إن شريحة الشباب تعتبر ركيزة هامة لكل تركيبة اجتماعية نظرًا لعدة مقومات وعوامل يكتسبها الكائن البشري في تلك الفترة من العمر بيولوجيًا، وفيزيائيًا وكذلك فكريًا وثقافيًا، فالتاريخ الإنساني والأحداث الشاهدة على التغيرات المفصلية في الحضارات تثبت بشكل كبير أن هذه المرحلة العمرية تمثل مرحلة الذروة في دورة حياة الأفراد، والأعظم الأدلة على ذلك تمتد على طول شريط زمني شاسع، من كفاءة الألكسندر الأكبر وقوته في قيادة الجيوش وحسم الحروب، مرورًا بفجر الإسلام وعصوره الذهبية أين برز قادة ورموز ديانتنا الحنيفة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه والإمام علي كرم الله وجهه وسعد بن أبي وقاص وطارق ابن زياد وقائمة عظماء الإسلام طويلة، وصولًا الى عصرنا الحديث ومن أثبتوا أنفسهم في الساحتين السياسية والعسكرية كأدولف هتلر، وجون كينيدي وكيم جون أون وغيرها من الأسماء ذات الوزن القيادي التاريخي.
بعد ذلك المفترق لامس الشباب تغيرًا في منحى مسؤولياتهم التي ما لبثت إلا أن تم حصرها شيئا فشيئا على الأمور الاجتماعية أسفل السلم الشعبي، ورسخت فيهم روح الاتكال بالتدريج وباستعمال غرضي للأحداث الجيوسياسية في العالم بداية بهجمات سبتمبر 2001 وظهور الإسلام المتطرف الموجه.
بعد ثمان عشرة سنة من إقرار يوم عالمي لشباب سأسرد لكم ما صار عليه واقع الشباب الجزائري، اليوم أصبح الشاب الجزائري يستيقظ كل صبيحة ليفاجأ بأن لا مستقبل له ولقدراته في هذه البلد، صار فاقدًا للثقة في مسؤوليه ومغيبًا عن أوضاع بلاده، صار يحمل شهادات عليا ليزين بها جدران غرفته ويخرج ليعمل في المحاجر والمقاهي فيجمع بعض من أمثاله الأموال القليلة ليهاجر والبعض الآخر ليسابق عمره ويستقر في بيت مع شابة أحبها فأعيته ظروف مادية رخيصة، وبعض آخر لا يريد الاستفاقة من نشوة المخدرات التي يتعاطاها، الشباب قتل حيا على هذه الأرض، بات تفكير الجميع مركزًا على تحقيق الاستقرار المادي بعيدًا عن إشكاليات التنمية والبناء والتطوير. لم يعد لخطابات الشيوخ السياسيين معنى ولم تعد تغري أحدا من جيل عمر الذروة، حتى أنا كاتب هذه الأسطر أعاني التهميش الثقافي و«الحقرة» السياسية وأكافح في كل ثانية تيار السيطرة على الحشد وتنويمه.
اليوم أيضًا فوجئنا بخروج البعض ممن شابت رؤوسه على الفشل في تسيير الوطن ليلومونا نحن الشباب على عدم ظفرنا بالفرص التي حرمونا منها، وقد زادوا الطين بلة حين أمطروا السماء بقروض مدعمة للشباب كي يخلقوا ثروة اقتصادية من مؤسسات وصناعات صغيرة غابت عنها الرقابة وكفاءة المستقبلين.
بعد ثمانية عشر سنة ماتت العير في البيداء عطشًا، والماء فوق ظهورها محمول واغتيلت أماني وأحلام الشاب الجزائري، بعد ثمانية عشر سنة لا نريد خطابات تحفيزية ولا أموالا تثرينا، نريد عودة مشعل البناء ومسطرة المسؤولية إلى أحضاننا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست