هل هي نعمة أم نقمة الاتفاقيات التي نشأت في الأوطان الغنية؟ إن مخزون الثروات الإستراتيجية كالنفط احتضنته أرض الإسلام من إيران حتى المغرب العربي، وإن المواقع الإستراتيجية بنظر الغرب لمواجهة المد الشيوعي لا تجد لها بديلًا عن الباكستان وأفغانستان والخليج العربي وباب المندب وقناة السويس ومعبر المتوسط إلى الأطلسي.
ولأن الاستعمار يمتد بشكل دقيق ومدروس، ووفق مصالح وأطماع مخططة لنهب الثروات والكنوز، فوق وتحت تراب البلاد الممتدة التي ذكرناها, وللوقوف أمام شر الاستعمار الذي يتلكأ فوق سطح الأرض, فإن القوميات والأقليات يتحتم على أبنائها الالتفاف حول قومياتهم لمواجهة هذا الشر، أو يبتلعهم واقع التجزئة والتفتت كما نعيشهُ الآن كواقع حال، فيصدق فينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل أنتم يومئذِ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.
فلماذا ننكر الطمع الذي غرسوه فينا واشتروا به ضميرنا، وأصبحنا عملاء وأعوانًا لهم من دون أن نعلم, وأصبح التأريخ لا يعترف بنا بل ويخجل من إنجازاتنا المشينة بالمقارنة مع إنجازات أسلافنا المشرفة، ففي عالمنا ما زالت قيم الطمَع والجَشع والكراهية أقوى من قيم التسامح والروح القومية والضمير الإنساني (الإسلامي) المشرف، والغني عن التعريف والوصف بالتحديد.
في القرون الماضية، كان الاستعمار بنظرنا واضحًا، ومعلومًا لنا من نحارب ومن نقاطع, أما الآن في كل شبرٍ من بلادنا يغشاها الضباب الذي أعمى الضمير قبل العين من الرؤية، فلا نفرق العدو من الصديق، فربما نصافح في الضباب المصطنع من قِبل الاتفاقيات العدوَ ونحسبه الصديق، ونصافح الصديق ونحسبه العدو, ففي الماضي لم يبق وسيلة لم تستخدم ضدنا، منها الانتدابات، وحماية الشركات، والمشاركة في بيع وشراء الأسلحة، وشراء الأراضي لكي تطالب بإرسال قواتها بحجة حماية أراضيها من الأوضاع الراهنة في المنطقة.
كما عرف العالم قديمًا أشكالًا متعددة من الأحلاف.. إلا أنها كانت تحت غطاء المصالحة وحماية القوميات المظلومة. والأمر المخفي من تلك التحالفات أنها تهدف للوصول لمصالح المنتمين لها فقط, وتنتهي المسرحية بستارة اعتذار أنهم فشلوا في الوصول للهدف الذي خدع به الشعوب. ومن هذه التحالفات الاتحاد السوفيتي (حلف وارسو)، وحلف الأطلسي (الناتو) الذي بالطبع تتزعمه أمريكا, ولا يزال هذا الحلف يقوم بأدوار مختلفة تحت مسميات مختلفة على الساحة العالمية، وبالأخص الساحة العربية والإسلامية، والتي تحدد معظمها على الرؤية والمصلحة الأمريكية.
أما شكل العهد الجديد للاستعمار على الأجيال، هو استعمار العقول الشبابية لدينا، لأنها تُيقن أنها من أخطر العقول إذا ما قررت النهوض والتحرر, ووجب ذكر السيطرة الإلكترونية والبرمجية من المواقع والوسائل التي تجعل من الجيل النشيط شبه نائم، وإلهائهِ بمواقع التواصل والأشكال المتنوعة المثيرة للنفس الفضولية للإنسان للإدمان عليها. كذلك تأثير السلطة الرابعة الموجودة في كل بيت، والتي تنقل بعض القنوات المتعاونة كل ما هو محبط للنفس البشرية وتجعله مخذول الهمة، وأنه لا فرص للنهوض وصنع الحرية المنشودة والمطالبة بالحقوق الطبيعية كما يتمتع بها الغرب، وإقناعنا أننا أمة ميؤوس منها، وصعب الوصول إلى ما وصلت إليه بلاد الغرب. ونسينا أنهم وصلوا لهذا التطور بفضل إنجازات أسلافنا وحضاراتنا, فقد أخذوها منا وأثمروها، ونحن اكتفينا بالنظر فقط دون الاستمرار في رسالتنا نحو الأفضل.
كل هذه الأمور أنستنا من نحن ومن كنا، وانحرفنا عن الطريق الذي طالما حارب أسلافنا لصنعهِ من أجلنا، والمشي في خطاهم والحفاظ على المبادئ التي هم بأنفسهم أنشؤوها وغرسوها في أنفسهم. فقليل الآن من يستطيع أن يفتخر بإنجاز بطولي أو قيام بثورة معينة قواعدها صحيحة، فأغلبها الآن ثورات تحت مسميات مختلفة، يقودها زعماء أخفياء لهم أهدافهم الخاصة والشخصية أحيانًا، وثوار يضحون بأنفسهم دون العلم بأهداف روح الثورة الحقيقية وضمان نجاحها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست