أما قبل

يدَّعي والدي ووالدتي أن أخي الصغير ذا الـ 17 عامًا ما زال طفلًا صغيرًا، مما يعطي له الحق في تبرير أي تصرف تحت غطاء صِغَر السن!حقًّا يا أبي؟ أأخي الشاب ما زال صغيرًا؟
فهل كان “محمد الفاتح” – ذو الـ 20 عامًا إلا قليلًا – صغيرًا حينما أصبح قائدًا وفاتحًا وحاكمًا بالقوة والعدل؟!
وماذا لو اعتبرته الدولة العثمانية طفلًا صغيرًا حينها؟!
وماذا عن أسامة بن زيد بن حارثة الذي ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة جيش المسلمين وهو في الـ 18 من عمره؟!
ألم يكن صغيرًا أيضًا؟!

 

أما بعد

فترة المراهقة من الفترات العصيبة للأسرة وللابن؛ حيث التغير الهرموني والبلوغ من الناحية الفيسيولوجية.. والتمرد والتغير المزاجي من الناحية الاجتماعية، يتحول الفتى من السن الطفولي والتحكم الأسري إلى السن الذي يقول فيه بأعلى صوته “ها أنا ذاك”, لي صوت, لي كلمة، أتمرد على كل ما هو مفروض!

تتسع الدائرة على الوالدين، تفقد الأم سيطرتها شبه الكاملة على الابن، أما الأب فيلجأ للطرق التقليدية حيث الضرب والتوبيخ الذي يفقد قيمته في هذه السن، أما عن الأخوة فما يلبثون أن يكونوا في صفوف المتفرجين، مع بعض التشجيع لتوبيخ الأب، وقد نسوا ما مروا به في مراهقتهم والتي لا تبتعد كثيرًا عن زمانه..

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه, لماذا يقف الأخ والأخت في صفوف المتفرجين على الرغم من تقارب الأجيال بينه وبين أخيه، عكس الفجوة الزمنية بين الابن المراهق وأبيه؟!

حسنًا.. أقتنع تمام الاقتناع أن نجاح العلاقات الاجتماعية يكون نتاجًا لذكاء أحد الأطراف، والأمر يستحق أن نستخرج كل طاقة الذكاء الاجتماعي المتراكم بالداخل مع ذاك المراهق التمرد.
دعونا نذهب برحلة كلامية مع المشاغب لنرى إلى أين سنصل؟!

 

رحلة في حياة المراهق

  • في بداية المراهقة يشعر الفتى بشاربيه على وجهه.. تبدأ علامات الرجولة تظهر، ويبدأ صوته الخَشن في الارتفاع ليقول بعلو صوته “أنا هنا.. أنا رجل”،  مهما نكبر نظل في أعين الأب والأم صغارًا دائمًا، فلا تخطئ أنت الآخر وتتعامل معه من منطلق أنه طفل ويصغرك بعدة أعوام، بل عامله دائمًا  كالرجل الصغير..
  • تجنب مرحلة ارتفاع الصوت والمشادة الكلامية، لا تتعجب إن رد عليك بشيء من الوقاحة والجرأة، لا بأس.. كان عليك أن تدرك منذ البداية أنه لن يترك لك مجالًا لتوبيخه باعتبار أنه ما زال صغيرًا.. استوعب غضبه وثورته بمزيد من الحكمة والهدوء الذي ستظهره له على مضض.
  • الثقة هي المعركة التي ينبغي أن تنتصر فيها.. اكسب هذه المعركة كيفما استطعت وبأي طريقة ممكنة “ذوقًا أو عافية”، يمكنك أن تخوض معركة الثقة بهدية بسيطة جدا يكون في حاجة إليها, وتذكر أن الهدايا تلين القلوب, واستمر بتقديم الهدايا بحب..
  • لا مانع ببعض المدح بحكمته ورزانة عقله, وأضف عليهم عيبًا من عيوبه تود أن يتخلص منه.. على سبيل المثال “ميزك الله ببعض الحكمة والعقل ولكن ربما ينقصك كذا…”، ستراه جاهدًا فيما بعد يحاول تعويض ما ينقصه أو يحاول إصلاحه، والأمر لن يمر مرور الكرام.
  • كن خير قدوة له.
  • الأمر والنهي شيء مكروه لكل الشخصيات في كل الأعمار، وبالأخص هذا السن المراهق. لا تكثر الأوامر والنواهي، حاول ألا تُكثر من طلباتك المزعجة حتى لو كانت بسيطة في نظرك، وإذا استدعى الأمر، فجرب أن تُرفق مع كلماتك “لو سمحت.. من فضلك..” وبعضًا من التهذيب..
  • لا تكن متسلطًا على حياته، أعط له مساحة من الحرية ولكن مع بعض الرقابة.
  • إذا لم تستطع منعه من أمر ما بالحكمة، دعه يجرب، فالتجربة هي الشيء الفاصل في هذا الأمر، وبعد التجربة جاء دورك الآن فاستعد.

“ضع له السُم في السُم المعسول”.

في الإجازة السابقة أخبرت أخي المراهق أن “محمدًا الفاتح” كان قائدًا عظيمًا وهو في مثل سنك، ولما كَبُرَ قليلًا عن هذه السن فتح القسطنطينية، أخبرني أين أنت من كل هذا؟!

بعد عدة أيام وجدت أخي قد استعار كتابًا من أحد أساتذته عن محمد الفاتح ليقرأه، ربما لم ينته من قراءة الكتاب، لكنه على الأقل قد تجاوزني في قراءته، تيقنت حينها أن الكلام الإيجابي سيؤثر ولو بعد حين..

 

وأخيرًا

أما عن هذا المقال فهو رسالة إلى الأخ الأكبر والأخت الكبرى، الوقوف في صفوف المتفرجين لمشاهدة مسرحية “الأب والأم والمراهق” ليس حلًا، دورك أكبر من مجرد المشاهدة، في هذه السن إما أن يكون الرجل الصغير شيئًا عظيمًا أو شيئًا زائدًا عن المجتمع مكروهًا، إما أن يمشي وبيده السيجارة في يمينه ويتحرش بفتاة على يساره، وإما أن يُصبح لَبِنَة وفقرة في العمود الفقري للأمة.

دورنا أعظم من المشاهدة، فلماذا لا نشارك في تحويل الصورة والتربية ليتحول المراهق من ظل لأفلام السبكي إلى ظل لوجود محمد الفاتح، ومصعب بن عمير، وأسامة بن زيد؟! ولماذا لا نساهم في تغيير الصورة قبل أن يتم التقاطها، وتحسين الصورة سيكون جزءًا من تحسين المجتمع الذي أصبح في القاع.

دعونا نحلم بذلك ونتجاوز مرحلة الحلم إلى مرحلة الفعل، فنحن جزء مهم من التغيير.
أي تغيير؟ تغيير الصورة قبل أن يتم التقاطها..

أما عن هذا المقال وكلماته ونصائحه، فهي من وحي التجربة، حيث أنه “في بيتنا مراهق”..

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد