أصبح الوضع الثقافي في الجزائر حديث الساعة في ظل الممارسات الإقصائية التي يقوم بها مسؤولو القطاع؛ مما أدى إلى استنكار شديد واحتجاجات لعدد من المثقفين والفنانين وإطارات القطاع والجمعيات للمطالبة بفتح باب الحوار الثقافي وإدماج كل الأطراف لتشكيل الوجه الثقافي الجديد للجزائر الذي غاب عن المحافل الدولية منذ سنوات عديدة.
مقام الشهيد أو رياض الفتح هو مؤسسة ثقافية كبيرة أنشئت في سنة 1982 لها مقومات تجعلها من أكبر المؤسسات الثقافية في البلاد نظرًا لمساحاتها الشاسعة التي تصل إلى 40 هكتارًا، نصفها أماكن غابية، لها إطلالة بانورامية رائعة، وتحتوي على مركز تجاري ضخم فيه الكثير من المحلات ويعلو هذا المركز التجاري ساحة كبيرة وكبيرة جدًا لإقامة مختلف التظاهرات الثقافية والتجارية، وفيه أيضًا متحفان: متحف للشهيد، ومتحف عسكري، بني هذا الصرح في وقت الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد ليعبر أو ليرمز إلى مختلف المراحل التاريخية للثورة الجزائرية التي تمثل تضحيات شعب قدم مليون ونصف مليون شهيد فداء لحرية الجزائر والجزائريين.
هذا الصرح الثقافي الآن أصبح يمثل جزءًا من واقع القطاع، حيث أصبح في وضعية محرجة نظرًا لانعدام النشاطات الثقافية والنشاطات التجارية بشكل شبه كلي، كذلك لأن جل محلاته مغلقة لأسباب غير معروفة أو أسباب تحوم حولها العديد من الشبهات، مما أدى إلى هروب الزوار إلى الأماكن الأحسن من ناحية الخدمات والنشاطات، ومنهم من اختار أماكن أخرى لهروبه من الواقع الأمني الذي أصبح كارثيًا، خاصة وقت المغرب، أي وقت نزول الظلام إلى ساعات متأخرة من الليل ففي هذا الوقت هناك الكثير من الاعتداءات بالسلاح الأبيض، والضرب وآفات اجتماعية أخرى، هذا ما يعكس حالة من الخمول أو الفشل في تسيير هذه المؤسسة من طرف إدارتها، وهذا ما يؤكد عليه بعض أصحاب المحلات والعمال داخل ديوان رياض الفتح بقولهم إن مسؤولي المؤسسة ليسوا في مستوى التسيير المطلوب لتحريك عجلة التنمية داخلها وأكدوا على أن من يسيروا الأمن، أي مسؤولو الأمن هم من أصحاب المستوى التعليمي المتدني، وقد حصلوا على ترقيات عن طريق النقابة بطرق غير قانونية من طرف المدير العام، وهذا بمقابل إسكات العمال وربح نوع من الهدوء في الجانب الاجتماعي، وأكد البعض أن ما يحدث داخل المؤسسة هو عبارة عن مشاكل ناتجة عن شبكة من العلاقات وتداخل المصالح مما يجعل الأمر معقد لحل مشاكلها بطريقة سهلة، فالأمر في رأيهم يستدعي تدخل من أصحاب القرار لأن رؤوس كبيرة يمكن أن تكون وراء حاله الآن، ويمكن أن يحال الملف للتحقيق أو القضاء، ولا يستبعد سجن الكثير من المسؤولين داخل وخارج المؤسسة، وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي ووالي ولاية الجزائر السيد عبد القادر زوخ قاموا بزيارة هذا الصرح واعترفوا بتدهور حاله في كل مناطقه، سواء في المركز التجاري أو الغابة التي تطل على الشريط الساحلي للعاصمة الجزائر أو المناطق الأخرى وتنكروا لهذا الواقع ليقرروا إعادة النظر فيه وإعادة بعثه من جديد، إلا أن القرارات والوعود لم تثمر لعدم وجود رغبة واضحة من المسؤولين المكلفين بتسيير الصرح تحت غطاء الديوان، وكذلك لتناسي الوزير لقراراته وإحالة ملف أكبر مؤسسة ثقافية إلى الأرشيف في مشهد يعكس الواقع العام للثقافة الجزائرية.
ليبقى السؤال مطروح إلى متى يبقى مقام الشهيد والثقافة الجزائرية مغيبين!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست