خرج علينا الكاتب الصحفي شريف الشوباشي خلال الفترة الماضية بدعوة للتظاهر خلال الأسبوع الأول من شهر مايو المقبل من أجل خلع الحجاب، وذلك من أجل حصول المرأة على حريتها، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل المجتمعي بين رافض لهذه الدعوة ومهاجمٍ لها وبين مؤيد لها بشدة ومهاجم لمن يرفضها ويتهمه بالرجعية والتخلف.
الدعوة التي اتخذ مَن أطلقها في بعضها الآراء السياسية ومهاجمة التيار الإسلامي من أجل مزيد من الترويج لدعوته حيث روى الشوباشي أن التيار الإسلامي هو من وراء نشر الحجاب في مصر عقب نكسة 67 بالتأكيد على أن سبب هذه النكسة هي الابتعاد عن صحيح الدين والذي يعتبر من أوله التزام السيدات بالحجاب مضيفا أن خلع الحجاب سيكون بمثابة هزيمة له هو ما تبناه الاتحاد العام لنساء مصر أن هذه الدعوة في حالة تنفيذها ونجاحها ستكون بمثابة صفعة على وجه نظام الإخوان.
الدعوات التي خرجت من الشوباشي ومن يطلقون على أنفسهم تنويريين من أجل خلع الحجاب حتى تحصل المرأة على حريتها وكأن الأمر في حرية المرأة يتوقف عند خلع الحجاب، وكأن المرأة قد حصلت على حقها في التعليم والتعيين في الوظائف العامة والحق في الحياة كي يتوقف الأمر لدينا عند ضرورة خلعها للحجاب حتى تتمتع بكامل حريتها في المجتمع.
الدعوة التي أطلقها الشوباشي لا أرى فيها إلا أنها مجرد وجه آخر لتعصب التيار السلفي الذي يجعل هناك وصاية على عقل المرأة وقناعاتها، فالتيار الإسلامي يريد أن يوجه المرأة لارتداء الحجاب من أجل العفة وما يأمر به الإسلام من وجهة نظرهم، هو الآخر يريد أن تخلع المرأة حجابها كي تتمتع بحريتها بالإضافة لترويجها أحيانا ما يردده السلفيون ولكن على الجانب المعاكس بأن الحجاب لم يأمر به الإسلام.
لا أناقش هنا إذا كان الحجاب فرضًا أم عادة لأني لست متبحرًا في علوم الدين لكي أفتي فيه بل أني أناقش حاليا من أعطى كل طرف من الأطراف أن يمارس الوصاية على المرأة ويريد أن يفرض عليها ما هو مقتنع به دون الحصول على رأيها في هذا الأمر، وكأنها نعجة تساق حيثما يرى كل فكر.
سيدي، أود أن أبلغك بأن عددًا من غير المحجبات واللاتي خلعنه عن اقتناع أبدين استياءهن من هذه الدعوة العنصرية التي طرَحْتَها، معتبراتٍ هذا الأمرَ مهينًا للمرأة مثل من يجبر المرأة على ارتدائه خاصة أنك قلت أن هذا يعتبر من علامات التمييز العنصري بين السيدات، وهو ما ترفضه المرأة التي تعي حقوقها المهضومة من المجتمع والنظام والدولة.
الشوباشي يرى أن نسبة الجهل المتواجدة في المجتمع بالإضافة لانتشار الجماعات الإسلامية سببٌ في انتشار الحجاب مضيفا أن نسبة جميع من يرتدين الحجاب يرتدينه خوفًا من الأب والأخ، وأوافقه الرأي أنا أيضا في هذا الأمر أن الفتيات يمارس ضدهن العنف الأسري والمجتمعي في كثير من الأحيان من أجل ارتداء الحجاب.
لكن سيد شوباشي، هناك قضايا عديدة تلزم معالجتها للمرأة غير ما تدعو إليه ربما لم تصل بعد للطبقة الراقية التي تجالسها وتتحدث معها في السياسة والاقتصاد والفن والمجتمع، طبقة من المرأة طحنها الزمن والمجتمع والنظام بأزماتهم وأنسوها حقوقها وسط بحثها عن أبسط احتياجات ذويها.
هل سمعت سيدي عن المرأة المعيلة أو الغارمات القابعات في السجون، نعم هذه المرأة التي خرجت للحياة وتعمل بعد رحيل الزوج أو الأب لتدبير شئون الأسرة، ومنهم الغارمات اللاتي وقعن على كمبيالات مقابل بعض الأجهزة الكهربية لتجهيز ابنتها، مما أودى بها خلف قضبان السجن لعدم سداد فاتورة قد تدفعها كفاتورة عشاء أنت ومن تجالسهم من كبار القوم.
هذه السيدة يا سيدي لا تلتفت لترهات تقولها بضرورة خلع الحجاب من أجل استرداد الكرامة أو حتى لبسه، وكل هذه الأمور التي ستراها تافهة، وعليك أن تجرب هذا الأمر فانزل إلى بائعة الفجل أو اللبن أو من تقف في الأسواق المتنقلة والعشوائية تبيع من أجل إيجاد ما يكفي سد حاجتها اليومية وقل لها حتى تحصلي على كرامتك عليك خلع حجابك وطرحتك وقد تجد الرد وقتها لا يعجبك في أغلب الظن.
هذه المرأة سيدي، وهم كثر، لا تبحث عن إبراز جمالها وخلع حجابها بل هي تبحث عن حفظ كرامتها من الإهانات اليومية التي تطالها سواء في عملها البسيط أو الكبير، تريد حمايتها مما تلقاه من تحرش سواء كانت محجبة أو غير ذلك ولهذا أسباب يتورط فيها النظام الذي تسانده في النهاية، تريد البحث عن مستقبل وتعليم سليم لأولادها حتى لا يلقوا نفس مصيرها.
حرية المرأة يا سيدي بالحفاظ على كرامتها من السؤال والذل من أجل جلب المال وسط مجتمع رأسمالي متفعن، ولهذا كنت قد أوافقك بأن تكون هذه التظاهرة من أجل توفير ما يشبه معاشا شهريًا مناسبًا للمرأة المعيلة وإسقاط ديون الغارمات ومساعدتهم، هذه كرامة المرأة أنها لا تدخل السجن بسبب 1000 جنيه وليس التركيز على خلع الحجاب.
وأوافقك في أن التسلط الأسري يُرغِم عددًا من الفتيات على ارتداء الحجاب، ولكن بدلا من دعوة ستضر أكثر بحقوق المرأة كان يجب علينا أن نبحث كيفية التغلب على نسبة كبيرة من تلك الظروف التي تعيق المرأة عن الوصول لمبتغاها ونيل حقوقها العادلة والسليمة بدلا من الاستمرار في إهدار مزيد من الحقوق.
وعند بحث أبرز سطوة الأسرة والرجل ستجدها هي عدم الاستقلالية المادية للمرأة وعدم وجود دخل ثابت لديها هو من أبرز الأسباب التي أسست لتسلط الرجل على المرأة في أغلب قراراتها وإخفاء شخصيتها المستقلة طوعا أو كرها، حيث أنها ستكون في احتياج مادي دوما للرجل من أجل القدرة على العيش، وذلك نظرا لكونها غير قادرة على الحصول على ما يكفيها من مالٍ للعيش والحصول على حريتها الفكرية.
إن المعركة الحقيقية هي الاستقلالية المادية للمرأة والتي ستؤهلها للاستقلالية الفكرية، وهو ما سيؤدي إلى رفض ما يرفضه عقلها وقبول ما يتوافق مع قناعاتها، وكل هذا يحتاج قناعتها هي فقط دون التدخل من أي أحد سوى بالنقاش فقط.
الاستقلالية التي تمنعك أنت وأنا أيضا من الحديث باسمها وكأننا أوصياء وكأننا نفهم عنها، كأننا الأساتذة وهي التليمذة التي يجب أن تتبعنا لأن لديها عقلًا يعي ويستوعب ما تريد وما ترغبه، الاستقلالية ستكون خطوة أولى نحو هذا الأمر ويتبعها عدد من الخطوات من أجل دفع المجتمع لمنح المرأة حقوقها.
وفي النهاية أحب أن أقول لك أن في المجتمعات الليبرالية والمتقدمة حاليا لا يهمهم إذا كانت المرأة ترتدي حجابًا أم لا، الأهم لهم هو عملها وقدرتها على إثبات ذاتها فهل سمعت عن داليا مجاهد مستشار الرئيس الأمريكي، أو المذيعات المحجبات على القنوات الغربية الموجهة لبلدانهم، أو حجم الحريات للمحجبات في ألمانيا التي حصلن عليها مؤخرًا، أو دفاع المرأة عن المحجبة وسط دعوات عنصرية ظهرت بضرورة خلعها الحجاب؟ هذه هي البلدان الليبرالية التي تحترم الجميع، سيدي الليبرالي.
لكن قبل الختام لي سؤال واحد عن الداعي لهذه التظاهرة، هل ستحصل على تصريح بالتظاهر طبقا لقانون التظاهر؟ في حالة الإجابة بنعم لديّ سؤال تابع، وهو كيف من يطالب بحرية المرأة يسير وفقا لقانون يهدر الحريات العامة إلا إذا كان مدعيا بأنه من أنصار الحرية، وأحد العرائس التي يحركها النظام القائم من أجل إلهاء الرأي العام عن القضايا والأزمات التي تحيط بمصر حاليا والكبت والفساد الذي يعيشه المواطن، والذي يؤثر عليه. سيدي، أنتظر الإجابة.ulv
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست