«لو لم أكن أعرفُ الإسلام جيدًا، لكفرتُ بالإسلام الذي يُروّجُ له الآن».
مقولة رائعة لأحد الدعاة المشهورين، والتي تفتح بابًا للتفكير في أمر خطير له صلة بديننا، بل هو أصل ديننا. إنها عقيدتنا، عقيدتنا التي ينبع عنها طريقة تفكيرنا، والتي نعيش عليها، فالعقيدة أو الفِكر الذي نؤمن به هو أسلوب حياتنا.
فكيف تكون عقيدتنا؟ وكيف تكون طريقة تفكيرنا؟ عقلانية أم جمود؟ فطانة أم بلادة؟ إبداعٌ أم بقاء في مستنقع الخمول؟ وكيف ينظر الناس إلى عقيدتنا (أقصد غير المسلمين)؟
في العالم الإسلامي، وخاصة في الساحات العلمية، نجد فريقين كبيرين من المسلمين، كل منهما يحمل فِكْرًا ونظرة خاصة بالعقيدة الإسلامية. لكن من منهما الذي يحمل الحق المُطلق؟ ومن منهما يسير على منهاج السلف كما يزعم كلٌ منهما؟
«السلفيون» نسبة إلى السلف، وهم أبعد ما يكونون عن السلف إذا أردنا الحقيقة. أُخاطب أحدهم في أحد النقاشات التي لا فائدة ولا جدوى منها، فيقول لي إن الله «ليس كمثله شيء»، فأقول: صدق الله وصدقت وفتح الله عليك. لكن تأتي المصيبة فيما قاله بعد ذلك، وأتعجب من هذا التناقض الفظيع، ومن هذه العقلية الجامدة.
«إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم»، إن لله يد لكن ليست كيد البشر، له عين ليست كعين البشر، وله أذن ليست كأُذن البشر…إلخ. أي إله هذا؟
إنني عندما أتذكر كلامهم يأتي في ذهني (بوذا- كونفشيوس- يسوع) وهذه التماثيل التي صنعت لهم، نعم إنها ليست كالبشر فعلًا، لهم أيادٍ وأرجل وأعين، وحجمها كبير. مهزلة فكرية عقدية أوجدها بعض ممن ينتسبون لديننا، بعقل بدائي بحت، ثم ترى أحدهم بملء فمه يقول «ليس كمثله شيء»!
بل ويدّعي أن «السلف» قالوا هذا، والسلف براء من هذا، فإنهم قد نزّهوا الله تعالى، بدون تشبيه أو تجسيم.
«الرحمن على العرش استوى»، استوى وجلس على العرش كما قال في قرآنه، وهو في السماء فوق السماء السابعة مستوي جالس على العرش. أظن أن من قال هذا يتحدث عن قصة خيالية من قصص بني إسرائيل التي ذُكرت في كتابهم المقدس، ولا يتحدث عن إلهٍ وصف نفسه بأنه «ليس كمثله شيء».
أشعرُ وكأن هؤلاء يعبدون إلهًا خاصًا بهم «تعالى الله عما يقولون أو يصفون» وكأنهم اتخذوه لأنفسهم فقط، بحيث أنه إله للمسلمين فقط، فإذا أصدروا أحكامهم، كانت أحكامًا معادية للكون كله، والإسلام جاء للتفاهم مع هذا الكون.
لقد قرأتُ كتابًا لأحد العلماء عن فلسفة الأديان في العقيدة، فتكلم عن عدد من الأديان، فلما حان دور الإسلام، كان أول حكم أطلقه على الإسلام بأنه دين تشبيه.
فما كان من مُترجم الكتاب إلا أن وضّح وبيّن أن عقيدة المسلمين هي تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوقين، وأن عقيدة المسلمين هي تأويل الصفات التي فيها تشابه بين الخالق والمخلوق، وقد قال جملة أعجبتني جدًا: «إن الصحابة فهموا القرآن بمعاني التنزيه والتعظيم للحق تبارك وتعالى، ولم يفهموه كما فهمه بعض الناس».
وبعد هذا الطرح البسيط للقضية لا يتبقى إلا أن أقول بكل حرص، إن الأمر ليس في تبنّي نظرة خاصة بالعقيدة، لكن الأمر هو: هل تتسع صدورنا لوجهتي النظر؟ هل يقبل كل من الطرفين رأي الآخر؟ أم يظل الصراع والجدال الذي لا يُجدي ولا ينفع هو المُسيطر على المشهد؟
إن عقيدة المسلمين وفِكرهم هي صورة الإسلام كله، فلنظهر إسلامنا كما أراد الله ورسوله، ليس كما فَهِم البعض ممن أساءوا للدين بفكرهم، بجهلهم بلغة القرآن وأبعادها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
أفكار