكرت في القرآن بعد لفظ الجلالة كانت كلمة «العلم» بمشتقاتها، وقال رسولنا الكريم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وما تنهض الأمم والشعوب إلا بالعلم، وما تقوم الحضارات إلا بالعلم، تعلم، اطلع على أحدث التقنيات والأساليب في مجالك، احضر دورات تدريبية، طور مهاراتك، حسن من قدراتك، أيقظ همتك، أظهر مواهبك، تتبع شغفك، لا تتوقف عن التعلم مهما كان عمرك، فعندما سئل الإمام في أواخر عمره: «إلى متى تطلب العلم يا إمام؟»، أجاب: «مع المحبرة إلى المقبرة».

 

6 – عدد نشاطاتك

 

من غير المعقول أن تكون قد بلغت الأربعين من عمرك، وما زلت بعد تعطي جل وقتك وتفكيرك واهتمامك لعملك الذي قد أكل منك أجمل السنوات، وما زالت أسرتك لا تنال منك إلا الفتات، وتبقى الرياضة والهواية مجرد ذكريات.

 

عليك أن تعيد النظر مليًّا في أسلوب حياتك، في أولوياتك واهتماماتك، فعليك أن تقف مع نفسك وقفة ترجع فيها إلى نفسك التي تفتقدها منذ زمن، وقفة ترتب أفكارك، وتعدل مسارك، وتغير عاداتك، وتثور على روتينك، وتحارب فيها كسلك، وتخرج فيها من منطقة راحتك، وكفى عملك ما أكل منك، فلا تدعه يـأكل ما هو آت.

 

مارس رياضتك المفضلة، أحي هواياتك القديمة، افعل شيئًا مختلفًا، اصنع شيئًا جديدًا.

 

تحرر من وظيفتك رويدًا رويدًا، ابدأ عملا حرًّا ولو بسيطًا، أو شارك في نشاط تجاري ولو صغيرًا، ستشعر بسعادة غامرة مع أول دخل لك من عملك الخاص، فمذاقه مختلف عن دخل الوظيفة، وقيمته كبيرة، وإياك أن تقول أنك قد كبرت ولم يعد بإمكانك فعل ذلك!

فإن كثيرين منا يشعرون بالقلق عندما يبلغون الأربعين، ولم يحققوا بعد أيًّا من أهدافهم أو أحلامهم.

عرض موقع «بيزنس إنسايدر» تقريرًا عن شخصيات ناجحة في العديد من المجالات، أثبتوا أن الحياة لا تتوقف بعد سن الأربعين، وأن الأوان لم يفت بعد، وإليك بعضًا من تلك الشخصيات التي بدأت حياتها العملية بعد الأربعين:

 

– «سام والتون».. عمل في وظيفة متميزة في إدارة التجزئة خلال العقدين الثالث والرابع من عمره، ولكن نجاحه الحقيقي كان بعد الـرابعة والأربعين من عمره حينما أسس أول متجر لـ«وول مارت» عام 1962، والتي تعد أكبر شركات البيع بالتجزئة في العالم.

– «هنري فورد».. أسس شركة «فورد» الأمريكية للسيارات، وأطلق أول سيارة باسم «تي كار» عام 1908، كان يبلغ من العمر وقتها 45 عامًا.

– «دونالد فيشر».. كان عمره أربعين عامًا، ولم يكن لديه أي خبرة في التجزئة عندما افتتح هو وزوجته أول متاجر «جاب» للملابس في سان فرانسيسكو عام 1969، واشتهر اسم هذا المتجر سريعًا، وأصبح الآن له فروع كثيرة، ومن بين الأكبر على مستوى العالم.

7 – ابحث عن شغفك وسعادتك

 

«تمنيت لو أنني أدركت مبكرًا المعنى الحقيقي للسعادة».. من كتاب «أكثر خمسة أشياء نندم عليها عندما نكبر»

كانت تلك الجملة هي أحد أكثر الإجابات شيوعًا عند سؤال كبار السن الأستراليين عن أبرز الأشياء التي ندموا على فعلها (أو عدم فعلها) في مرحلة الشباب.

 

فمعظمنا لا يدرك – إلا متأخرًا – أن السعادة ما هي إلا حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة، إن السعادة كانت اختيارًا يمكن نيله بجهد أقل وتكلفة أبسط، ولكننا نبقى متمسكين بالأفكار التقليدية حول تحقيقها

 

وإليك باقي الإجابات الأكثر شيوعًا في الكتاب:

 

«تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعيش لنفسي، ولا أعيش الحياة التي يتوقعها أو يريدها مني الآخرون»

فقد عبّر معظمهم عن ندمه على إرضاء الغير (كرؤسائهم في العمل)، أو الظهور بمظهر يرضي مجتمعاتهم أو من يعيشون حولهم.


«تمنيت لو أنني خصصت وقتًا أطول لعائلتي وأصدقائي بدلًا من إضاعة العمر كله في روتين العمل المجهد»

فنحن نلقي بأنفسنا في رحى العمل، ونضع عقولنا ومشاعرنا وأعمارنا تحت مطرقته، ليسرق منا أجمل أيامنا، ولندرك بعد أن نكبر أنه كان يمكننا أن نقضي وقتًا أطول وأسعد وأمتع مع عائلاتنا وأصدقائنا.


«تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعبّر عن مشاعري بصراحة ووضوح»
فالكثيرون كتموا مشاعرهم لأسباب مثل تجنّب مصادمة الآخرين، أو التضحية لأجل أناس لا يستحقون


«تمنيت لو بقيت على اتصال مع أصدقائي القدامى أو تجديد صداقتي معهم»

فالأصدقاء القدامى يختلفون عن بقية الأصدقاء، كوننا نشعر معهم بالسعادة، ونسترجع معهم ذكريات الطفولة الجميلة، ولكننا للأسف نبتعد عنهم في مرحلة العمل وبناء العائلة حتى نفقدهم نهائيًا، أو نسمع بوفاتهم فجأة

 

فابحث عن ما يسعدك في غير معصية ربك، افعل ما يبهجك ولو كان بسيطًا، تجنب ما يحبطك ويحزنك، ابتعد عن أصدقائك السلبيين والمتشائمين، زر الأماكن التي تربيت فيها في صغرك، ابحث عن معلميك وتواصل معهم، اجلس مع نفسك وتذكر شريط طفولتك، ومر بذاكرتك على مواقف حياتك السعيدة وتوقف طويلًا عند كل موقف.

 

واعلم أن الرضا بالقدر من أكبر أبواب السعادة إن لم يكن أكبرها بالفعل، فكما قال ابن تيمية: «الرضا جنة الدنيا، ومستراح العابدين، وباب الله الأعظم».. فإن رضيت فلن يضرك فعل فاعل ولا قول قائل، ولن تحزن على فوات أمر أو استعجال آخر، فالرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، فمهما حدث حولك يظل قلبك ساكنًا مطمئنًا إن رضيت.

 

واعلم أنك لن تحيا إلا مرة واحدة، فاجعلها حياة هادئة هانئة، تغمرها السكينة، وتحوطها الطمأنينة، وليكن هدفك الأسمى فيها رضا ربك، فمناجاته والقرب منه عين السعادة.

 

وأخيرًا.. «فالأربعون» هو أحد محطات العمر، ربما يكون المحطة الوسطى بالنسبة لك، وربما يكون المحطة قبل الأخيرة، وربما يأتي محطة أخيرة تترك بعدها الدنيا لتلقى ربك وتنظر ماذا قدمت؟ فأحسن فيما بقي من عمرك يغفر لك ما مضى.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

مجتمع

المصادر

تحميل المزيد