لو تأملت صورتهم وهم يجلسون إلى جانب بعضهم على طاولة واحدة وتعلوهم صورة ياسر عرفات ومحمود عباس، ستجد بعضهم لا تهمهم القضية كثيرًا بقدر ما يهمهم حفاظهم على مناصبهم ومصالحهم الشخصية بعد التسوية، وآخرون يعلمون جيدًا كل ما سأقوله من حقيقة مُرّة، ويعلمون أكثر مما سأقوله بكثير، لكن ليس بيدهم إلا أن يُعوّلوا على عامل الوقت عسى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

بعد 11 سنة من القطيعة تتم المصالحة الآن.. لماذا؟!

في الحقيقة وبعيدًا عن السذاجة لو لم ترد أمريكا وإسرائيل تحقيق المصالحة، ولو لم ترفعا الفيتو عنها لما حصلت، لكن ما الدليل على ذلك؟ وما سبب اهتمامهم بتحقيق المصالحة الآن؟

كل المؤشرات تدل على أن المصالحة تمت بعد رفع أمريكا وإسرائيل يديهما عنها، بدايةً بأنّ الراعي الأهم للمصالحة كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حليف أمريكا وإسرائيل الذي تم دفعه لإنجازها، وقد تم الضغط على كلا الطرفين لتحقيق المصالحة، وانتهاءً بأن موكب رامي الحمد الله الذي يتوقف على حواجز جنود الاحتلال في الضفة الغربية قد سمح له بالدخول من معبر بيت حانون (إيرز).

لكن ما السبب الحقيقي وراء اهتمامهم بتحقيق المصالحة الآن؟

خلال قمة الرياض وما تبعها من اجتماعات بين الأطراف الدولية والإقليمية تم الاتفاق على صفقة سميت إعلاميًا بصفقة القرن حسب رؤية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وأهم بنود هذه الصفقة هو تصفية القضية الفلسطينية عن طريق تطبيع كل الدول العربية مع إسرائيل، وهذا ما يحصل فعلًا وعلى رأس تلك الدول مصر والسعودية، ثم عمل تسوية للقضية الفلسطينية يتم فيها ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وإقامة دولة في غزة وأجزاء من سيناء، أو إقامة شبه دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة الغربية، إضافة إلى غزة مع الاعتراف بيهودية الدولة، وبالنسبة لغزة يتم التعامل معها تدريجيًا فلديهم ما خططوه لذلك، حيث حاليًا يتم التنفيس عنها قليلًا من خلال رفع تدريجي للحصار وتحسين وضع الكهرباء وتحسين الأوضاع الصحية وإيجاد بعض فرص العمل وتحسين أوضاع المعابر وتقديم العديد من التسهيلات لأهلها، حتى يتم تمرير المخطط، ثم العودة للمطالبة بسحب سلاح المقاومة، طبعًا سيرفض الشعب تسليم  سلاح المقاومة فمعظم أهل غزة على قناعة بأن تسليم السلاح يعني (تسليم ذقوننا) للاحتلال، وحينها لا أحد منا يعرف ما سيحصل.

لكن ما علاقة المصالحة بصفقة القرن؟

حتى يذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتسوية يجب أن يكون هناك توافق فلسطيني عليه، ويعترف به الجميع وعلى رأسهم حماس التي تمثل القوة العسكرية الأكبر على الساحة الفلسطينية، والتي تعترف حاليًا بعباس رئيسًا للشعب الفلسطيني، وهكذا يمكن له أن يذهب إلى التسوية وهو ممثل لجميع الأطراف الفلسطينية، وحين تتم التسوية تكون قد انتهت الحاجة للمصالحة ويبقى تسوية سلاح المقاومة، وليس أدلّ على ذلك من تصريحات المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبيلات: التطورات التي تشهدها المصالحة الفلسطينية، تتناسب تمامًا مع رؤيتنا وجدول الأعمال الأمريكي الذي يريد أن يأتي الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات كهيئة واحدة تتحدث عن جميع السكان، وليس فقط كسلطة لا تمثل الفلسطينيين في غزة.

هذا هو السبب الرئيس لإنجاح المصالحة.. إزالة أهم العراقيل أمام التسوية

نجاح أو فشل تلك المخططات القذرة مرتبط بوعي الفلسطينيين وإدراكهم لحجم الخطر المحدق بقضيتنا والتعامل مع كل ذلك بحكمة ومسؤولية، والأهم هو وجود مصالحة حقيقة ووحدة متينة بين أبناء الشعب وجميع أحزابه وحركاته، مصالحة تجعل الجميع يبتعد عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة ويتخندق حول برنامج سياسي موحد ينصف القضية الفلسطينية، وينقذها من التصفية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد