نعلن تقديرنا الكامل لكل مَن وقف موقفًا وطنيًا خلال تاريخ هذا البلد، وخصوصًا في الثلاث عقود الأخيرة، ونحن مدركين تمامًا أن ثورة يناير تتويج واستمرار لحراكات ونضالات ما قبلها.

نعاني من بعد الانقلاب العسكري في 3/7/2013 من ترنح النخب، وتبدل كلامهم ومواقفهم ليوائم مقاسهم فقط، لنظل نتساءل هل المشكلة فينا من رفض الانقلاب ورفض الاعتراف بكل ما ترتب عليه؟ أم المشكلة في النخب ومن تبعهم بعد أن أوغلوا في مستنقع 30/6 والانقلاب وما بعدهما  ليعايشوا الآن ما حذرنا منه.

لا خلاف على شخص وتاريخ رجل وطني مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ولكن الرجل يصدر كلامًا متضاربًا ومتناقضًا أحيانًا، مما يصعب معه أن نفهم مواقف الرجل أو كيف يفكرأو لماذا يقول ذلك؟

في جزء من حديثه «المنشور على اليويتوب»

خلال ندوة نظمها حزب مصر القوية عن سد النهضة قال عبد المنعم أبو الفتوح مؤسس ورئيس حزب مصر القوية: «يجب أن يعود المسار الديمقراطي» ثم يتلو كلامه هذا بقوله: «الرئيس السيسي».

مثلي يفهم جملة «يجب أن يعود المسار الديمقراطي» على أن ما حدث كان انقلابًا عسكريًا صادر المجال العام وحرّم السياسية على مشتغليها، أما جملة «الرئيس السيسي» فتعني الرضا والموافقة على المسار الذي اتخذه الانقلاب ليشرعن نفسه «خارطة طريق الانقلاب: دستور 2014، انتخابات رئاسية، انتخابات برلمانية».

إذا كان الرجل يطالب بعودة المسار الديمقراطي المختطف، فلماذا يُكسب قائد الانقلاب صفة رئيس؟ وإذا كان الرجل يصف السيسي بالرئيس فأي مسار ديمقراطي يطالب أبو الفتوح بعودته طالما أن للبلد رئيسًا وبرلمانًا؟

في الندوة نفسها يقول أبو الفتوح مخاطبًا الأخوة الأعزاء في الجيش المصري حسب تعبيره «يخرجوا معززين مقدرين مننا جميعًا».

يا دكتور، لا عزة ولا تقدير لمن أجرم وصنع انقلابًا دمويًا، والعدالة الانتقالية  يجب أن تطال الجميع، ولا خروج آمن لأحد من أجل حقوق الشعب المهدرة ودمائه التي ما زالت تسيل إلى الآن.

يقول أبو الفتوح: «نظام مبارك العميق الذي يحكم حتى الآن»، لكن على ما يبدو أن الرجل نسي أنه وحزبه شارك هذا النظام العميق في 30/6 وقت أن كان لا صوت يعلو فوق صوت الفلول.

ثم حضر الرجل جلسة مع ما سُمي في وقتها بالرئيس المؤقت «عدلي منصور» مما يبين أنه كانت لديه نية المشاركة فيما بعد 3/7، وتابع حزبه المشاركة في الاستفتاء على ما سُمي بدستور 2014.

وللتوضيح نحن هنا لا ننكر على الرجل وحزبه معارضته لحكم مرسي، لكن الانسياق خلف الدولة العميقة «التي يندد بها أبو الفتوح الآن» ومزاملة الفلول في 30/6 هو ما نأخذه على الرجل وحزبه.

ولا أحد يستطيع منع الرجل وحزبه من الاعتراف بشرعية الانقلاب والعمل وفق نظامه السياسي حسب المساحة المحددة سلفـًا من قِبل النظام وأجهزته الأمنية والمخابراتية.

في كلام سابق «في حواره على البي بي سي والمنشور على اليوتيوب»

https://www.youtube.com/watch?v=PnXgQ6J0RNg

قال أبو الفتوح: «نحن نعيش في جمهورية الخوف التي أسسها الرئيس السيسي أو أجهزة الأمن بمعنى أدق أنشأتها والرئيس السيسي قد يكون مغيبًا عن هذا».

أية غيبة أو تغييب هذه  بعد آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين ومئات المختفين قسريًا؟  ثم كيف يكون السيسي – الذي لا يترك فرصه إلا وأشاد برجال الشرطة – لا يعلم بالتصرفات الأمنية وهو قائد انقلاب دموي ويرتكز على الأجهزة الأمنية والمخابراتية  في حكمه؟ وحتى لو كان السيسي لا يعلم تلك التصرفات، هل هذا مبرر له مثلاً أو يعفيه من تحمل تبعات تلك التصرفات؟

ندعو أبو الفتوح لأن يشاهد فيديوهات لقاءات السيسى بضباط الجيش والشرطة وحديثه لهم بأنه لن يُحاكم ضابط على إطلاق النار أو القتل، فليشاهد  لعله يجد مبررً للسيسي غير عدم العلم.

يقول أبو الفتوح عن ثورة 25 يناير «الثورة الوحيدة، التي لم يأت قبلها ولا بعدها ثورة، من وجهة نظري».

مرة أخرى ينسى أو يتناسى الرجل أنه وحزبه دعوا وشاركوا في 30/6 «حينها أطلق جميع المشاركين فيها لقب ثورة»، والتي مثلت غطاءً شعبيًا وسياسيًا  للانقلاب العسكري، وإلى الآن لم يتراجع أبو الفتوح وحزبه عن مواقفهم في الدعوة والمشاركة لـ30/6 أو يعتذروا عنها – ولو بحجج مثل «خدعنا»، رغم أن كل ما تلاها «الأحداث والتسريبات» أثبت أنها كانت صنيعة أجهزة أمنية ومخابراتية بالاتفاق مع النخب السياسية، وانساق لها جموع شعبية «لم تكن تعلم بهذه الترتيبات» متأثرة بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

أحيانًا يكون السكوت أفضل من المواربة، لكن عند الكلام التزام الصراحة والوضوح أمر حتمي، خصوصًا فيما تعيشه مصر الآن، ربما يكون إعلان الخوف من العمل السياسي في مثل هذه البيئة الأمنية هو المانع من تبني المواقف الواضحة وإصدار الكلام الصريح ثم السكات أفضل، لكن أن يظل بعضهم يرسل كلمات وإشارات متضاربة فهذا لا يعقل ومن غير المفهوم أيضًا.

وكما يقولون: «هناك أوقات لا يكفي قول الحقيقة فقط، ولكن يجب الصراخ بها».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد