بداية القول بسم الله. «ثورة يناير». «الإخوان المسلمون». «المجلس العسكري». «محمد البرادعي». «6 أبريل». «الإشتراكيون الثوريون». «محمد مرسي». «الانقلاب العسكري». «مجزرة رابعة». «المصالحة». «الثورة مستمرة».
تلك المصطلحات لها علاقة بحقيقة مريرة تعيشها مصر الآن! حكم العسكر يدمر مصر حرفيًا، والخراب يعم كافة ما كانت تُسمى يومًا ما «المحروسة».
عندما يأخذك الحنين لتسير في شوارع مصر الآن؛ لن تصدق المقولة الشهيرة: «من بنى مصر كان في الأصل حلواني»، بل سترى مقولة أخرى: «من بنى مصر كان في الأصل عشماوي».
رائحة الموت في كل مكان، والخوف يسيطر على حوائط المنازل. مصر أصبحت أشبه بـ«مدينة الموتى»، حتى من هم على قيد الحياة؛ يشعرون بالموت. مصر في أحوج حالتها لثورة حقيقية، أو بمعنى أدق لاستكمال الثورة كما ينبغي أن تكون. مصر في حاجة إلى مصالحة، لكن ليست مع النظام، ولكن مع الثوار.
هناك العديد من الشخصيات العامة قدموا مبادرات للمصالحة، وهناك العديد منهم هاجموا وعطلوا وأفشلوا أي أمل للمصالحة. بالتأكيد المصالحة في صالح مصر، وتعطيل توحيد الثوار في صالح العسكر. المشكلة الرئيسة هي الانقسام؛ إذ يرى جزء كبير من الثوار أن عودة مرسي أمر غير قابل للنقاش، وأغلب هؤلاء «إخوان مسلمون» ومن والاهم، وهناك جناح آخر من الثوار يرى ضرورة إزاحة العسكر مع عدم عودة مرسي، لكن هناك أيضًا فئة أرهقت من تلك الصراعات، ولم تعد قادرة على اتخاذ أي قرارات.
هنا نواجه مشكلة أن كل فئة من هؤلاء تنظر لنفسها وكأنها محرك الثورة. الإخوان ومن حولهم يرون أنفسهم أنهم الأولى بالثورة، وأنهم على حق، ومعهم شرعية، ولديهم قاعدة شعبية لا يستهان بها. الجناح الأخر يرى أن لهم تأثير خارجي هام جدًا، وتأثير داخلي لا يستهان به، وأنهم أول من دعوا للثورة. وفئة المرهقين يروا أنفسهم الغالبية. صراحةً لا يهم من أهم من الآخر، لا يهم من له دور أكبر من الآخر. يجب أن يعلم الجميع أن كلًا له دور مختلف، وأننا لسنا في تنافس وسباق ومباراة، لكن يجب أن نعمل سويًا كفريق؛ لأننا نكمل بعضنا الآخر.
إذن أين هم الشباب؟ أين وقود الثورة؟ أو أستطيع أن أقول بشكل أكثر تحديدًا: أين وقود الأمة؟ أغلب الشباب ضد العسكر، لكن انقسامهم نابع من انقسام ما يُسمى بـ«النخبة». الاختلاف بين تلك النخبة حول «عودة مرسي»، «عودة قنديل»، «عودة البرلمان ومجلس الشورى»، و«عودة الدستور». تلك الاختلافات صرفت نظر الشباب عن نقاط الاتفاق التي يجب أن نركز عليها ونبني جسور بناء عليها، وهي إسقاط حكم العسكر، إنشاء محاكم ثورة، إلغاء كافة الاتفاقات التي عقدتها سلطة الانقلاب، محاكمة العسكر على جرائمهم منذ ثورة يناير، تحقيق مطالب ثورة يناير: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وبناء دولة مصرية حديثة تتسع للجميع، وتستوعب الكل، دون النظر لأي معطيات أخرى، إذا ركزنا على تلك النقاط سنتوحد وسوف يسقط الانقلاب. هناك بعض الشخصيات لا يريدون للشباب أن يجتمعوا مرة أخرى، سواء من العسكر، أو حتى بعض شيوخ المعارضة والنخبة. فكرة عودة مرسي يمكن أن تُحل بشكل يُرضي جميع الأطراف الثورية، وتلك هي المعادلة المقبولة، وليست الصعبة.
كيف يلتقي الشباب؟ الشباب في مصر، إما شهيد، أو مصاب، أو معتقل، أو مطارد، أو مازال ثائرًا، أو فقد الأمل. الثائر وفاقد الأمل هم من يستطيعون توحيد الجميع مرة أخرى، حتى وإن كان بينهم الكثيرون من فاقدي الأمل. نعم يمكن للأمل أن يدب في اوصالهم مرة أخرى، ويوحدوا الجميع من أجل إسقاط تلك الغمة المسماة بحكم العسكر.
وداعًا للمدرسة القديمة. عندما قامت الثورة نجحت بواسطة الشباب، ووصلت لما نحن فيه الآن بسبب المدرسة القديمة والتفكير المحدود لحل خلافاتهم. يستطيع الشباب التجمع مرة أخرى دون الحاجة لرمز تخطى الستين ربيعًا، ودون الحاجة إلى منبر أو قناة تلفزيونية أو مقر حزب. يكفي صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. إذا تخلى الشباب عن خلافاتهم؛ فسوف يجبرون الجميع على احترامهم، وتنفيذ رغباتهم أيًا كانت تلك الرغبات، لكن يجب أن يرتكز هذا اللقاء على ركيزتين.
أولًا: المساواة، حيث ننحي انتماءاتنا جانبًا. لا مكان لأية أيديولوجية. يجب أن نركز على مصلحة مصر من خلال استيعاب الجميع، وليس من خلال وجهات نظر ضيقة. يجب أن ننسى فكرة هوية الدولة الآن. يجب أن نبني الدولة أولًا، ثم يختار أبناؤها الهوية المناسبة لهم. يجب أن ينسى الليبرالي «تويتات» البرادعي، وينسى الإخوانجي تعليمات المسئول. يجب أن يستمع هؤلاء وغيرهم لصوت الشباب، وليس العكس. ثانيًا يجب أن تنتهي نغمة «الإخوان باعونا في محمد محمود» و«6 أبريل باعونا في رابعة» كفى هراءً، يجب أن ينتهي داء التخوين الذي أصاب الجميع. ما حدث قد حدث، وإن لم نتعلم منه، ونتخطاه؛ فسنأخذ هذا الوطن إلى الهاوية، ولن يسنى لنا التاريخ تلك الجريمة.
كلمة أخيرة للشباب وأنا منكم. الوضع الحالي لم يعد يحتمل خلافات. إما أن نتفق ونُجبر الجميع على الإنصات لنا ونتقبل بعضنا الآخر ونتعايش سويًا على أسس الحب والوفاق والسلام وتقبل الآخر؛ كي نصنع مستقبلًا مشرقًا لآبنائنا، أو ندفن ذلك البلد، وننهي مهمة العسكر في حرق رفات تلك الأمة. انسوا خلافات الماضي تغاضوا عن أخطائكم. اجبروا الجميع على سماع صوتكم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الشباب