ويقال إنَّ كلَّ ممنوع مرغوب، والحب العاري من كل القيود، دينية كانت أو اجتماعية، هو المرغوب والمشتهى وهو عين اللذَّة الخالصة، فما بالكم بمن منعه البصر واتّقى الله بالغيب سبحانه، فحينما غمس يده في عين الماء كان صافيًا نقيًّا لا تشوبه شائبة، فشخص نضره إلى رقرقته وهو يتلألأ تحت شمس ربّه الدافئة فداعبت قطراته أصابعه، فشرب فارتوى بعد صبر وانتظار.

وذاك هو الحب طاهر عفيف، حيث لا روح تتألَّم ولا ذاكرة جسد مخترق.

في غض البصر أخي الكريم وأختي الكريمة تجتمع ثلاث من كبار الخصال وأجلِّها، وهي حلاوة الإيمان، واستقامة السلوك، واحترام الحب. لأنّ الحب جعل فيه سبحانه وتعالى قدسيَّة، وهو محض حال وَقَعَ فيه الإنسان فتحميه وتؤويه جدران حصن حصين، هي ذلكم البروتوكولات التي سنَّها الملك الله سبحانه وتعالى –المحبّ الودود – في تعظيم أمر هذا الوَقْع. ولأنّ من تَخَطّفه الحب وهو لاق بنفسه في فراغ الفضاء والعدم فسيهوي به حتمًا إلى الأرض أو في مكان سحيق.

وإن الحب في مثل هذا الحصن الحصين زاده بركات ربّانية، تماسك ووثق بها خيط الارتباط حتى التأم واشتد، فلا تكاد تميِّز عقدة الرباط أو هذا الخيط من ذاك.

وأعجب كل العجب مِمَّن يقول بأن العفَّة هي محض تميّع للحب، وهو حبّ بارد فاتر لا يسمن ولا يغني من جوع، والله هو من خلق الحب أصلًا فأوجده من عدمه أو ربَّما نفخ فيه من روح حبِّه ووهبه للإنسان فأكمنه بين ضلوعه، فانظروا معي يا أولو الألباب كيف حماه وحفظه فخبَّأه في وطن المشاعر والأحاسيس فصَدَّره سلطانهم وملكهم، وجعل الشغف والولع حرَّاسه اللذين على كتفيه.

كما أني لا أرى مثالًا حقيقيًّا على الحب في دنوِّه لمنتهاه كحب النبي محمَّد لعائشة – صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنها وأرضاها- وهو يشهر راية حبِّه ويعليها وسط جمعه لا خشية تردعه ولا خجل يمنعه حينما سُأل من طرف عمرو بن العاص، وهو يزهو مفاخرًا بنجاحه في المهمة التي أوكلها له رسول الله صلوات الله عليه «من أحب الناس إليك يا رسول الله؟» فأجابه والكل متأهب لسماع من ضفر بقلب حبيبهم منهم فقال «عائشة».

فلا أخال قلبًا وقف الإسلام على قمِّته وبه أنار العالم حقًّا وبُرْهَانا لا يعرف كيف يحبُّ امرأته، صلوات الله وسلامه عليه.

والإخلاص، ذلك العمود لكل الفضائل وجوهرها، هو قصد الإسلام ومنتهاه في أي علاقة جمعت بين البشر وتجمعنا مع الخالق، لأجل ذلك حسب الله – سبحانه- له كل الحسبان، فأخصّه أعلى الرتب وساقه في أبلغ القول وأفصح البيان ليحفظه ويعليه بين خلقه، ويكفي أن نقول هذه الفضيلة شرَّفها الله بأن حملت اسم سورة فكانت وصفًا للجلال وعظمته، فما بالكم بتلك عملية ذوبان روحين من غير قرابة الدم، ولكن في اجتماع فصائل الهوى في روح واحدة، ألا يستحق ذلك حرص الله الشديد في تعظيم نصيب هذا الذوبان من الإخلاص؟ وهكذا، فمن أحبَّ وَقَّع ولو على صفحة قلبه، ومن أبى فسيَخْتلق لك ألف عذر وعذر فلا تُصَدّقه ولو سار على الماء تَوَرّعًا ولو بلغ الجبال وَلَعًا. وسِرْ على ذاك الجسر الحصين والمتن المستقيم ﴿ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

فان صعد الحب عرشه في حصنه المنيع ثم اسْتوى، فقلْ لا سبيل لقيد ولا حذر ولا بخل ولا قتْر، وأسهب ما شئت في الحب ولا تندم. و إن لم يكن فاصبر صبرًا جميلًا والله المستعان.

﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد