«الرحمن علم القرآن».
هكذا نزل القرآن لتأصيل مبدأ الرحمة في الأكوان والعوالم وبين الكائنات باسمه تعالى.
القرآن الكريم الكتاب والمعجزة الخالدة، لكن إعجاز القرآن في أن يأتي البشر بمثله أو بسورة أو آية مثله، وهو إعجازُ نظم القرآن كما ذهب لذلك عبد القاهر الجرجاني رحمه الله وأغلب علماء البلاغة، فلم يأتي القرآن ليعجز العلم فالله تعالى يقول: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِيأَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» فصلت _ 53.
وأول ما أنزل الله تعالى (اقرأ) فالقرآن لا يعارض العلم ولم يأت ليعجزه، بل ليكون أساس العلم، والاكتشافات الكونية، والإنسانية.
القرآن الكريم الكتاب المبارك نور الله في الأرض ووحيه للإنسانية أعظم وأفضل ما يقرأه الإنسان ليتعلم منه الخير والهداية ويأخذ منه الحكمة وتجربة الأمم السابقة، إن الزبور، والتوراة، والإنجيل، وحيها الواحد كله في القرآن، حتى وإن تم تحريفها، فالقرآن حافظ لها محفوظ بحفظ الله له.
قال الحق تبارك وتعالى: «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ» آل عمران _ 3.
لهذا كان من أركان الإيمان: الإيمان بكتبه ورسله.
أهل القرآن أهل الله وخاصته، وإن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها تلاوة القرآن.
وفي القرآن علم الأولين والآخرين ويا سعد قلب كان وعاء للقرآن.
عجبًا لمن قرأ غير القرآن من كلام البشر فتدبره حرفًا حرفًا وهو معرض عن كتاب الله.
والقرآن كلام الله عزوجل (قديمٌ أزلي) وكلامه صفة قائمة بذاته تجلت في طي حروف وأصوات هي صفات البشر؛ إذ يعجز البشر عن فهم مراد الله عز وجل إلا بوسيلة.
كما هم عاجزون عن معرفة الله إلا بما عرف الله عن ذاته.
أخبر جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه قال: والله لقد تجلى الله عز وجل لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون.
وقال عثمان وحذيفة رضي الله عنهما: لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن. وإنما قالوا ذلك لأنها بالطهارة تترقى إلى مشاهدة المتكلم في الكلام.
فمن لم يره في كل شيء فقد رأى غيره، والمقصود هنا وحدة الشهود ليرى الإنسان عظمة المعبود في خلق الوجود.
وتعظيم الكلام من تعظيم المتكلم، كما أن أجساد البشر تكرم وتعز لمكان الروح فكذلك أصوات الكلام تُشرف للحكمة التي فيها، والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق والباطل، وهو القاضي العدل والشاهد المرتضى، يأمر وينهى، ولا طاقة للباطل أن يقوم قدام كلام الحكمة، كما لا يستطيع الظل أن يقوم قدام شعاع الشمس، ولكنهم ينالون من ضوء عين الشمس ما تحيا به أبصارهم، ويستدلون به على حوائجهم فقط، فالكلام كالملك المحجوب، الغائب وجهه، النافذ أمره، وكالشمس العزيزة الظاهرة مكنون عنصرها، وكالنجوم الزاهرة التي قد يهتدي بها من لا يقف على سيرها، فهو مفتاح الخزائن النفيسة، وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت، ودواء الأسقام الذي من سقي منه لم يسقم.
وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب. فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني وحظالقلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا» يعني الفهم في القرآن، ومن هنا أقول: أن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه، وفي فهم معاني القرآن مجالًا رحبًا ومتسعًا بالغًا، على من فتح الله عليه وكان (مؤهلًا) لذلك بفهم سليم ومنطق صحيح وعقل راجح.
يقول سيدي الناسك العابد حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه: من زعم أن لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مُخبر عن حد نفسه، وهو مُصيب في الأخبار عن نفسه. ولكنه مخطئ في الحكم برد الخلق كافة إلى درجته التي هي حده ومحطه.
فما معنى دعاء النبي لابن عباس: اللهم فقههُ في الدين وعلمه التأويل. إلا أن في معاني القرآن متسعًا لأرباب الفهم.
ذلك الكتاب العظيم لا تتركه على الرف لا تقرأه من رمضان إلى رمضان لا تكتفي بختمة واحدة وتقول أنك تتدبره لا تراوغ، كثرة القراءة تعينك على فهمه تعينك على الحفظ منه، ستجعلك تستحضره في كل حياتك، أمسح الغبار عنه، ذلك الكتاب ستجد فيه حياتك، ستجد فيه أخطاءك وزلاتك، ستجد فيه أنك قمت بعمل نبيل وحسن ورضي الله عنك يومها، خذ العبرة منه في من سبقك في الوقوع بالأخطاء، تعلم منهكيف ستكون نهايته وتجنب ذلك لا تتكرر ذلك الخطأ، خذ منه التعليمات والارشادات التي يرضاها الله ويرضى عنك بفعلها، ذلك الكتاب مصدر النور في الوجود، تفاعل مع القرآن كأنه نزل عليك، ستجد فيه كل ما يخصك أنت، اجعله مصدرًا للنور في حياتك.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست