يكاد المرء يحسب أن تركيب كاميرات مراقبة في الساحات الخارجية للمسجد الأقصى المبارك حلًا سحريًا ظفرت به السلطات الأردنية لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما في ظل إصرارها عليه رغم تحفظ جهات فلسطينية عديدة، يتقدمها أهالي مدينة القدس المحتلة، باعتبارهم أدرى بشعاب الأقصى، والحركة الإسلامية الناشطة في مجال حماية المسجد المبارك والدفاع عنه، مثيرة بذلك علامات استفهام كثيرة.

فمما يثير الريبة، أن تركيب الكاميرات يأتي في سياق اتفاق أردني إسرائيلي رعته واشنطن، بعد اندلاع انتفاضة القدس مطلع أكتوبر الماضي، فهل تسمح سلطات الاحتلال بتوثيق جرائمها؟! وهل الإدارة الأمريكية بحاجة لكاميرات لمنع اقتحام المستوطنين لباحات الأقصى؟! وهل تعول السلطات الأردنية على لقطات مصورة لوقف مسلسل طويل من الانتهاكات الإسرائيلية لحرمات المسجد الأقصى؟! وهل تبالي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالمنظومة الدولية في ظل تنافس الإدارات الأمريكية على كسب ودها؟!

ويكاد سيل الأسئلة لا يتوقف، فهل التسجيلات السابقة لانتهاكات الاحتلال بحق المقدسات الإسلامية، والتي شملت تمزيقًا لمصاحف، وحرقًا لأبواب الأقصى، وتكسيرًا لزجاجه، وعبثًا بمحتوياته، غير كافية لإدانة الاحتلال في المحافل الدولية؟! وهل ستكون السلطات الأردنية أكثر ملكية من السلطة الفلسطينية المترددة في محاكمة الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية ذات الاختصاص رغم كثافة الملفات المُدينة للاحتلال؟ وعلى رأسها ملف الجرائم التي وثقها تقرير غولدستون الشهير حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008.

إنه لمن المؤسف أن تنبري السلطات الأردنية الوصيَّة على الأوقاف الإسلامية في القدس لمشروع الكاميرات بهذا الحماس وكأن الانتهاكات الإسرائيلية بدأت أمس، أو كأن الاحتلال الذي بإمكانه منع تركيب الكاميرات سيتوقف عن اقتحاماته وعدوانه على المقدسات الإسلامية بعد تركيبها! فهذه ادعاءات أوهى من بيت العنكبوت، ولا تنطلي على أصغر طفل مقدسي، فضلا عن أن يقتنع بها المرابطون والمرابطات في باحات المسجد الأقصى المبارك.

إن اختصار السلطات الأردنية لدورها وجهودها في حماية المقدسات الإسلامية بمشروع تركيب الكاميرات أمر يدعو للأسى، ويثير الإحباط في النفس، فالمأمول والمتنظر أكبر من ذلك بكثير، لاسيما في ظل المكانة التي يحظى بها المسجد الأقصى في العقيدة الإسلامية باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الأمة الذي دعا لشد الرحال إليه، فضلًا عن تصدره آيات سورة الإسراء الحافلة بالحديث عن بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض.

والغريب أن يسمح الاحتلال بإنجاز البنية التحتية اللازمة لتركيب الكاميرات من تمديد الأسلاك وفحص واختيار الأماكن المناسبة والتجهيزات الكهربائية اللازمة في الوقت الذي تشكو فيه الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات من تعنت الاحتلال ورفضه تنفيذ مشاريع الترميم لمرافق المسجد الأقصى المبارك، فأيهما أولى باهتمام السلطات الأردنية؟! وأيهما أكثر أولوية بهذا السياق؟ لاسيما في ظل تهالك وتلف بعض مقتنيات المسجد الأقصى نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المتواصل.

وأحسب أن وسائل الإعلام العربية والدولية حافلة بالمشاهد الموثقة لجرائم الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك، بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها، وبالأخص المواقع الإلكترونية الخاصة بالمستوطنين، تزخر بمشاهد اقتحامهم وانتهاكهم لباحات وحرمات المسجد، ومن ذلك ممارستهم لطقوسهم التلمودية واستفزازهم المتواصل للمسلمين، إذ يروجون ذلك بكل افتخار وزهو، بل بكل غطرسة وصلف معهود، وبإمكان السلطات الأردنية الاتكاء على هذه المشاهد الطافحة بالعنصرية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي إذا كانت جادة في ذلك.

لا شك أن السلطات الأردنية مدعوة لإعادة النظر في مشروع تركيب الكاميرات لمخاطره الأمنية الواضحة على المرابطين والمرابطات في باحات الأقصى، فضلا عن وهن مبرراته في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة وقدراته التكنولوجية التي تؤهله للاستفادة من الكاميرات أكثر من السلطات الأردنية ذاتها، كما أنها مطالبة بخطوات عملية وجادة لحماية المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة، وترجمة شعاراتها بهذا الخصوص على أرض الواقع.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

الأقصى
عرض التعليقات
تحميل المزيد