من السهل على الإنسان أن وُضِع تحت ضغوط الحياة أن يفكر في مخرج أو أن يبتكر له حلًّا يُخفف عليه محنته وخاصة إن كانت اقتصادية أو اجتماعية ويمكن أيضًا في مجتمع مثل مجتمعنا المصري أن ترى من هم معه يحاولون شراكته والتعاون معه في دفعه لإيجاد حلول ربما تعود على الجميع بالنفع.
وإذا أردنا الرجوع قليلًا إلى الوراء قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان ترى أن المجتمع المصري بفطنته وطيبته وعطفه وإحساسه بالمسؤولية غير المباشرة وغير المفروضة عليه أن يُعين صديقًا له أو جارًا أو قريبًا ربما بوجودية سماحة الدين الإسلامي وتغلغله بداخل عمق طبيعة الفرد في مصر بصرف النظر هو مسيحي أو مسلم.
ولكنها فطرة تملكت من الجميع وفُرضت بيقين بداخل المجتمع المصري.. وأصبح المجتمع يعول بعضه البعض بشتى الصور الاقتصادية، وإن كانت كلمة اقتصاد اليوم تحمل من القوة والردع والسوء أحيانا ما لا تستطيع تحمله الدول المتقدمة عندما تنتهي باقتصاد يتملكه جميع أنواع أمراض العصر المزمنة من هبوط بورصة ومواجهة نقص في الطاقه وصراع أمني وسياسي وعسكري.
وهكذا حال كلمة اقتصاد اليوم، التي كانت في أفضل حالاتها وقناعتها ويسرها في التداول وانتعاشها المتواضع بين جوانح مجتمع يتعانق أفراده بهمومهم ويتعاونون بالوقوف على حلهم والتخلص من أزماتهم المالية بسلاسة وبدون الدفع بمجهودات كبيرة أو إحساس بضغوط أو اندفاع إلى يأس.
فترى المبادرات التي يقوم بها الأفراد والأسر نحو بعضهم البعض في إعالة جيران لهم أو أقرباء أو أصدقاء كانوا يجمعون ما يستطيعون من المال والدفع به إلى من يحتاج أو من هو مقبل على زواج أو من فقدت زوجها وترملت أو من لحق به مرض أو أشياء وأمثلة كثيرة تجعل الفرد أو الأسرة في المجتمع المصري يواجه محنة اقتصادية شديدة.
فتجد أيادٍ ممتدة لا تتركها لليأس أو مواجهة الأزمة بمفردها بل الجميع يواجهون ويخرجون معًا إلى براح الحلول بعمل الجمعيات تارة، والتعاون على الرعاية والإعالة المنتظمة تارة أخرى، هذا غير تبادل الوجبات الغذائية اليومية التي كانت تنتقل من بيت إلى آخر على سبيل الحب والتودد والعشرة الطيبة حتى وربما كانت أكثر انتشارًا في المواسم والأعياد ولا تفرق هنا بين مسيحي و مسلم بل كانت حياة مواطنين يحملون بين جوانحهم الكثير من الطيبة والحب والرحمة لبعضهم البعض والتي اختفت من عشرات السنين.. متأثرة بجراح اقتصاد غول تابع لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية، ولكنه يعرف كيف يدهس بداخل قلوب هؤلاء إحساسهم ببعضهم البعض كما كانوا في السابق.. فأصبح كل فرد بل كل أسرة صريعة مشاكل اقتصادية تصل بها سريعًا إلى اليأس وربما إلى الانتحار أو العداء للمجتمع المتمثل في أفراده وخشونة تعاملهم بعضهم ببعض بعد أن تفشى الحقد والاستبداد والحسد والتباين الطبقي الشديد وأصبح لا مكانة لميزان ولا عدل وأصبح الكل يتصارعون على التقاط لقمة العيش من فم جاره أو أخيه أو قريب له أو صديق.
أكتب هذا الكلام ليس استعراضًا لجمال ما سبق أو انتقادًا لقباحة ما نحن فيه الآن.. بل هو فتح باب إيجاد حلول أو البحث عن إيجاد حلول ليس لاسترجاع ماسبق من تعاون كان في زمانه يواجه اقتصادًا ربما محدود المواجهات والمشاكل.. بل نحاول بناء حركة تعاونية بداخل أنفسنا تجاه بعضنا البعض ودروع تحصننا جميعًا كمواطنين ومجتمع يستطيع التصدي بمواجهة حازمة لهذا الغول التابع الذي تمكنت منه الأنظمة الحاكمة في شكلها المؤسسي الذي أصبحت العلاقة الحميمة الوحيدة بينها وبين مجموعة من رجال الأعمال والمحتكرين للإنتاج والتصنيع والتوريد والتصدير واحتكار لقمة عيش المواطن المصري وسلبته امتلاك حق التصنيع والإنتاج حتى فيما يمتلكه من إبداع في شكل الحرف اليدوية التي قضوا عليها وانقرضت وافتقر أصحابها بسبب سياسة احتكار مستوردين لكل أنواع وأعمال هذه الحرف من الخارج.. وقتل إبداع أصحابها حتى تراجعت بل اختفت من الوجود والتي كانت تُميز المجتمع المصري بثقافاته وعاداته المتميزة في الشرق الأوسط وإفريقيا.. أحكم هؤلاء الحلقة والسيطرة الجيدة والممنهجة على الأسواق وحصار أفراد المجتمع المصري المنتجين من مزارعين وصناع على كل مستوى الصناعة في كل المجالات: التصنيع الخشبي أو الأجهزة البسيطة أو حلج القطن والكتان وصناعة الملابس.. غير أن الحكومة امتلكت في يدها بوصلة الزراعة فتأمر الفلاح تارة بزراعة هذا وترك ذاك حسب ما تتفق عليه مع الشركاء المحتكرين للقمة عيش المواطن.. حتى تربية المواشي والدواجن التي أصبح من السهل التخلص منها بانتشار سريع لبعض الأمراض التي تكفي منها حقن حيوان واحد وتركه بين الآخرين حتى تقضي تمامًا على إنتاجية لا بأس بها.. بل كانت على أول طريق التحرر من ارتفاع الأسعار.
ويستطيع أفراد المجتمع الحصول على اللحوم بشكل يومي وبسعر مناسب ولكن ما زالت الأنظمة الاحتكارية في شكل أصحاب المصالح الذين يرون في استيراد اللحوم والدواجن حياة واستمرارية لهم لن يتركوا المجتمع المصري يعيش كما يعيشون.. بل الحياة والرفاهية أصبحت لهم، والمعاناة ومواجهة الفقر والمرض والنقص الغذائي أصبح فرض عين على مجتمعنا المصري تحت حزمة من قوانين تسنها الحكومات كل يوم لصالح هؤلاء المحتكرين وعلى جثث المواطنين، وستظل العلاقة حميمة تنميها التعاقدات وتحافظ عليها وتحميها القوانين في ظل نظام ظالم لا يعرف معنى للعدل ولا ضمير يحكمه.. بل تحكمه عزوته التي اتخذها من دوائر هؤلاء الذين يسمون أنفسهم رجال أعمال وأصحاب مصانع ومنتجين حتى يستمروا في ضخ الأموال للدعاية الدائمة ولحمايه واستمرار هذا النظام على حساب حياة ومصالح الشعب المصري بأكمله.
لا سبيل لنا حتى نعيش حياة كريمة مستقله اقتصاديًّا أن نخرج من دائرة هؤلاء ومن تحت قبضة الحكومات لننتقل تحت مظلة ورعاية مدنية حرة، وبالقيام بحركات اقتصادية تحررية يتفق عليها أفراد المجتمع العاملين والمزارعين والصناع والحرفيين وكل في مجاله وتحت مظلته بدفع إنتاجه الحر إلى الأسواق وفرض أسواق تعاونيه جديده الفكر والابتكار وضاءة وعفيفة الغرض منها أن تجذب كل أفراد المجتمع من كل الطبقات تجمع ولا تُفرق.. ونحاول بهذا تحريك بوصلة الثورة المصرية التي كانت تنادي بالعيش والحرية وكرامة إنسانية ليد كل أفراد المجتمع بثورة اقتصادية جاء وقتها حتى تحقق لنا مطالبنا التي ما زلنا ننادي بها.
فلا عيش باحتكار، ولا كرامة بدون امتلاك حق الإنتاج، ولا إنسانية بعبودية العمال والصناع تحت إمرة رجال الأعمال وأصحاب المصانع، ولا حرية من غير تحقيق كل هذا، فلنستبق الآن ونصطف ليس بالتظاهر سنتركه لمن هم أولى به من شبابنا في الجامعات وخارجها حتى ينالوا حقوقهم في التمكين من صناعه القرار في بلادهم والمساواة والحرية والديمقراطية التي يبغونها لهم ولجيل كامل قادم يرفض كل أنواع القهر والاستبداد وتحديد ملامح لمستقبل أفضل وغير تابع ومشارك وفعال حر كريم.
التفكير نحو صحوة جماعية وتحرير اقتصادي يفرض على الجميع الاتحاد والعمل معًا واسترجاع كل ماهو جميل بداخلنا كما كان من قبل، حتى يخرج العبيد من تحت إمرة المحتكر القانوني التي ولى أمره النظام علينا.
علينا الآن بالمبادرات والالتحاق بها والعمل بأسرع وقت عليها والتحرر من القيود وتحرير لقمة العيش واقتصاد الفقراء.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست