أيام قليلة تفصلني عن وداع أصدقاء عشت معهم لمدة سنتين. أيام قليلة وسيصبحون مجرد ذكرى. أيام قليلة وسأضحك عندما أتذكر تلك الأيام. أيام قليلة وسأحزن على فراقهم. أيام قليلة وربما سأبكي عندما أتذكرهم. مجرد أيام قليلة.
متى أدركت تلك الحقيقة؟ متى فهمت أن تلك هي سنة الحياة؟ هي قصة طريفة نوعًا ما.
كنت أشاهد ذلك المسلسل الأجنبي الذي يدعى «How I met your mother». كان المسلسل يحكي عن مجموعة من الأصدقاء الذين يمثلون الصداقة الحقيقية. ستجد أنهم كانوا يتسكعون طوال الوقت مع بعضهم البعض. يحبون بعضهم البعض بدون أي مصلحة، مجرد صداقة خالصة. ولكن في نهاية المسلسل تظهر سنة الحياة، تظهر الحقيقة؛ يتفرق الأصدقاء.
نعم، ربما لا تصدقني. ربما تقول إنها حالة خاصة ولكن يؤسفني أن أخبرك أن تلك هي سنة الحياة. تلك هي الحقيقة المُطْلَقة في حياتنا.
تتساءل مجددًا ما هي الحقيقة المُطْلَقَة؟ النهاية يا صديقي، ظننت أنك فهمتني. كل شيء في الحياة يتكون من جزءين أساسيين: (بداية – نهاية). كل شيء في الدنيا يتجه إلى زوال. كل شيء في الدنيا لابد له من نهاية مهما كان ضخمًا أو قيمًا أو سيؤثر عليك بالسلب. كل شعور بالفرحة أو الحزن أو اليأس أو الغضب سينتهي.
حتى صداقتنا، مهما كانت قوية وتتسم بالحب الخالص بدون النظر إلى مصلحة فإن يد القدر ستوجهها للنهاية. لكن انظر للجانب المضيء. انظر للوجه الآخر من تلك النهاية المأساوية. انظر للرحلة.
كما قلت لك إن أي شيء يتكون من جزءين أساسيين هما (البداية والنهاية) ولكني أغفلت ذكر ما هو أهم من البداية والنهاية. إنها الرحلة بينهما. إنها الطريق التي نمشيها بين النقطتين.
قرأت للكاتب الصحفي (أسعد طه) في مقالة له أن: «الحياة ليست إلا رحلة، ولذتها ليست في الوصول، وإنما في الطريق، فاستمتع بالطريق»، ودعني أخبرك بذلك السر. المتعة الفعلية في الحياة هي في الرحلة. المتعة الفعلية هي المشاعر التي تنتابك في الرحلة وليس عند الوصول. المتعة الفعلية هي بما تجنيه من الرحلة.
لذلك فأنا أستمتع بقدر الإمكان بتلك الأيام قبل أن يرحل أصدقائي، قبل أن تنتهي الرحلة. لقد أيقنت أن ما يخفف وطأة ألم الفراق والوداع هي الذكريات. الذكريات بالنسبة لي كمسكنات لآلامك. الذكريات هي ما تخفف عنك.
لذلك إن كنت تريد أن تخرج بنصيحة وحيدة من كلامي، فها هي ذي. عش يا صديقي العزيز الحياة، لا تنتظر الفرصة لكي تعبر عن مشاعرك لأشخاص تحبهم، فمن يعلم إلى متى ستظل بجانبهم أو سيظلون هم بجانبك. لا تدع يا صديقي ثانية واحدة بدون أن تصنع الذكريات. ربما تلك آخر مرة ترى فيها أحباءك، لذلك كل ما عليك فعله هو أن تنهض وتخبرهم بذلك.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست