لا يختلف الواقع اليوم الذي يعيشه علويو سوريا عن الواقع الذي عاشوه سابقًا؛ فخيارهم دومًا كان الخيار الخاطئ والصعب، فعرف عنهم منذ انهيار «الخلافة العثمانية» ولاءهم للمستعمر؛ بظنهم أنه المنقذ لهم والمخلص من حكم السنة في سوريا، فبعد توجههم لفرنسا وإرسالهم الرسائل السرية لحكومتها؛ طلبًا منها الحفاظ عليهم، وإبقاءهم في معزل عن الصراع المزعوم مع السنة، وهذا ما ناله «حافظ الأسد» لاحقًا، والذي وقع جده «سليمان أسد» على الوثيقة المشهورة التي طالبت فرنسا بعدم الانسحاب من سوريا.

ومن هنا بدأت مراحل وفوارق الطائفة العلوية بالظهور، بعد إهمالهم فترة «الديموقراطية القصيرة» التي وفرتها حكومات عدة، بعد خروج فرنسا وإنهاء الانتداب، وصولًا إلى بداية حكم «ديكتاتوري» جعلهم أكثر فقرًا وعوزًا، ونما الجهل فيهم وقسمهم إلى طبقات وفئات.

فبنظرة واقعية لهم نجد مشاكل وتفكك ضمن هذه الطائفة، وقد نجح «حافظ الأسد» في بناء التفرقة بينهم، فأصبح علويو الجبل مختلفين عن العلويين في المناطق الأخرى، وأعلى مكانة منهم، إضافة لخضوعهم لتقسيم آخر، هو: تقسيم علويي الجبل أنفسهم إلى فئات؛ حسب تيارات داخل الطائفة إلى «حيدرية – وكلازية» تنتمي لها عائلة الأسد، والتي تعد الأكثر تشددًا في النظرة للسنة في سوريا، إضافة لكونها المتسلطة والحاكمة دينيًا لباقي فئات الطائفة العلوية.

وأسهم هذا الدعم الذي تلقته فئات معينة من الطائفة في خلق حالة الفقر العام ضمن الطائفة نفسها؛ إذ استفادت عائلات فقط من قربها من «ديكتاتورية حافظ الأسد»، فلم يصلوا طوال فترة حكم الأسد الأب والأسد الابن في سوريا لمرحلة المدنية أو القدرة على  والتطور، وبقوا متقوقعين في قرى وبلدات صغيرة يلاصقها الفقر  والجهل، ينظرون لأدنى وظائف الدولة كنظرة المخلص لهم ، وباب من أبواب الارتزاق؛ كون الفئة الحاكمة دعمتهم فقط في هذا المجال، دون أفق آخر لهم، فتغولوا في أجهزة الأمن والجيش واكتسبوا طبيعة الاستبداد، الذي انعكس سلبًا على صورتهم في النسيج السوري، حتى اكتسبت لكنتهم حقدًا خاصًا عند باقي الطوائف، وخاصة السنة؛ كونهم النموذج الكفء للبناء والتطوير في سياق الدولة، وبدأ نوع من الصراع بين العلم الذي امتلكته الطائفة السنية والعسكرة «الجاهلة» بيد الطائفة العلوية، ومع قيام الثورة وجب على  الطائفة العلوية أن تدفع الثمن؛ إذأصبحوا أوراقًا تحرق ودروعًا للعائلة الحاكمة.

وهنا نسأل لماذا الولاء الأعمى لآل الأسد؟ وهذا السؤال يحمل في طياته الكثير من الأبعاد، منها البعد الديني، وهذا البعد هو بعد معتبر جدًا لدى العلويين؛ فالنظام لديه مفاصل رجال الدين الذين لا يمكن عصيان أوامرهم من قبل العوام، فما يقوله أصحاب العمائم لديهم هو الصواب ولا مجال للنقاش فيه، كما في حالة رجال الدين الشيعة، فضلا عن أمر آخر: فلا تعتبر المرأة في طائفتهم صاحبة روح، وهي كما الحيوان أو النباتات والأشجار، ورجال الدين وقفوا موقفًا واضحًا من النظام، وهم معه حتى النهاية، وأما البعد الآخر هو بعد البقاء، فالعلويون يفضلون نهاية على طريقة «شمشون» في الوقت الحالي، بعد حرق ورقة الغفران التي كان لها أن تشفع لهم في حال انسلخوا عن العائلة الحاكمة، ولحقوا بركب الثورة.

وفي الوقت الحالي أصبح شباب الطائفة عبارة عن أعداد في المعارك، ومجموعات من قطاع الطرق تجوب الساحل والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، مع ظهور مشكلة الفساد الأخلاقي ضمن مناطقهم، فحقوق المرأة لا تحددها الأخلاق، وتعتبر كسلعة فقط يتاجر بها، وتجلت حالة الانحلال الأخلاقي بعد تفشي اغتصاب الأرامل، مع غياب رقابة حقيقية للنظام في مناطقهم.

هذه نتيجة حتمية لهذه الطائفة، لا خلاص منها، بعد إغلاقهم لكافة طرق العودة وإحراقهم لورقة الغفران التي أبقتها الثورة مفتوحة لأقصى وقت ممكن، فمصيرهم بعد زوال الأسد، ليس مصيرًا مجهولًا؛ فالمجرم منهم سيعاقب، والثلة المقربة من عائلة الأسد سترحل معه، أما من ليس له ذنب فعيشه في سوريا مربوط بكفاءته، وهم قلة قليلة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

العلويون
عرض التعليقات
تحميل المزيد