شعاع من ضوء يتم تسليطه على بقعة من الأرض، من فضلك انظر هنا.

بقعة أخرى تعج بالأحداث، والظلام أيضًا فلا شعاع مسلط عليها ولا ضوء، من فضلك لا تنظر هنا إن ثمة أياديَ حاقدة تتحكم في شعاع الضوء، تسلطه حيث تشاء، وتمنعه عمَّن تشاء.

طامعة أن تظل العيون معلقة عليها وعلى يديها تدور حول الضوء ولا تنفك عنه، وفي ظل انشغالها لم تنتبه أن بضعة أحداث وقعت مؤخرًا خلفت وراءها عقولاً واعية وعيونا نافذة، بل خلفت وراءها أيضًا أياديَ تمسك بشعاع من ضوء هي الأخرى تسلطه حيث تشاء. لذلك كان لزامًا أن نسلط نقطة ضوء هنا.

ثمانون عامًا من الأسر يعاني 12 مليون مسلم سني ويلات الاحتلال. يسمون (بالأحواز). الأحواز (عربستان) شعب عربي سني يسكن الشمال الغربي من إيران بمحاذاة العراق. وشأنهم؛ فقد وقعت الأحواز فريسة لسيطرة الفرس (إيران) في 20 أبريل 1925. فباتت أسيرة الاضطهاد والظلم، ولم يتحرك العرب ولم يحركوا ساكنًا.

وظلت الأحواز من وقتها تعاني الأمرين من حكم صفوي غاشم، لم تتوقف لحظة عن مقاومته. الأحواز قطعة منهوبة من أرض الوطن العربي تصل مساحتها إلى 375,000 ألف كيلومتر مربع. أرض خصبة غنية بالبترول والغاز الطبيعي والكثير من الثروات ولكنها تئن تحت الأسر.

شعب عربي محروم من لغته العربية الحبيبة المقربة إلى نفسه وممنوع من أن ينطق حروفها ولا أن يقرأ القرآن بلغته العربية بل بالفارسية، والتعليم إجباري في المدارس باللغة الفارسية، ومع كل ذلك الطلبة الأحواز لا يأخذون فرصهم ولا أماكنهم في الكليات العسكرية.

شعب الأحواز، محروم من ممارسة عاداته وتقاليده وعليه أن يمارس عادات وتقاليد المحتل الغاصب.

إن احتلال إيران للأحواز فاق إجرامه إجرام الاحتلال الصهيوني. فالعدو الصهيوني لم يمنع حماس من أن تسمي أبناءها بأي اسم أرادت، في حين أن العدو الإيراني المحتل يمنع الأحواز من تسمية أبنائهم بأسماء مثل أبي بكر، وعمر, وعثمان، ويجبره أن يسمي (الحسين وكاظم وذبيح الله، وصديق الله،… إلخ).

يريد بذلك أن يجعل كل ما حوله فارسيًا ويؤصل لذلك بكل قوته. وإذا كان الاحتلال يتحكم في أسماء المواليد فهل تتوقع أنه ترك أسماء المدن والشوارع؟ كلا. إنه يريد أن يحول شعب الأحواز إلى مستعمرة فارسية.

ومع ذلك فقضية الأحواز لم تلق أي دعم من الحكومات العربية وشعب الأحواز لم يلق أي اهتمام من أي من المحافل التي تتغنى بحقوق الإنسان.

كان من الممكن أن تتبنى الحكومات العربية قضية الأحواز ومأساتهم وأن تركز عليهم وعلى معاناتهم وأن توثق المجازر التي ترتكب بحقهم. كان من الممكن أن ترفع قضايا في المحاكم الدولية ضد إيران؛ هذا العدو المحتل الغاصب.

لكن شيئًا من هذا لم يحدث.

بل إن العلاقات التجارية بين إيران والدول العربية في أزهى عصورها. لماذا ترك الحكام العرب الأحواز وحدهم؟ ولم ينصروا قضيتهم؟ أين التركيز الإعلامي على شعب الأحواز وعلى معاناته؟ لماذا لم تتكلم جامعة الدول العربية عن انتهاكات حدثت ومذابح وقعت ضد هذا الشعب المسلم العربي؟

وتبقى الأحواز وحدها هي من تحارب وتقاوم. مثلها مثل حماس تعيش حالة من الانتفاضة الدائمة.

مثلها مثل حماس في تقديم الشهداء من هذا الوطن العربي والإسلامي, وكما أن قادة حماس وعلماءها مستهدفون فإن الأحواز كذلك يتم تصفية علمائهم وقادتهم في المساجد تارة وفي البيوت تارة.

بل إن العدو الفارسي تفوق على نظيره الصهيوني في البشاعة والوحشية، ولذلك فإن أوجه شبه تجمع بين حماس والأحواز وهي (مقاومة المغتصب في زمن ماتت فيه النخوة العربية، فحماس والأحواز يجمع بينهما الكثير من الأشياء المشتركة):

1- كلاهما شعب صاحب قضية (قضية الوطن المسلوب) ولا هَمّ لهم إلا استرجاع حقوقهم المسلوبة، في الوقت الذي اكتفت الشعوب العربية بالمشاهدة عن بعد.

2- كلاهما رأس الحربة وقائد العزة وراية الجهاد المرفوعة في وجه أعداء الأمة تعلن في كل دقيقة عن وجود رجال لا يقبلون الضيم مازالوا في مكان ما، لا همّ لهم إلا تحرير الأمة من أعدائها.

3- كلاهما انتفاضة دائمة تضرب في جسد المحتل وشوكة في حلقه تؤرق مضجعه وتمنعه من الاستقرار والهدوء.

4- ملامح مشتركة جمعت بين حماس والأحواز في أنهما كشفا في وقت واحد عن مدى تخاذل الحكام  العرب وعمالتهم لأعداء الأمة.

5- كشفت عن أن الحكام العرب باتوا يغردون في سرب والشعوب تغرد في سرب آخر مختلف تمامًا.

6- كشف كلاهما أن الحكومات العربية باعت كل مقومات قوتها الأصلية واشترت بدلاً عنها صورة وهمية لشيء اسمه القوة، باعت شعوبها واشترت إسرائيل وإيران، باعت أرضها واشترت أراضيهم، باعت جيوشها واشترت جيوشهم بالرغم من أن ذلك فيه هلاكها ونهايتها المحتومة.

7- حماس والأحواز ورقة لو أرادت الحكومات العربية أن تقضي بهما على إسرائيل وإيران، لفعلت أو على الأقل حجمت من مطامعهم.

8- إسرائيل لم تخفِ يومًا حلمها في السيطرة من النيل للفرات، وكذلك إيران (بلاد فارس) التي تكن كل الحقد للإسلام والمسلمين الذين كانوا سببًا في القضاء على إمبراطورية الفرس، وتعمل على إعادة ملكها ولا تخفي ذلك أيضًا، بل مثلها مثل إسرائيل تلعب على المكشوف، كان بإمكان الحكومات العربية وقف مد هذه المطامع بالوقوف جنبًا إلى جنب بجوار حماس والأحواز ودعمهم بالمال  والسلاح بدلاً من دعم الانقلابات والحكومة الصهيونية.

9- كل من الأحواز وحماس أيضًا يلعب على المكشوف ويعلن المقاومة، ويعلن معها خيبة أملنا في حكامنا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد