يوسف رخا، هو كاتب وروائي ومثقف مصري، صدر له عدة كتب من بينهم: (التماسيح- كتاب الطغري- باولو) وهم ما سنتحدث عنهم اليوم، وكتب أخرى مثل مجموعة قصص بعنوان أزهار الشمس 1999، وبيروت والقاهرة، ثلاث كتب قصيرة عن المدن العربية 2006، ومجموعة من القصائد والمقالات وانتهى عام 2009 من ديوان بعنوان يظهر الملاك.

حصل على شهادة بكالوريوس الدرجة الأولى في تخصص اللغة الإنجليزية والفلسفة من جامعة هلفي- إنجلترا عام 1998م، وفي أثناء عودته انضم إلى طاقم عمل صحيفة الأهرام ويكلي، وهي صحيفة تصدر من القاهرة باللغة الإنجليزية، وعمل باستمرار منذ 1999، له موقع أدبي فوتوغرافي بالعربية والإنجليزية (yrakha.com).

باولو

في القائمة الطويلة للبوكر العربي 2017 جاءت روايتان مصريتان منهما باولو، في جو مفعم بالكابوسية، وعبر بناء روائي فريد، ولغة مختلفة وشخوص غرائبية، يكشف لنا الكاتب المصري يوسف رخا في روايته الأخيرة عن دار التنوير وجهًا مختلفًا للشارع المصري (الوجه غير المثالي بالمرة).

الشكر الروائي للعمل نطالعه على ظهر غلاف الرواية حيث نجد مكتوبًا:

تفريغ لمدونة تسمى «الأسد على حق» يقول إنها ظهرت على الإنترنت بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة لأنصار الرئيس المصري السابق محمد مرسي من الإسلاميين المحتجين على عزله من منصبه، وتتضمن المدونة شهادة أحد الأطراف المنخرطين في «الحراك الثوري» منذ 2011 عن الفترة السابقة على انتخاب مرسي والصراعات السرية المشتعلة حينذاك، لكن الناشط الثوري الذي يدلي بأقواله هنا ليس كما يبدو للوهلة الأولى مجرد مصور فوتوغرافي أو مدير مكتبة خاصة من مثقفي وسط القاهرة، إن «باولو» أيضًا عميل لدى مباحث أمن الدولة! ودون جوان لم تنج واحدة ممن وقعن في غرامه من الموت، وهو كما يرى نفسه الزعيم الخفي للثورة والذي يحمل لـ«الثوار» نبوءة هزيمتهم القاطعة.

تحت السطح البريء لـ«الربيع العربي» هناك رواية أتعس لأحداث تاريخية لم يفهمها أبطالها: رواية الزيف والعنف والجريمة، وإخفاق «النخبة المدنية» في تجاوز عقود من القمع والحرمان ما كان التظاهر ليزيل آثارها أبدًا في وجود الإسلام السياسي، إنها رواية شيقة رغم كابوسيتها، ولعل هذا الملاك الشرير أفضل من يمكنه سردها.

باولو راوي القصة هو أحد شخصيات رواية رخا السابقة (التماسيح) هو شاعر سابق ومصور محترف وثائر وأمنجي في نفس الوقت، كاتب وفنان ومثقف لا أخلاقي في منطقة وسط البلد، يبدأ في سرد مذكراته أو جزء منها خلال المدونة في وقت مهم من تاريخ مصر حيث القبضة الأمنية لدولة مبارك في أوجها في الشهور التي تسبق الثورة وتلك القبضة تخفت ببطء بدون أن تضيع تمامًا سيطرتها على أمور الدولة.

ثم تبدأ الثورة، المتظاهرون الهاربون والجماعات السرية التي تنشأ لتساعد الثورة أو تحارب الثورة أو تساعدها ولكن في الحقيقة تحاربها، الوجه القبيح للثوار وكما عادة يوسف رخا يظهر القبح المصري ببراعة في فضائح أبطاله.

من مجتمع يضاجع كل ذكر كل أنثى ويقتل الجميع بعضهم ويشرب الجميع المخدرات والبيرة وتنتصر الشرطة دائمًا يبدأ رخا في مناقشة أحداث الثورة، وبورسعيد، والتظاهرات، والشخصيات السياسية، والتيارات الكبرى، والمليونيَّات، وانتخبات مجلش النواب بجراءة يحسد عليها في ذكر الأسماء وطريقة الكتابة، لقد قام باولو بفضح الجميع خلال مدونته.

يلعب باولو أيضًا على الجانب الثقافي فنجد حديثًا حول النبي أرميا والتدين والحرية والمجتمعات، ومن ناحية أخرى نجد حديثًا عن أول دورة للبوكر 2008، وعما إذا كانت تغريدة البجعة تستحق الجائزة عن واحدة العروب أو أن تغريدة البانجو أفضل من واحة البجعة حسب تعبيره.

باولو لا يتحدث عن حياته فحسب بل يستطيع وضع كل الشخصيات في إطار حياته صوب الكاميرا، إنه مصور بارع ولذلك استطاع إظهار تلك الجوانب المثيرة في حياة الأشخاص، إن باولو تعبير عن اللامثقف اللاأخلاقي المصري، تعبير مهم بأسلوب قوي ولا يمكن حصرة في ذات واحدة بل هو مجتمع داخل جسد واحد.

التماسيح

في رواية التماسيح ليوسف رخا نطالع نصًا غرائبيًا عجيبًا، التماسيح ثاني روايات الكاتب نشرت مع دار الساقي 2013، مجتمع وسط البلد مرة أخرى، شخصيات متقاربة مع تكرر بعض الشخصيات بين رواية التماسيح ورواية باولو.

يقدم يوسف رخا صورة للمجتمع الثقافي المصري في وسط البلد قبل ثورة يناير، لقد قلبت ثورة يناير موازين مصر تمامًا من كيان هذياني يحاول القيام من تلك الحاله والتركيز بمنطقية، كأنه احتسى خمر الانفتاح وكان يحاول الإفاقة إلى كيان مجنون تمامًا، امتلأت نخاشيشه بحشيش الثورة الممتزج بالبرشام وفسد عقله تمامًا، لا يتعامل مجتمع بعد الثورة بالمنطق ولا بالعقل بل نرى حالة هذيانية سريالية غريبة.

يرصد يوسف رخا ما بين التماسيح وباولو تلك الحالة، وقد أكون مخطئًا ولكن أنا أعد هذين العملين وثيقة لا يجب أن تخلو أي دراسة إنثروبولوجية عنها، التماسيح تتحدث عن جماعة شعرية نشأت سنة 1997، تتحدث عن انتهاء أو انتحار جيل السبعينيات لصالح جيل التسعينيات من الكتاب.

عن طريق كشف خبايا مثقف الشارع خلال فترة تمتد منذ تأسيس الجماعة حتى الثورة تتمحور الرواية بأسلوب وبلغة يوسف رخا المهمة، مثقف رخا يبحث عن التغير والتجدد، يذهله الفن الحديث، ويحاول أن يواكب العصر، ولا يتمسك بأي معتقد.

كتاب الطغري

كتاب الطغري أول أعمال يوسف رخا الروائية، كتاب ضخم مكتنز الصفحات أصدرته دار الشروق عام 2009، بمجرد أن تفتح الكتاب تصطدم بلغة غريبة عشوائية مفككة، ثم تصطدم بسخرية الكاتب من اللغة وبنص يكاد يكون فضيحة غير أخلاقية.

في هذا الكتاب يحكي أن: أحد الشباب المصري ما قبل الثورة العادي جدًا، نفس العينة الخاصة برواية السنجة لأحمد خالد توفيق أو رواية أن تكون عباس العبد لأحمد عايدي، يقع في يده بالمصادفة خاتم قديم يكتشف أنه للسلطان محمد الخامس آخر سلاطين الدولة العثمانية وختمه العالي، الختم مسحور يحوي روح السلطان الذي يدخل البطل في سر خطير.

على الرغم من طفولية الفكرة إلا أن الرواية تعتمد على صياغة المفارقات، رخا هنا يصدمك، كان لا يزال يحتفظ بنيران الشباب التي خفتت واختفت فيما بعد في باقي أعماله.

عن طريق عشرات المشاهد التي تحمل دلالات محددة نرى الواقع المصري وندخل إلى القصة، إن ما زاد من حجم الكتاب إلى هذا الحد هو كم المشاهد الغريبة والحواريات بلغة رخا المميزة، لقد حاول أن يتمرد على اللغة بالسخرية وذلك باستخدام لغة مختلفة، لغة لا تحتوي قواعد ولا فذلكات.

في مصر لا يعرف أغلب القراء والمثقفين قواعد النقد، إذا كنت صديقهم سيقولون عملك جيد لأنه يمتاز بـالسهل الممتنع، حتى لو كنت تكتب عن الفيزياء النووية بلغة ابن عقيل، وإذا لم تكن صديقهم فسيتكلمون عن مدى سوء وضعف وفساد اللغة في عملك مهما كانت في الحقيقة.

هذه النصوص التي لا تحتمل الضعف ولا القوة اللغوية تُكسر هذه القاعدة، فمن الصعب تصديق أن رواية مثل كتاب الطغري يمكن التصديق أنها سهل ممتنع ومن غير المنطقي مهاجمة اللغة، لذا فالحل إن أردنا مدحًا أو نقدًا هو الحديث عن العمل نفسه.

عن أدب رخا

حين تبدأ بمطالعة رخا ستعرف أنك أمام كاتب مختلف، شخص يمتلك عالمًا روائيًا خاصًا به، نافذة مختلفة عن العالم، وهو ما يجعل تسليط الضوء على هذا المشروع أمرًا مهمًا.

كتابة يوسف رخا تتميز بالصراحة الشديدة، الدخول باندفاع إلى القضايا الشائكة، لقد أوجد رخا نظامًا مختلفًا للكتابة يهدم ويسخر من الكتابة الاعتيادية، وينقد بشدة المجتمع إلا أن هذا جوهر الإبداع وهو التغيير والتجديد.

الحياة الثقافية ومدينة القاهرة، حيث عالم الكاتب لا يخرج عن عالم القاهرة، المدينة الفريدة، فبينما تحتفظ كل مدن العالم بهوية محددة، نجد القاهرة لا تملك واحدة، فبين بنايات متهدمة وأحكار ومجمعات للغجر ومدينة إسلامية ومدينة أوروبية، ومدينة أوروبية على طراز مختلف، ومعمار ما بعد يوليو القبيح ومدن للأغنياء الفاحشين ومدن للفقراء المعدمين تتنفس المدينة، في القاهرة تستطيع خلق أي عالم وأي زمان ومكان، إنها تحمل كل الأقنعة معًا وكل التناقضات تظهرها وهذا العالم الثري لم يجد من يحاول اختزاله، لقد حاول العديد من الكتاب استلهام مشاريعهم منه إلا أنها جاءت تعبر عن الطبقة الوسطى أو الاعتيادية، هنا نرى محاولة لكسر النمطية.

كتب حسنين هيكل رواية زينب وإلى الآن لم نخرج منها ومن عالمها إلا بمشاريع قليلة أدبية، فبين إدريس علي وإبراهيم أصلان ومحمد حافظ رجب ويحيى الطاهر عبد الله وصنع الله إبراهيم نرى وجوهًا مختلفة للكتابة ووجوهًا مختلفة للعالم المصري، وهنا أظن أننا أمام وجه مختلف تمام.

أنصحكم بتجربة إبداع هذا الكاتب الفريد.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد