نعم لا بأس في ذلك، لأن قبول هذه العبارات ليس سهلًا، فقد قال العالم الفلكي روبرت ويلسون: «أنه وفي حالات كثيرة وعندما يحدث تغيير لنموذج جوهري في العلم، فإنه يستغرق جيلًا كاملًا لكي يتقبله الناس».
نقف هنا على بعد حوالي 13.7 مليار سنة نترقب لحظة الإنفجار الأول ذاك الإنفجار الذي سيتشكل منه الكون لاحقًا، وعلى الرغم من اختلاف نظريات نشأة الكون سابقًا، إلا أن تطور العلم خلال أقل من 100 عام جعل علماء الفيزياء وعلماء الكون يتفقون على نظرية واحدة هي نظرية الانفجار الكبير «البيج بانج» وتتمحور فكرتها حول ما يسمى «بالمادة والمادة المضادة» والتقاء هاتين المادتين الذي يؤدي إلى تلاشي كليهما، هذا التلاشي هو الانفجار العظيم، وهي النظرية التي دعمها القرآن الكريم منذ 1400 سنة، حيث قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ» ومنذ تلك اللحظة تمامًا بدأ الكون في حالة التوسع وما زال مستمرًا في التوسع حتى الآن، يقول تبارك وتعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
في واحدة من أفضل البرامج التي أقوم بمتابعتها ذكرت المذيعة البريطانية كلير فوريستير ببرنامجها الممتع «No Clash» أنه في عام 2004 انطلقت وكالة ناسا في مهمة لجمع عينات لتراب النجوم من الفضاء وإحضارها إلى الأرض ليتم تحليلها، وقد نتج عن هذا التحليل الخصائص الفيزيائية لهذا التراب، حيث وجدوا أنه لزج «مغطى بالمواد العضوية» ويبدو على شكل ترابة وهو التراب الذي يتصلب إذا اختلط بماء مثل الإسمنت والفخار، كما وجدوا أنه ناعم مصقول يحتوي على سيلكات ملساء وليست متبلورة. وفي دراسات أخرى وجد علماء أن ذرات هذا التراب مسودة «مثل القطران» وتحتوي حبيبات التراب على جيوب صغيرة من الماء، هذا الماء قد تشكل من اتحاد عنصر الأكسجين الذي نتج من تفاعلات النجم بعد انفجار «السوبر نوفا» مع ذرات الهيدروجين في الفضاء. ولم يكن هذا الاكتشاف لدى العلماء أمرًا جديدًا، فالآيات التالية من القرآن الكريم تدعم اكتشاف العلماء وتعطي تطابقًا تامًا لخصائص تراب النجوم، يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ) وقال تعالى: (إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) لازب بمعنى يلتصق، وفي آية أخرى: (ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) والحمأ يعني أنه مسود اللون كالقطران، أما المسنون فيعني الناعم والمصقول. لذا تقول كلير: لم يكن العالم الفيزيائي كارل ساجان يسخر حين قال: «نحن جميعًا مصنوعون من مواد النجوم».
يرى العلماء أن عناصر الكون تتلخص في ثلاث عناصر هي: الحديد المتصلب وصفها القرآن بكلمة «الصلب» ومصدره نواة النجم، والترابة التي تتحجر عندما تخلط بالماء وبما تحتويه من مختلف العناصر التي انبعثت من انفجار النجم «سوبرنوفا» وقد وصفت بالقرآن بكلمة «الترائب» وأخيرًا الماء والذي تشكل من انبعاث الأكسجين من انفجار النجوم واتحاد الهيدروجين الموجود في الفضاء معه. هذه العناصر الثلاثة مجتمعة تشكلت لتكوين أول خلية حية في الوجود بداية من السيتوبلاوم وحتى الحمض النووي DNA ومن هنا تطورت أشكال الحياة والمخلوقات. يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ). وقال تعالى: (وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ).
إن المجرات ومنذ الخليقة كانت وما تزال تتباعد عن بعضها البعض بفعل قانون الاتساع الكوني، ومع ذلك فإن هذا الاتساع لم يحجب التواصل فيما بينها، فنقاط جاذبية الكون تشكل نقاط اتصال لها، ستشعر بذلك تمامًا إذا وضعت خطاك في أرض الحرم المكي، هناك حيث بناء الكعبة والتي تمثل نقطة مركزية في الأرض شبيهة بنقاط الجاذبية الكونية، ستشعر هناك بعمق الاتصال بينك وبين الآخرين من كافة الأجناس والأعراق، ستشعر وكأنما تعرفهم منذ زمن بعيد.
هذا التقارب يؤكد لنا أن الله الخالق العظيم لم يخلقنا لحدود منطقة دون أخرى، كانت رسالة صريحة جدًا: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فيها) كما كانت رسالة صريحة جدًا أيضًا من النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة وعمرها وعمر ما فيها على الرغم من حبه وولائه لأرض مكة، ورسل وأنبياء كثيرون لم تضع الأقدار أقدامهم على بقعة من بقاع هذه الأرض إلا وعمروا بها.
هذا حال الوعي إنه ينقل الإنسان إلى فضاءات أعلى وأوسع ويكشف الحجب له لرؤية تكوينه ورسالته الحقيقية خلال رحلته، تلك الرسالة الواضحة التي تخبرك أنك لا تنتمي لحضارة ولا لبناء ولا لتراث ولا لبلد بعينه، وأن جميع هذه المكونات ما هي إلا أثر خطوات لإنسان مثلك وجد في منطقة ما وفي لحظة زمنية ما، ثم عاد إلى حيث انتمائه وتكوينه الحقيقي، تمامًا كحالة عبورنا الحالية والتي ستصبح جزءًا من تاريخ آخرين بعدنا. فليس علينا سوى أن نتقن العبور ونكون خير سكان لأمنا الأرض، ولا يعني ذلك أن يتخلى الإنسان ويهمل حضارات وتراث الأمم والأجداد، فإنما هي محطات وجب احترامها وتقديرها وهي رسائلهم إلينا تحكي لنا تجاربهم وتنبئنا من أخبارهم لنتعلم منها ونستفيد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست