هشام عشماوي نموذجًا

كعادتنا، اتفقنا على أن نختلف وألا نتفق فنُعظم اختلافاتنا القليلة ونضرب بما يجمعنا مهما كثر، عرض الحائط، اتفقنا على ألا نتزن في طرح أو تناول أمر أو حدث أو موقف يراه كل منا بصفته لا بعقله، يُسرع في إثبات حضوره لا لإثبات موقف يتنصر به للحق أو يقدم رؤية تُحترم.

اتفقنا على أن نسير خلف النخب التي كرست مفهوم التصارع والانحياز العاطفي، الذي أفقد حواراتنا ونقاشاتنا هدفها، ليصبح الهدف هو فرض وجهات النظر والآراء، واجتزاء الحقائق بما يتماشى مع مصالح كل طرف.

توالت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بعد ورود أنباء عن استلام القوات المسلحة المصرية، ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، والمطلوب لديها، من ميليشيات خليفة حفتر المسيطرة على أجزاء من دولة ليبيا.

استوقفني من بين تعليقات المدونين التي قرأتها، وكانت قد عبرت عن سعادتهم بخبر تسليم هشام عشماوي، تعليق أسامة جاويش وأحمد البقري، المنتمين لجماعة تتعرض لقمع غير مسبوق في مصر، وبفضل هذا الانتماء تقدم الأول بطلب للحصول على اللجوء السياسي في إنجلترا وأصبح مقدم برامج، والثاني حصل على الجنسية التركية.

غرد الأول على حسابه الشخصي في تويتر متسائلا عن الفرق بين قتل العسكريين في كرم القواديس وبين قتل المعتصمين في ميدان رابعة والنهضة، وبين خطف الجنود والاختفاء القسري، محاولا المساواة بين مرتكبي هذه الجرائم وتلك! بين السيسي وهشام عشماوي!

بكل تأكيد عقلا وقانونا هناك فارق كبير بين القتل في معارك مسلحة اتجهت فيها إرادة طرفي الصراع على القتال وحمل السلاح سواء كان هذا الصراع بين قوات دولتين أو مجموعات مسلحة بالمخالفة للقانون وقوات الدولة الموجودة فيها تلك المجموعات، وبين قتل متظاهرين سلميين خرجوا للتعبير عن رأيهم ووجهة نظرهم في شؤون بلدهم.

نعم تتشابه النتائج بالقتل ولكن تظل الفوارق كبيرة، فكيف لنا أن نساوي بين مسلح خرج على القانون وأجهزة مكلفة بإنفاذ القانون وحماية حياة المواطنين، ترتكب القتل بحق مواطنيها؟

كذلك عمليات خطف الجنود فإنها تأتي نتيجة صراع مسلح وفي ساحة قتال، يسعى كل طرف لإضعاف خصمه بغض النظر عن مشروعية الصراع من عدمه، على العكس من الاختفاء القسري الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية تُجرمها القوانين الدولية واعتبرتها جريمة لا تسقط بالتقادم.

الجندي المختطف وفق القانون الدولي الإنساني الذي يحكم الصراعات المسلحة وبينهم الصراع المسلح الدائر يوميا وعلى مدار ست سنوات في سيناء، يصبح أسيرا وله حقوق نص عليها، أما الاختفاء القسري فهو جريمة، لا يحق لأي دولة أن تُقدم على إخفاء إنسان تحت أي ظرف من الظروف، وفق الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من جريمة الاختفاء القسري.

كانت أيضا منظمة هيومن رايتس ووتش قد كيفت الصراع في سيناء على أنه صراع مسلح غير ذي الطابع الدولي والذي يقع تحت اختصاص القانون الدولي الإنساني ويحكمه.

وجاء الآخر على خطاه واصفا هشام عشماوي بالإرهابي، متجاوزا كل القيم القانونية الراسخة في هذا الصدد والتي انتهت إلى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام محكمة قانونية وفق إجراءات ضمنت كافة معايير المحاكمات العادلة، وهذا ما لم يحدث بعد، فعشماوي لم يعرض حتى الآن على النيابة ولم يُحَل إلى محكمة ولم يصدر في حقه حكم إدانة بالإرهاب.

ففي الوقت الذي لم يصف السيسي فيه عشماوي بأنه إرهابي واكتفى بوصفه أنه انحرف عن الطريق وربما يكون قد خان ونبحث عنه لنحاسبه، يخرج هؤلاء متطوعين متجاوزين حدود المنطق والإنصاف والمهنية إذا ما سلمنا بأنهم إعلاميون، فقط لأنهم منتمون لتيار فكري فسيطرت عليهم الحزبية والقبلية في مواقفهم ففسدت.

إنه من الجنون أن يتصدى كل من هب ودب لتعريف مصطلح عجز عن تعريفه شيوخ القانون وفقهاؤه في العالم أجمع، لا يعرفون الفارق بين ما يحكمه القانون الدولي الإنساني وبين ما يحكمه قانون الإنسان والقوانين الأخرى في الظروف الطبيعية.

ومن الطرف الآخر من نبلة الاستقطاب التي نعيش فيها، جاء أحدهم (باللدع) مدافعًا عن عشماوي، بلغة عاطفية وانفعالية عنيفة، ولكنه للأسف لم يكتف بدفاعه عن الشخص رغم افتقار ردوده للموضوعية والعقلانية، فتجاوز في حق من رآهم متجاوزين، ووجه لهم السباب والإهانة الواضحة والمباشرة.

ومن المحزن المنتظر أن يتلقى عدد من مشاهير السوشيال ميديا هذا التعليق بسعادة غامرة وإعادة نشر ما يعاقب عليه شرعا وقانونا، وأعتقد أن في ذلك خيانة لأمانة الكلمة وإسهام في إلباس السب والقذف والخوض في الأشخاص وإهانتهم لباس التعبير عن الرأي.

لست بصدد الدفاع عن عشماوي أو الهجوم عليه، كما أنني أختلف مع فكره كليا -إن صح، كون الذي أعرفه عنه من الإعلام وليس منه- ولكني دائما أحاول فصل الهوى عن مساحات العمل العقلي وتغليب قواعد الإنصاف في مواقفي دون زيادة أو نقصان.

ومن الإنصاف أن نضع كل شيء في مكانه دون جور أو فجور حبا وكرها، فهشام عشماوي ضابط صاعقة سابق، متهم بجرائم قتل واستهداف قوات الجيش والشرطة، ينتظر المحاكمة، نتمناها محاكمة عادلة وفق إجراءات قانونية وتحقيقا للعدالة لا للانتقام.

قد يسعنا أخيرا القول بأن عشماوي ضابط سابق بالقوات المسلحة المصرية، خرج من الخدمة ووظف إمكانياته العسكرية لخدمة توجهه الفكري، أسس جماعة مسلحة وهنا تجد من يراها مشروعة ومن يراها غير مشروعة، لم يعتمد في عملياته على عشوائية الدواعش واستباحة دماء المدنيين واستهدف قوات الجيش والشرطة في سيناء خلال معارك عسكرية، وهنا أيضا نجد من يرى في ذلك بطولة وآخر يراها جريمة، قُبض عليه ومن جديد تجد من يقول أنه في يد عدوه وسيتم الانتقام منه على العكس ممن يرى أنه متهم تم تسليمه للعدالة، وحتى الحكم عليه بالإدانة فلا يحق للمختلفين معه قانونا أن ينعتوه بـ(الإرهابي).

ينتابني الفضول حول نهاية تلك الفصول العفنة، ونقاشات بنكهة الحروب يُعلن عنها طرق الطبول المُرة، متى تحكمنا العقول ونقول حينها ما نقول؟ متى نحترم ثقافة الاختلاف ونحفظ لغيرنا أن يتبنوا وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرنا، يرتكن كل منا على حجة لا هوى؟

إقحام اللون السياسي والفكري في بعض المساحات التي لا تسمح أصلا بتعدد الآراء فيها لا يساعد إلا على الفرقة وقسوة القلوب وسواد النفوس، وخوض النقاشات بفلسفة حربية تحت تأثير الهوى والتحيز الأعمى يعزز من الكراهية.

علينا أن نُعالج أنفسنا ونضع كل أمر في نصابه ويمتثل من يقول أنه ينتمي لمشروع إسلامي لما نصت عليه الشريعة فلا خوض ولا إهانة ولا سباب، وألا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال إن في الجسد مضغة إذا فسدت فسد العمل كله، فكيف إذن كيف لسلم أن يصلح عمله وقد أعماه هواه فانحاز لنفسه ولفريقه لا للحق وخاض في سير الناس وشرفهم أو شرد بما يراه هواه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد