لقد مرت 61 عامًا على إصدار الرواية الكلاسيكية الخالدة Psycho من تأليف الكاتب الأمريكي الكبير روبرت بلوخ والتي حولها فارس الرعب ألفريد هيتشكوك إلى نسخة حية بعد سنة من صدورها، ولإسعاد محبي الشاشة الكبيرة عامة وعشاق أعمال هيتشكوك على وجه الخصوص، فسأدعوك لتسافر معي للماضي لتتعرف على السر الذي جعل من هذا الفيلم عملا أسطوريا.
صديقي، قم بضبظ آلة الزمن في تاريخ 16 يونيو 1960.
في البداية، يجدر الانتباه إلى المايسترو هيتشكوك نفسه. مخرج قام بتصوير أكثر من مجرد أفلام إثارة. إن جميع أفلامه تقريبًا مشبعة بعلم النفس العميق والأساليب الفنية غير القياسية في مجال صناعة الأفلام، والتي جذبت انتباه العديد من المنتجين والممثلين المؤثرين في ذلك الوقت.
إن ألفريد هيتشكوك هو في المقام الأول نموذج يحتذى به لصُناع السينما المعاصرين كما بريان دي بالما، مارتن سكورسيزي، ديفيد لينش، ستيفن سبيلبرغ والمخرجين الآخرين. حيت إن العديد من الأفلام التي أنتجها هؤلاء المخرجون مستوحاة من أعمال سيد الرعب البريطاني، ولم يخفوها أبدًا.
القصص البوليسية وأفلام الإثارة وأفلام الرعب كلها أصناف كان لها تأثير كبير جاد عند ألفريد هيتشكوك. دعونا نتذكر إحدى أشهر اقتباساته: «بالنسبة لي، الطريقة الوحيدة للتخلص من مخاوفي هي صنع فيلم عنها». ربما، إذا لم يكن ماكرًا، فقد كانت صناعة الأفلام حقًا بالنسبة له نوعًا من العلاج؟ ربما كان خائفًا حقًا من أن تُطعن روحه يومًا ما من قبل مجنون يرتدي ملابس نسائية؟
حسنًا، لننتقل الآن إلى بداية إنتاج الشريط. اشترى ألفريد هيتشكوك بشكل مجهول حقوق تصوير الكتاب من مؤلفه مقابل تسعة آلاف دولار. والتي استندت حبكتة النفسية إلى القصة الحقيقية للمجنون الشهير Ed Gin، والتي وصف المؤلف العديد من عناصرها بدقة، خاصة العلاقة بين بطل الرواية ووالدته.
قرار المخرج هيتشكوك بتصوير فيلم Psycho في قالب أبيض وأسود بدا غريبًا من الخارج. بعد كل شيء، كان المخرج في ذلك الوقت يستطيع بسهولة التصوير بالألوان دون أي مشاكل، ربما كان القرار يرجع إلى رغبة المخرج في التوفير في الميزانية التي بلغت قرابة 807 ألف دولار.
أثناء التصوير وما بعد الإنتاج، لجأ هيتشكوك إلى حيل فنية مختلفة. فأكثر ما يميز أسلوبه في هذا الفيلم هي اللقطات القصيرة جدًا والقطات المقربة واللقطات المقربة الإضافية، مما جعل نقل خوف الضحية بشكل أفضل أثناء الهجوم.
اتضح أن الأمر لم يستغرق يومًا واحدًا، بل أسبوعًا كاملاً لإنشاء مشهد قتل يبدو بسيطًا، ولكنه مشهد شعبي كلاسيكي مشهور ينبض بالروح. تم إعادة إنشاء صوت سكين تمزق اللحم البشري عن طريق تقطيع البطيخ. والدم… فقد تم استخدام شراب الشوكولاتة. نعم، ليس عصير الطماطم، وليس الطلاء، ولكن شراب الشوكولاتة!
من أجمل ما في تصوير الأفلام بالأبيض والأسود أنه يمكنك حقا استخدام شراب الشوكولاتة البسيط بدلًا من الدم، ولن يخمن أحد من المشاهدين ذلك، إلا إذا أخبرت عنه على وجه التحديد. ويمكن اعتبار الكرز الموجود على الكعكة هو الصوت الثاقب للكمان، والذي تم دفعه بحدة.
بالمناسبة، كان للمشهد نفسه بطريقة غير متوقعة تأثير مهم على كامل فيلموغرافيا المخرج. بعد العرض الأول للعمل، لفت أطباء العيون انتباه هيتشكوك إلى الخطأ الذي ارتكبه – ضيق بؤبؤ عين المتوفى – في الواقع، فإن البؤبؤ يتوسع للشخص بعد موته. نصح الأطباء صناع الفيلم بتقطير محلول البلادونا في عيون «الضحايا في الأفلام» لتحقيق التأثير المطلوب. واتبع هيتشكوك هذه النصيحة دائمًا حتى وفاته.
لنتحدث الآن عن الموسيقى التصويرية التي كتبها برنارد هيرمان، والذي تعاون سابقًا مع هيتشكوك. كان المخرج على يقين من أن موهبة برنارد في التعامل مع الآلات الموسيقية هي التي يمكن أن تنقل بشكل أفضل الشعور بالقلق المستمر وتوقع شيء فظيع، فقد أعجب هيتشكوك بعمل الملحن لدرجة أنه أمر بمضاعفة أجره، ليصرح لاحقًا أن «33 بالمائة من التأثير الذي يتم تحقيقه عند مشاهدة فيلم تسببه الموسيقى» تعليق عادل تماما.
اشتهر ألفريد هيتشكوك بحقيقة أنه شارك تقليديا في لوحاته وكممثل، وهذا الفيلم ليس استثناء. يمكن رؤية المخرج وهو يرتدي قبعة رعاة البقر أمام مكتب ماريون في الدقيقة السابعة.
بعد إصدار الفيلم، لفت العديد من الخبراء والباحثين انتباه هيتشكوك إلى الرمزية الغريبة المرتبطة بالطيور. فالمشهد الافتتاحي، يظهر من منظور عين الطير. كانت الشخصية الرئيسية نورمان بيتس مغرما بالتحنيط، لكنه يحشو الطيور فقط بنشارة الخشب. تم تزيين تلك الطيور المحشوة حول مكتبه في الفندق، تاركة ماريون في حيرة من أمرها.
ما سبب الانحراف العقلي لنورمان؟ هذا صحيح، علاقته غير الصحية بأم مستبدة، كانت تحميه بشكل مفرط ومنعته من إقامة علاقات حميمة مع فتيات اعتبرتهن مدللات.
لذا فإنه يُعتقد أن الطيور ترمز إلى الأنا العليا المفترسة للأم في عالم هيتشكوك التي تسعى إلى امتلاك ابن.
هناك أيضًا تفاصيل تبدو غير ملحوظة ولكنها مهمة في الفيلم: عندما ترتدي ماريون صدرية بيضاء لأول مرة، وبعد سرقة المال، ترتدي حمالة صدر سوداء. تؤكد هذه التفاصيل على أنه وراء المظهر الشبيه بالملائكة، تخفي ماريون طبيعة مفترسة، أرادت أن تجعل حياتها العادية والمملة أفضل من خلال سرقة المال.
بهذا تنتهي رحلتنا يا صديقي، أعد ضبط آلة الزمن لتاريخ اليوم.. آمل أن تكون قد استمتعت برحلة إلى الماضي وتعلمت الكثير عن هذا العمل، بدون مبالغة، فهو تحفة كلاسيكية من الرعب.
إذا أتيحت لك الفرصة لمشاهدة فيلم Psycho في إحدى دور السينما في مدينتك، فتأكد من مشاهدته، لأنك إن رفضت، سوف يأتي نورمان إلى حمامك مرتديًا لباس المرأة وبيده سكين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست