يترقب العراقيون يوم غد الخميس، التغيير الجوهري الذي وعد به رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي، الذي يعده إصلاحًا جوهريًّا كما وعد سابقًا بإصلاحات وهمية حكومية في أغسطس 2015، التي جاء له بها التأييد الكبير من الشعب والمرجعية الدينية، وقد أعلن في حينها عن إلغاء نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء والوكلاء والمستشارين، ولم تكن إصلاحات واقعية حقيقية طبقت، إنما كنت حبرًا على ورق ولم ينفذ منها شيئًا حتى الآن، وكانت عبارة عن مص غضب العراقيين.

الصدر في الخضراء

إن الاعتصامات الشعبية التي ينظمها التيار الصدري جعلت السياسيين لم يدركوا الليل من النهار، حيث جعلت الكتل السياسية جميعًا على جمر من نار، وهم يتلهفون ويجرون في كل يوم اجتماعات متواصلة ومستمرة من دون الوصول إلى نتيجة، مع رفض الصدر لاستقبال أي مسؤول حكومي منهم، إضافة لرفض استقبال الوفد الإيراني لترطيب الأجواء، وذلك بسبب إصرار الصدر على الاعتصامات ومطالبته بالتغيير الجذري في الحكومة العراقية، التي تعدها إيران غير شرعية، لوجود داعش وتحركات دول الخليج لإسقاط العملية السياسية في العراق، حيث إن جميع السياسيين يوقنون بعدم وجود قوة أو مؤثر يؤثر في الصدر، مما يجعله يتراجع عن قراره ودعواه التي يدعو ويحث بها أنصاره ومؤيديه، مما جعلهم يشعرون بالخطر من الصدر عند لحظة إعطاء الضوء الأخضر لمؤيديه وأنصاره باقتحام الخضراء، وإسقاط العملية السياسية.

وقد أمهل السيد الصدر العبادي مهلة أقصاها الإثنين للإعلان عن الإصلاحات التي وعد بها، وبعد تعدي الإثنين وعدم إعلام العبادي عن إصلاحاته، أعلن الصدر اعتصامه في داخل المنطقة الخضراء، مع توجيه الدعوة لأنصاره بالبقاء في خيمهم معتصمين فيها عند أبواب الخضراء، مطالبين بحكومة تكنوقراط بعد تقديم الصدر كابينة وزارية لرئيس الوزراء تم اختيارهم وفق التكنوقراط من قبل لجان مختصة كما يدعون بذلك، داعيًا الأخير عرضها على مجلس النواب، للقبول بها والتخلص من الحزبية والمحاصصة السياسية.

العبادي والكتل السياسية

لم يستطع الدكتور العبادي تحريك ساكنًا من دون مشاورة الكتل السياسية التي معه وجزء من حكومته، ولا يمكن له أن يعين وزراء من خارج الكتل السياسية أو بدون أذنهم، وذلك بسبب تقيده بالدستور الذي يجبره على ذلك، وبعد الضغط المتراكم عليه من قبل الصدر ومؤيديه للإسراع بالإعلان عن الإصلاحات المرتقبة، اضطر العبادي أن يشاور الكتل السياسية بضرورة ترشيح وزراء بدلًا من وزرائهم الحاليين يتمتعون بمهنية ومهارات في الأداء والمهام والعمل وفق مبدأ *تكنوقراط* وقد أمهل البرلمان العبادي مهلةً لغاية الخميس بتقديم الوزراء الجدد التكنوقراط، وقد حسمت المحاورات بين الكتل السياسية بالاتفاق على تغيير سبعة وزراء فقط من نفس الكتل السياسية، مع تمسك شخصيات من التحالف الوطني واتحاد القوى والأكراد بحقائبهم الوزارية.

تدوير الفساد

إن الوزراء الحاليين هم من الكتل السياسية التي فشلت في إدارة شؤون البلاد منذ 2003، ولكن أعاد الدكتور العبادي نفس الخطأ الذي خطأ به في تشكيل حكومته في 2014، وذلك بمطالبة الكتل السياسية بترشيح مرشيحهم التكنوقراط بشغل المقاعد الوزارية التي ستشمل بالتغيير، فإذا كان زيد وعمرو من كتلة واحدة وفشلا، فإن كليهما لا يصح له أن يجرب مرة أخرى، وليس أن فشل زيد يحل بدلًا منه عمرو للتجربة مرة أخرى، فما زالت الحكومة مبنية على نظام المحاصصة الحزبية والطائفية تحت مسمى التكنوقراط، ولم تنتهِ تلك المحاصصة إلا بقلب العملية السياسية تمامًا، ومحل شاهد ذلك ترشيح الوزراء الجدد من نفس الكتل السياسية الفاسدة السابقة.

وتمسك الكرد واتحاد القوى بوزرائهم، ولم يحصل تجديد وتغيير سوى الوجوه، وهذا ما يسمى بتدوير الفساد والمفسدين، إذ يقيد الوزراء بقرارات وأوامر كتلهم السياسية التي تفرض عليهم، ولم يعملوا باستقلالية تامة، وتعتبر الإصلاحات التي وعد بها العبادي هي عبارة عن أدوات لفض وإنهاء اعتصامات التيار الصدري، التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا على السياسيين، وتحظى بتأييد كبير من الشعب العراقي وإشارات غير واضحة بتأييد المرجعية لها، والتي أربكت وصدمت جميع السياسيين مما جعلتهم حيارى فيما بينهم.

العبادي رجل المرحلة

أضاع الدكتور العبادي فرصةً ثمينةً وكبيرةً من بين يديه لن تتكرر مرة أخرى، ولم يحصل عليها حتى علي بن أبي طالب في زمانه، وذلك عندما فرط بدعم المرجعية والشعب له في أغسطس 2015، وتمسك بقرارات وأوامر حزبه وكتلته السياسية التي جاءت به، ولكن ما زالت الفرصة بين يديه ليكون رجلًا يسجل في التاريخ بفعل طفرة إصلاحية لم يستطع أحد فعلها، وذلك بإجراء إصلاحات فعلية وتغيير جذري للعملية السياسية، من دون الإصغاء ومشاورة السياسيين المشاركين في العملية السياسية، وبدعم من الشعب مصدر السلطات، وبتأييد مسبق من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، وهو كالآتي:

1- إعلان حكومة طوارئ وتسليم الملف الأمني والحكومي للحشد الشعبي.

2- تجميد الدستور.

3- حل البرلمان.

4- حل قانون الانتخابات.

5- كتابة دستور وقانون انتخابات جديدين مع إلغاء الرواتب التقاعدية لجميع النواب والوزراء الحاليين والماضيين.

6- حل مفوضية الانتخابات واستبدالها بلجان دولية تشرف على الانتخابات وتنظمها، مع إجراء انتخابات مبكرة.

7- فسح المجال بترشيح تكنوقراط ذوي فئات عمرية شابة قادرة على العمل بجدية وإخلاص، والتعامل مع شركات الاستثمار الأجنبية.

8- الحد من الرواتب وجعلها ذا سقف محدود لصاحب أعلى سلطة حتى لا يتجاوز 10 آلاف دولار.

9- الاستقالة من حزب الدعوة الإسلامية وإعلان الاستقلال الحزبي لشخصك الكريم.

10- توجيه الدعوات لجميع الخبراء والمختصين العراقيين في المهجر، وفسح المجال لهم للعمل لخدمة العراق وشعبه.

وإلا لن تنجح بخبزعلات تسميها ومن حولك بإصلاحات، وما هي إلا تغيير مواقع أو وجوه من داخل الكتل الحزبية الطائفية السياسية التي فشلت في إدارة شؤون البلد منذ 13 سنةً.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد