رحلة البحث عن الذات أصعب من رحلة البحث عن المياه على كوكب آخر، ويزيد الأمر صعوبة عندما تكون أنثى هي من تبحث عن ذاتها، ويزداد الأمر سوءا إذا كانت هذه الأنثى في مجتمع عربي لا يعترف بالمرأة المستقلة، نظرته للمرأة دائما على أنها تابعة، تابعة لوالدها أو لزوجها أو لأولادها، لكنه لا يعترف باستقلاليتها.
إذا قمتِ بهذه الرحلة عليكِ أن تدركي أنك ستمرين بالوحدة والألم أحيانا كثيرة، وستعيشين في صراع مع نفسك، وصراع مع المجتمع أحيانا أخرى، إذا أخذتِ هذه الخطوة لا سبيل للتراجع عليكِ أن تكملي للنهاية، مهما وجه إليك اللوم والعتاب، لا تستمعي سوى لنفسك حتى تصلي للنهاية التي ترضيكِ دون أية ضغوط من الأخرين، نحن نعيش حياة واحدة من حق كل شخص أن يعيش بطريقته الخاصة وليس ما يفرضه الآخرون عليه.
إليزابيث جيلبرت قامت برحلة للبحث عن ذاتها، هي لم تكن امرأة تبحث عن كل شيء في كتابها “طعام، صلاة، حب”، كانت تملك كل شيء: زوجًا محبًا وبيتًا مستقرًا وأهلًا وأصدقاء ووظيفة، لكنها كانت فاقدة لذاتها، مثير للرثاء إن لا تجد نفسك فيما تفعله ولا فيما تشعر به ولا مع من تتعايش معه، مؤلم جدا أن تعيش مع من تشعر أنه لا يكملك بل يملأ أيامك فقط.
عاشت فترة في صراع بين أن تخسر حياتها الاجتماعية المستقرة وبين أن تربح نفسها، في النهاية قررت أن تتوقف لتتخذ موقفًا من حياتها، أول قرار اتخذته هو الانفصال عن زوجها، كانت نتيجته رحلة من المأساة من أجل الطلاق استمرت عامين، لكنها خلال العامين لم تتراجع عن قرارها ولم تندم أيضا، وعندما تجد نفسها في دوامة من الإحباط تتخذ من نفسها صديقة وتخبر نفسها “أنا أحبك لن أتخلى عنك أبدا، بل سأعتني بك”.
وبعد أن انتهت من طلاقها قررت أن تترك كل ما مضى وتبدأ في رحلة لمدة عام لتكتشف ذاتها، سخر أصدقاؤها منها ولم يشجعها أحد، لكنها مع ذالك استمرت، كانت تدعم نفسها عندما لا تجد من يدعمها، قسمت رحلتها إلى ثلاث محطات.
إيطاليا
المحطة الأولى: محطة الاستمتاع بالحياة بعيدا عن أي قيود ولا شروط، بدأت بتعلم اللغة الإيطالية، التي لطالما تمنت تعلمها، كونت صداقات لطيفة، انتقلت بين مطاعم روما تتذوق ملذاتها حتى ازداد وزنها عشرين كيلوجرامًا، ومع ذلك كانت سعيدة.
الهند
المحطة الثانية: محطة التأمل والتقشف والتجول في متاهة النفس للوصول لمخرج، استعانت باليوغا لتحاول السيطرة على نفسها وبذل جهد لتصرف انتباهها عن الاجترار المستمر للماضي والقلق المستمر على المستقبل، بحيث تبحث عوضا عن ذالك عن مكان في الوجود الأزلي الذي تنظر منه إلى نفسها ومحيطها باتزان ومن هنا ستنكشف لك طبيعة العالم وطبيعة ذاتك، أعتقد أنها أصعب المحطات وأهمها، لأنك لن تهتدي إلى نفسك بسهولة، وسردت ليز الكثير من الصعوبات التي واجهتها في هذه المحطة.
إندونسيا
المحطة الثالثة: محطة التوازن بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد، وتعلمت ليز ذلك على يد عراف إندونيسي يقيم في جزيرة بالي، ووجدت ما تبحث عنه من سكينه لروحها وغذاء لقلبها.
لتصل لنهاية رحلتها راضية عن نفسها سعيدة بحياتها، استمتعت برحلتها التي جعلتني أذهب معها بخيالي لأرى كل التفاصيل التي تحدثت عنها من لذة الطعام في نيبال لحكايات العراف في بالي.
أجمل ما قرأته في الكتاب تلك النصيحة التي قدمها ريتشارد لليز في المعتزل، نصيحة تحتاج إليها كل أنثى: “عليك أن تتعلمي كيف تختارين أفكارك تماما كما تختارين ملابسك كل يوم، إنها قوة يمكنك تطويرها إن كنت ترغبين كثيرا بالسيطرة على أمور حياتك، ابدأي بعقلك إنه الشيء الوحيد الذي ينبغي السيطرة عليه، تخلي عن كل ما تبقى في ما عداه لأنك إن عجزت عن أن تكوني سيدة تفكيرك فأنت في ورطة كبيرة لن تخرجي منها أبدا”.
لكن لا تعتقد أن رحلة البحث عن الذات تحتاج لسفر، ليس بإمكان الجميع فعل ذلك، تستطيع أن تتجول في غابات ذاتك وأنت في مكانك، كل ما تحتاجه أن تعطى نفسك فرصة أن تستمع إليها، أنت دائما منشغل عنها بملذات الحياة التي مهما حاولت أن تستمتع بها لن يحدث إلا إذا وجدت نفسك أولا، اسأل نفسك ماذا تريد؟ و أين أنت؟ وإلى أين أنت ذاهب؟ وكيف ستذهب؟
كل ما تحتاجه فرصة تستمع بها لذاتك، فلا يمكن للإنسان رؤية انعكاس صورته في المياة الجارية بل في المياة الساكنة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست