يقول ربنا عزّ وجلّ في سورة النساء: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا».

وجاءت السنة ببيان شيء من هذا الخلق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».   رواه البخاري.

يقولون أن المرأة ضعيفة، وينصحون الرجال أن يكسروا لها ضلعًا (اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعين) لتستقيم، وكأن كل الرجال حالهم لا عوج فيه! وينسون أن اعوجاج الضلع صفة حالهِ وليس ذمًّا فيه، وكما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: «الفساد هو إخراج الشيء عن حد اعتداله لمهمته، وقد يكون اعتداله لمهمته أن يكون أعوجَ»، والضلع في الصدر اعتداله أن يكون أعوجَ ومنحنيًا ليحمي أغلى شيء في الإنسان وهما الرئة والقلب، وكما نرى تركيب مفاصل الجسد بما فيها من انحناء واعوجاج لكنها معتدلة لمهمتها، هندسة بديعة وروعة في الخلق لن نصفها أبدًا باعوجاج سيء، بل هي معجزة ورحمة من الله. إذن ليس هذا ذمًّا للمرأة كما يظن بعض سطحيي الفهم، بل هو اعتدال لمهمتها لتحنو على طفلها الصغير وتتحمله في بطنها وهنًا على وهنٍ لشهورٍ طويلةٍ، ثم تتجرع آلام ولادته وتتحملها بنفسٍ راضية، وتقوم بواجبها أمًّا وتنهض من نومها لترضعه، وتسهر إن مرض، وتكرر نفس التجربة مرّات ومرّات رغم قسوتها وألمها، سبحانك ربي.

كونها عاطفية – وهو العوج المقصود – رحمة من الله لأنها ستتعرض لوليدٍ لا يبين عن آلامه، غير مطلوب هنا أن تكون بعقل وحزم رجل شديد وإلا، من سيرحم الصغير ويحنو على الزوج ويصبر على قسوته أحيانًا ويغفر وينسى بعد كلمة حلوة!

اعوجاجها في عاطفتها يجعلها تتحمل صراخ صغيرها لساعات ثم تحمله وتمسح دموع عينيه وتقبله وتطعمه بينما لو اقترب من أبيه لصاح في وجهه، تلك العاطفة تجعلها في حالة وصل وجداني مع زوجها، فتتحمل شظف العيش معه وهو يجتهد بحثًا عن لقمة العيش فتظل في بيتها ساعاتٍ وأيامًا بلا خروج بعيدًا عن أي نوع من الترفيه، فدخوله عليها هو الجائزة الكبرى التي تنسيها كل ما مر بها طوال اليوم من همّ وغمّ، ولو ابتسم لها وأخبرها أن طعامها شهيٌ جدًا فستنام قريرة العين، والبعض يرى في قسوته وحدّته مع بناته أو مع زوجته تربية سليمة! ويجهل هؤلاء طبيعة المرأة التي فطرها الله عليها، ولو فهموها لاختلف الأمر واختلفت النصيحة.

إنّ المرأة إذا ضربها زوجها ستكرهه وتبغضه، وسيموت فيها ذاك الضعف الأُنثوي الحلو الذي كان يستمتع به وهي بين يديه، فضعف المرأة أمام زوجها له حلاوة تحبها المرأة عندما تشعر أنه يحميها ويحتويها، فيتولد لديها شعور بالانتماء إليه وكأنّها قطعة منه يحبها ويقدّرها. أما الضرب والعنف والقسوة فيقتلون تلك الرّقة التي يكتمل بها جمالها كأنثى، فتتغير طبيعتها، وتتحجر نظراتها، ويغلظ صوتها في الرد عليه لأنها تتألّم، وستخرج كلماتها من قلب صار كبئرٍعميقٍ مظلم، ستحترق، وستُحرق كل شيء معها.

بعض النساء تزن تلك الأمور بميزان الحكمة والروية وهدوء الخاطر، وبعد أن تتفهم طبيعة شخصية زوجها تتفادى إغضابه، وتتحرى في كل كلمة وتَصرف فتعيش في سلام وربما هي التي تقوّمه، وتكون سببًا في صلاح حاله. وهؤلاء لديهن قدرة كبيرة على التحمّل وامتصاص الغضب، ويتنازلن كثيرًا أمام زوج قاسي القلب، غليظ الطباع. هذه المرأة العظيمة لا تأخذ الأمور بعاطفتها، وكل هذا على حساب صحتها النفسية والبدنية. تلك تكون أرحب فهمًا، وأحنى قلبًا، وأبعد عن افتعال المناكفة، إذا أحبتك راعت نظرك ولم تخطئ ما تريد، وإن جفتك حفظت لك جانب الوصل البعيد بينك وبينها فكانت لينة المعشر، لكنها مظلومة! وقد لا تتحمل أخرياتٌ تعيش في حالة صراع نفسي دائم، وقد ينفجر البركان الذي يغلي داخل صدرها في أي لحظة!

لماذا تكسر الضلع وتؤلمها وأنت تعلم يقينًا أنها تحبك؟

أين الرحمة في قلبك؟

أين وعدك لها أنها ستكون أميرة فؤادك؟

إنّ الغضب له علاج، توضأ، إن كنت واقفًا فلتجلس، وإن كنت جالسًا فتمدد قليلًا حتى تهدأ، أو اترك البيت وسر قليلًا واستنشق بعض الهواء، ابتعد عن محيط شجارك مع زوجتك حتى تهدأ. أمّا أن تتحول غرفتكما إلى حلبة مصارعة ويتورّم وجهها من اللكمات، ويُكسر أنفها وتسيل الدماء، وتصفعها بقسوة، وتدفعها بعيدًا عنك ليصطدم ظهرها بجدار الغرفة؛ فأنت تنتقم منها وتكسر الضلع.

استهزاؤك بها أمام الجميع وتهكمك من كلامها ورأيها ولو كان بسيطًا أمام أهلك أو أقاربك كسرٌ للضلع.

نظرة الإرهاب إن طلبت شيئًا، كسرٌ للضلع.

ردك بغلظة على كلامها طوال النهار، كسرٌ للضلع.

تجاهلك لتلك اللفتات الحلوة الرقيقة التي تجتهد فيها لترضيك، كسرٌ للضلع.

إن ذكّرتك بذكرى طيبة مرّت بكما، فردُّ فعلك البارد عليها كسرٌ للضلع.

العنف كسر للضلع.

وحان وقت الهدنة، وتبدأ الهدنة بين كل منا وشريك حياته حينما يرتضيه ويقبله، ويقبل قدره ومصيره معه، يحبّه ويقدره ويرى فيه من المميزات ما يكفيه ليغفر الزلات، ويبني معه جسورًا يعبران بها على كلّ مشكلةٍ تمرّ، يمسك يدها وتمسك يده، ولا يتخليان عن بعضهما البعض أبدًا مهما تكررت الأزمات، ففي كلّ مرّة سيبنيان جسرًا جديدًا. وكلّما زاد عنف الرجل مع زوجته قلّت الجسور، وتغيّرت الزوجة وتخلّت عن ضعفها الأنثوي الحلو، وسيجدها تقف أمامه ندًا، وسيعلو الصوت، وستتبخر اللحظات الحلوة، لأن الضلع مكسور.

ويبقى الأمل، فلا دوام على حال أبدًا، ولله نفحات تهلّ علينا فنرى الزهر يبتسم، وغصن الريحان يهتز، والياسمين الحلو ينبض حولنا. لا تيأسوا أبدًا من تغير من قسا عليكم يومًا، فالحب معجزة الله التي رُزقنا بها، بالحبّ سيتغير زوجك، وبالحب سيحنو عليك، وبالحب ستهدأ زوجتك وتسكن إليك، وبالحب سيستقر العشّ وتعلو المودة والرحمة حتى تصبح كمظلة كبيرة تغطي عضّات الزمن، وضربات الأيام.

قليل من الصبر، وكثير من الحكمة، والصمت البليغ، لا بد للزوج أن يراعي رهافة حس زوجته، ويعترف أن اعوجاجها ليس إلا اعتدالًا لمهمتها التي كلّفها الله بها، وإلّا تسبب بفهمه الخاطئ لهذا الاعوجاج على أنّه نقص ومعاناة في الكثير من المشكلات الزوجية، فإذا فقه الزوج هذا عرف وحده كيف يصلح الكسر الذي تسبب فيه، لا تقوّم الضلع؛ فالاعوجاج بعاطفتها ورقّتها وضعفها الأنثوي، ما كان إلّا ليحميك أيّها الزوج الطيب وينحني عليك أنت وأبنائك، تمامًا كما ينحني الضلع في صدرك ليحفظ لك قلبك ويحتضنه ليتحمل عنك الضربات. ولتتركها كما هي ضلعٌ جميلٌ صفة حاله أنه أعوج، وليس هذا ذمًّا فيها بل هذا حالها، وعلّمها بنفسك أن تفخر باعوجاجها لأنه ليس منقصة ومذلّة.

إن عظم حق الرجل على زوجته الحبيبة لا يعني سلب حقها المماثل في حسن العشرة والمعاملة، أو منحه السلطة المطلقة عليها دون مراعاة لجانبها بمثل ما أمرت به تجاهه من حقوق وواجبات، وقد جمع ذلك في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، حتى قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسيرها: «إني لأتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي». وفسّر الإمام الطبري «الدرجة» في قوله تعالى بعدها: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} بمزيد من الأعباء المطلوبة من الرجل، فارحم زوجتك، وأحسن إليها، فذاك هو حبل الرحمة الذي تتصل به أمور الحياة بينكما.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

المرأة
عرض التعليقات
تحميل المزيد