لم تكن السيدة وداد بابكر حرم الرئيس السوداني المعزول مجرد اسم عابر في سجلات النظام السابق، بل إن إسمها ظل مقرونًا بكثير من النفوذ والسلطة، وشبهات الثراء الحرام، والفساد المالي؛ مما جعل اسمها يتصدر كثيرًا من هتافات الثوار، وجعل مصيرها بعد سقوط النظام يستحوذ على فضول الشعب السوداني، لا سيما احتمالية خضوعها للمساءلة القانونية من عدمها. وبعد أن كان الغموض حولها هو سيد الموقف منذ سقوط النظام، عاد اسمها من جديد إلى الواجهة بعدما أفادت مصادر عدلية وصحف محلية الخميس الماضي خضوعها للتحقيق في نيابة المال العام بالخرطوم، بتهم تتعلق بالفساد المالي والثراء الحرام، وأشارت المصادر إلى أنها اقتيدت من منزلها بضاحية كافوري الراقية للتحقيق معها، ومن ثم أودعت سجن النساء الشهير بمدينة أمدرمان، لحين الفصل في التحري لتبدأ مرحلة جديدة من حياة المرأة التي اعتادت مع زوجها القصور والطائرات الرئاسية، وحياة الترف والرفاهية، لتلحق به نزيلة السجن..

السيدة الأولى ومحاولة الهرب خارج البلاد

اكتنف الغموض مصير السيدة وداد بابكر بعد سقوط نظام البشير في 11 أبريل (نيسان)، إذ زعمت أنباء أنها هربت إلى منزل أحد أصدقاء البشير في إحدى مدن السودان النائية، في حين ادعت أخبار أخرى أنها وصلت إلى جوبا صبيحة يوم السقوط طالبة اللجوء إلى دولة جنوب السودان، في محاولة بعدها للهرب إلى دولة الإمارات بجانب عبد الله البشير الأخ (المشبوه كذلك) للرئيس السابق، وقيل إن طلبهما قد قوبل بالرفض من حكومة الجنوب، وطلب منهما المغادرة.

وظلت الأخبار على هذه الشاكلة غامضة ومتضاربة، حتى تأكد وجودها قيد الإقامة الجبرية المشددة في منزلها في سبتمبر (أيلول) الماضي عبر أخبار موثوقة في وسائل الإعلام السودانية أكدتها قناة العربية، عبر إفادة من رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول الذي أكد أنها تزوره في السجن وتقيم في منزلها تحت حراسة عسكرية مشددة.

الزوجة الثانية والسيدة الأولى

معلوم في السودان أن للبشير زوجتان أولاهما السيدة فاطمة خالد ابنة عمه، التي تزوجها في سبعينيات القرن الماضي ولم تحاول الانخراط كثيرًا في العمل العام، وكانت تتوارى عن الأضواء وتزهد في الظهور الإعلامي وممارسة دور السيدة الأولى، وتنطبق عليها مواصفات الزوجة الريفية التقليدية.

والثانية هي السيدة وداد بابكر التي تزوجها البشير عام 2002 ومنذ ذلك الحين وهي سيدة البلاد الأولى، مرافقة البشير الدائمة في رحلاته الخارجية وفعالياته الداخلية، وهي تتمتع مقارنة بزوجته الأولى بعمر أصغر، وبملامح أجمل، وشخصية أقوى، ومظهر أكثر رشاقة، وربما الأهم رغبة أكبر في النفوذ والسلطة والثراء.

والناس خارج السودان قد لا يعرفون هذه المعلومة من شدة استحواذ زوجة البشير الثانية على الأضواء والظهور الإعلامي.

ومن العجيب أن زوجة البشير الأولى فاطمة خالد تتمتع الآن بكامل حريتها، ولم تتعرض لأي مضايقات أو مساءلة، بينما لوحقت الزوجة الثانية السيدة وداد بابكر وألقي القبض عليها وأودعت السجن في مفارقة تبين أن الفساد اختيار وليس نتيجة حتمية لامتلاك السلطة.

الزواج من البشير وبداية السطوة

تزوج البشير السيدة وداد بابكر بعدما لقي زوجها اللواء إبراهيم شمس الدين مصرعه في حادث تحطم طائرة مروحية بعام واحد لم يكتمل.

هذا الحادث الذي يحلو للسودانيين نشر الشبهات حوله في مجالسهم، أدى إلى مصرع 14 ضابطًا بجانب اللواء إبراهيم شمس الدين، زوج وداد الأول، الذي له منها خمسة أبناء، والذي كان أصغر عضو في مجلس الانقلاب الذي أتى بالبشير، وكان وزيرًا للدفاع ومسؤولًا ذا نفوذ كبير، وشخصية قوية.

لم تكن وداد إبان زواجها من إبراهيم شمس الدين معروفة لدى السودانيين، وهي الزوجة العادية التي تقيم في منزل حكومي عادي بضاحية الجريف المتوسطة بالخرطوم المنحدرة من أسرة متواضعة بمدينة المناقل، إحدى مدن السودان الصغيرة، وقد تزوجها إبراهيم شمس الدين يافعة لم تكمل تعليمها بعد، ولكنها بعد زواجها من البشير أكملت تعليمها الثانوي ثم الجامعي، وصارت كذلك سيدة السودان الأولى صاحبة الحضور الإعلامي المكثف والنفوذ السلطوي الكبير.

أداء بارز ونفوذ داخلي وخارجي

أظهرت السيدة وداد بابكر بعد دخولها القصر الرئاسي قدرة على الوجود بكثافة وحنكة في المشهد السياسي السوداني، وانتزعت بكل نجاح صلاحيات الزوجة الأولى، واقتحمت مجال العمل العام، وقادت المبادرات الحكومية المكافحة للفقر، وترأست الجمعيات التي تدعم المرأة، وكذلك ترأست منظمة سند الخيرية، تلك المنظمة الحكومية الضخمة المثيرة للجدل، والتي تعمل حسب نشاطها المعلن في محاربة الفقر.

أما خارجيًّا فقد كان لها وجود بارز في المحافل النسوية ممثلة الجانب الرسمي السوداني، كما ترأست منظمة المرأة العربية، وهي مؤسسة تتبع لجامعة الدول العربية في الفترة بين 2013 و2015.

وحازت كذلك في العام 2013 جائزة السيدة العربية الأولى من مؤسسة المرأة العربية في دبي؛ لجهودها في المبادرات الداعمة للمرأة، حسبما قال منظمو الجائزة.

شبهات الفساد واستغلال النفوذ

حامت شبهات الفساد المالي وشكوك الثراء الحرام واستغلال النفوذ حول السيدة وداد منذ سنين، كما تحوم النسور حول فريستها؛ إذ يدعي معارضون سودانيون أنها استغلت نفوذها في الحصول على أراض وعقارات وأموال بطرق غير مشروعة.

ويدعي آخرون أن لها أرصدة مالية ضخمة في دول خارجية، وخبراء ماليون يعملون لمصلحتها في سبيل تضخيم هذه الأرصدة.

وفي 2014 زعم تقرير نشره مركز «جنوب كردفان» الإعلامي، أن وداد بابكر تمتلك ثروة طائلة وضعهت في مصرف بريطاني «ضمانًا للمستقبل».

ويتهم الكثيرون منظمة سند الخيرية التي تديرها بأنها واجهة للفساد وغسيل الأموال، نسبة لانعدام الشفافية بأمور تتعلق بميزانيتها وأوجه صرفها، وعدم التزامها بقوانين المراجعة المالية أسوة بأمثالها من المنظمات التطوعية.

وقد أصدرت الحكومة الانتقالية مؤخرًا قرارًا بإغلاق هذه المنظمة بجانب عدد من المنظمات الأخرى، بدعوى عدم التزامها بشروط ومعايير التسجيل القانونية اللازمة.

وأخيرًا السيدة الأولى من القصر إلى السجن

قابلت معظم الدوائر والأوساط السودانية خبر التحقيق مع السيدة وداد والتحفظ عليها بسجن النساء بارتياح كبير وفرح عارم بدد شكوكهم في احتمالية إفلاتها من المساءلة القانونية، وأكد نجاحهم في تواصل تحقيق العدالة التي نادوا بها خلال شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة.

ولكن تظل كل المزاعم والتهم الموجهة للسيدة وداد بابكر، على إيمان المعارضين بها، تحتاج إلى فصل قانوني دقيق ومحاكمة عادلة لتتحول إلى أحكام مثبتة تستحق العقاب وتتوجب التنفيذ.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد