يسمّيها النظام حملة انتخابية، ويسمّيها الجزائريون: هملة، والهملة تأنيث للفظ العربي هَمَل، الذي يعني كل شيء متروك بلا رعاية، وتقول العرب: هملت الإبل، أي تركت تسرح بلا راعٍ.
ويقال عن الشاب المتسكّع الذي لا عمل له شابّ هامِل، ونجد كما ترون أنّ الهملة هنا أبلغ من الحملة، إلا إذا كان المقصود بهذه الأخيرة وصف هؤلاء الذين ينشّطونها بأنّهم يحملون أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم، وهم كذلك، فقد حملوا وزر الشباب الهامل المعطّل عن العمل والإبداع، ووزر شعب يائس أغرقوه في السفاسف، حتّى لم يعد في وسعه أن يسمعهم صوته الانتخابي، ولم يعد يعنيه إن فاز العلماني أم الإسلامي، بعد أن خبرهم، وعرف أنّهم تجّار انتخاب، لا أكثر، مجرّد مترشّحين، يرشحون – من الرشح بمعنى النضح – سفالة وكذبًا ووعودًا علّموا الناس أنّها قيد الإخلاف، قبل وصولهم إلى المناصب أصلًا.
لكلّ أحد من اسمه نصيب، ولكلّ نائب برلماني نائبة من شرّ النّوائب يحملها في حملته الانتخابية، فهو بذلك حمّال نوائب يرى في عضوية مجلس الشّعب فرصة للتّمثيل على النّاخب، بدلًا عن تمثيله، ومناسبة ليغرف من أموال الرّيع، بدلًا عن سنّ القوانين والتّشربع، والحبل على الجرّار، ويد النائب تجرّ الشعب نحو المهلكة!
قبل أيّام رفعت السلطة شعار: سمّع صوتك؛ لتحثّ المواطنين على المشاركة القويّة في الاقتراع، وكأنّ هذه السلطة الغبيّة لم تسمع أصوات الطلبة والأطباء والبطالين والأساتذة الذين لا يوقفون احتجاجًا إلا ليبدأوا آخر، ولم تسمع أصوات أمّهات المفقودين وأصوات المشرّدين، ولا أصوات المرضى الذين صاروا لا يخافون المرض بقدر خوفهم من الإهانة، أصوات لا تتوقّف، وصراخ لا ينتهي، وأنين متواصل، تصمّ الحكومة أذنيها عن سماعه، وتريد أن تسمع – أو بالأحرى تعدّ – أصوات التزكية في الانتخابات؛ لتنال شرعية جديدة لخمس سنوات أخرى تكفي اللصوص ليسرقوا أكثر، وتكفي المتزلّفين ليرتقوا إلى أعلى، وتكفي الشّعب ليموت ميتة رومنسية بطيئة.
قبل أيام وصف مسؤول في الدولة مقاطعي الانتخاب بأنّهم: حرايمية، وهي عبارة مخففة تعني أبناء حرام، مع ما في ذلك من معرّة وبذاءة واعتداء على شعب برمّته، ووصف غيره من رؤساء الأحزاب الحاكمة، وتلك المعترضة على الحكومة، وليس على الحكم، وصفوا من لا ينتخبون بأنهم: غير وطنيين، وأنا شخصيًا لا تزعجني الصفة ما دام الوطن للحكام واللصوص والوطنية للسّذّج، طبعًا أتحدث هنا عن المفاهيم المعلّبة التي يسوقها هؤلاء، ولا أقصد المفاهيم النقيّة للوطن والوطنية والمواطنة، وهي مفاهيم لا يفقهها من يتفوّهون بها، ولا يدركون الفروق الموجودة بينها.
في الجزائر يقول الأجداد: العام الزين يبان من خريفو، وكذلك الانتخابات دلالاتها من خطابات المترشحين، والهزال سمة تلك الخطابات، لذا لن ننتظر بعد أسبوعين من الآن أن نسمع صوتًا يعلو على أصوات المقاطعة والعزوف واللامبالاة، أنا لن أنتخب، ولن أسمعهم صوتًا، عدا صوت التمرّد والثورة عليهم، ولو لم يبق من العمر إلا ساعة؛ لقضيتها في شتيمة الخلفاء. كما قال أحمد مطر؛ لأن التخلّف بسبب الخلفاء، والقصور – العجز – يأتي من أصحاب القصور، وقبل أن ننتخب علينا أن ننتحب ونلطم الخدود على حال وطن أصبحت فيه قيمة المواطن أرخص من ورقة الانتخاب!
بعد أسبوعين ستنتهي الحملة، لكن الهملة مستمرة، وسيختفي المترشحون، لكن مخلفاتهم العفنة ستظل تزكم الأنوف، البرلمان سيعمر بالانتهازيين وأصحاب الكروش القابضين على القروش الطامعين في العروش، أما الوطن فسيخرب ما تبقّى منه، ويُنهب ما سلم من أيادي السابقين بأيادي اللاحقين، فهم خير خلف سارق لخير سلف لصّ، واللصّ في أوطاننا يرتقي في المراتب؛ ليصبح رئيس عصابة، ثم نائبًا، ثم وزيرًا؛ لينتهي رئيسًا للجمهوية، والجمهور يشاهد!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست