تفضل بقدمك اليمين، واتل المعوذتين، فنحن بصدد رحلة زمنية قصيرة طويلة. فلنبدأها بسلام.
تعال أيها الرجل الثلاثيني أو الأربعيني، تعال واجلس بجواري، تعال واستمع ونظف آذانك، تعال واسمع شهادة مراهق حول أيامك.
بعد انتهاء حلقة مسلسل «العن المخرجين والممثلين وادخلوا جهنم أجمعين»، وبعد أن فرغت من جرعتي اليومية من السب واللعن، أدرت جهاز الفيدو القديم – لحسن حظي أنه مازال يعمل – ووضعت شريط فيلم «الكيف» وجلست «أتكيف» بالفنان «محمود عبدالعزيز»، فقد «طاخ الشكرمون في الطرالولي»، و«يحيى الفخراني»، وهو يسعى لانتشال أخيه من هذا الوحل فزلت قدمه هو الآخر، و«البهظ بيه والشاي المُحلى بنشارة الخشب»، و«الزبائن الذين غضبوا حين كَفّ البهظ بيه عن غش الشاي», لحظة! الزبائن!
نعم الزبائن، هم صلب الموضوع في الأصل. لنعد إلى صلب الأمر، الزبائن كيف لهم أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ أهم مجانين؟ أم فقط تعودوا على الذي هو أدنى؟ دعنى من هذه المسألة، فتلك مسألة نسبية، يمكن أن يكون الشاي المحلى بنشارة الخشب ألذ بالنسبة لشخص ما، والعكس صحيح.
أتذكر أيها الرجل الثلاثيني (أو الأربعيني) في صغرك؟ أتذكر فيلم الكيف؟ وكيف ساهم في محاربة ظاهرة الإدمان؟ وكيف شوه صورة المدمن، وصوره لك في صورة «الدهلكة» وحين نصحك بوجوب أن «ندوش الدوشة بدوشة أدوش من دوشتها عشان متدوشناش».
دعنا من هذا إن لم تتذكره، أتذكر فيلم «جري الوحوش»؟ أتذكر الآداء المبالغ فيه من «نور الشريف» حين أصابه الشلل؟ لكنه مما لاشك فيه قد رسخ في نفوسنا قيمة الرضا بقضاء الله، والآية القرآنية في نهاية الفيلم بصوت «حسين الشربيني».
أتذكر «برنامج العلم والإيمان»؟ أتذكر «الدكتور مصطفى محمود رحمه الله»، بطلَّته التي كانت تشعرنا بأننا أقلقناه من نومه وقت إذاعة البرنامج، ولا جدال في أنه ساهم بشكل كبير في نشأه العلم المبسط الذي يجسده لنا اليوم في قنوات «اليوتيوب» شباب مثل «الدحيح، إيجيكولوجي، عنداوي». نجلس أمامه كبار وصغار وشيوخ وشباب، ليأخذنا في طرفة عين من الطب إلى عالم البحار إلى علم النفس، ونهاية البرنامج المفاجئة الذي يقطع فيها الدكتور حبل خيالنا بجملة «وإلى لقاء آخر إن شاء الله».
برنامج «نور على نور» لـ«الشيخ محمد متولي الشعراوي» في ضيافة الإعلامي «أحمد فراج»، وفي حلقات أخريات كان يظهر الشيخ الشعراوي في المسجد، ويحفه المستمعون والمنصتون من كل جانب، ترى كم شعراوي وقع عليه سقف الذوق العام اليوم ودفنه تحت أرضٍ نتنة؟ أو كم شعراوي لم يجد من يستمع إليه، لكنه وجد من الحشود من يشوهه ويكذبه؟
وبرنامج أجمل الزهور لـ«ماما نجوى» التي ظهرت ببرنامجها الجديد الذي يعرض على إحدى القنوات الخاصة، علمت ماما نجوى أن كلامها عن الأخلاق والقيم في برنامج «أجمل الزهور» «مبيأكلش عيش»، فظهرت لنا في حلتها الجديدة، لكن يجب علي أن أعطيها حقها؛ فهي كانت كل ليلة تأتي بصفة جديدة لتتحدث عنها في شكل قصة قصيرة.
حتى أكون منصفًا، تلك البرامج لم تكن هي السائدة في أوقاتها، بالطبع كانت هناك بعض البرامج التافهة، والمنعدمة المضمون، لكنها انعدمت الآن.
هناك خط رفيع جد بين الترفيه والتفاهة.
لنعد إلى الأمام كما عدنا إلى الوراء، فستجد القنوات حاليًا عبارة عن إعلانات، يتخللها برامج. حصرت البرامج على ثلاثة أنواع، لا رابع لها «البرامج الساخرة، برامج التوك شو، وبرامج الطبخ»، حتى البرامج الرياضية تحولت اليوم إلى برامج «توك شو». ولن أنسى قطعًا برامج المسابقات، التي بعضها للغناء، والبعض الآخر للرقص، ولفت انتباهي أننا تجاوزنا الجزء السابع عشر في معظم برامج المسابقات الغنائية، هنا لدي سؤال: هل سنحضر الفائزين في هذه البرامج في برنامج واحد، ونحدد أيا منهم الأفضل؟ أم فقط سنظل ندور في هذا الـ «Loop» اللا نهائي؟
الصوت المسموع حمل كبير على صاحبه، الخط المقروء قد يشعل الحروب، الإعلام يتحكم ـ بشكل مباشر وغير مباشر ـ في كل تفاصيل حياتنا، حتى «إفيهات» الأفلام نرددها كثيرًا.
إصلاح الإعلام يبدأ معه إصلاح كل شيء، حينما تحول الإعلام والفن إلى أداة لجني الربح المادي تحول كل شيء من سيئ إلى أسوأ. رزقني الله بفرصة لنشر هذا الكلام المتراص، ويزداد خوفي مع كل حرف يخطه قلمي.
الصوت المسموع مسؤولية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست