“لا أفهم لم يجب أن نجلس جانبًا ونراقب دولة تسير في طريق الشيوعية نتيجة لعدم تحمل شعبها المسؤولية، المواضيع أكثر أهمية بالنسبة للناخبين التشيليين من أن تتركهم ليقرروها بأنفسهم”، إنه هنري كسينجر أيها السادة وزير الخارجية الأمريكي والذي صرح بهذه الكلمات عندما قام الرئيس التشيلي المنتخب بعد ثورة شعبية واحتجاجات عارمة سيلفادور الليندي بتأميم مناجم النحاس التي كانت تقع تحت سيطرة الشركات الأمريكية، والتي أكدت كل التحاليل التاريخية أن الولايات المتحدة هي من خططت ودعمت انقلاب الجيش بقيادة بينوشيه للإطاحة بالرئيس المنتخب سيلفادور الليندي، إنها باختصار شديد أيها السادة سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع دول العالم الثالث عندما يتعلق الأمر بمصالحها.
ومما ساعد بشكل كبير للانقلاب على الليندي أن حكومته التي جاءت بعد ثورة شعبية لم يكن أداؤها أداءً ثوريًا وكانت مخيبة للآمال في كثير من الأحيان مما أعطى الفرصة لأطراف الانقلاب الثلاثة وهم المخابرات المركزية الأمريكية، والمجلس العسكري التشيلي، وممثلي الرأسمالية التشيلية الكبيرة، وهي أطراف كانت متضررة من سياسات الليندي الاجتماعية التي جعلت تشيلي خارجة عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والرأسمالية العالمية، لا تتعجب عزيزي القارئ قد تعتقد أنني أتحدث عن الانقلاب العسكري المصري الذي وقع في 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، إنها نسخة أخذت بالكربون بكل تفاصيها، لمَ لا والمخطط الرئيسي لهذا الانقلاب وذاك هو جهة واحدة، إنها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي هي على استعداد لفعل أي شيء من أجل المحافظة عليها حتى وإن تطلب الأمر إلى قتل الملايين من البشر كما حدث عند إقامة الولايات المتحدة من الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين.
كيف يمكن أن تغير هذا؟
كيف يمكن أن يمتلك الشعب حق تقرير مصيره؟
كيف يمكن أن تجبر السلاح على الخضوع لك وأنت كشعب لا تملكه؟
كيف يمكن أن تسقط انقلابًا تدعمه الولايات المتحدة صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة ومصر بصفة خاصة؟
كتب الأديب المصري علاء الأسواني مقالًا بعنوان “كيف تنفذ مذبحة ناجحة” نشر في المصري اليوم بتاريخ 14 مايو 2012 في فترة المجلس العسكري، فبقصد الأسواني أو بدون قصده نفذ ما ورد في المقال بالنص في فض رابعة، لم لا قد يكون ما نكتبه اليوم سببًا من أسباب سقوط الانقلاب! كل هذه الأسئلة يمكن الإجابة عليها إذا كنت تعرف كل أطراف الصراع وقوتها وطريقة التعامل معها وكسرها وإجبارها على الخضوع لكلمة الشعب التي بطبيعة الحال لن تكون مع مصالحهم، وهذا يخص جميع المنتفعين بلا استثناء سواء كانت أمريكا أو المؤسسة العسكرية أو الرأسمالية المصرية، يجب أن نفهم أولًا أنه مهما كان الدعم الخارجي للانقلاب فإن الحراك على الأرض وكلمة الجماهير على الأرض أقوى من الجميع، ولكي تسقط انقلابًا لابد أن تفهم نقاط القوة لديه ونقاط الضعف حتى تعلم كيف تدير معركتك معه.
الانقلاب في مصر تكمن قوته في ثلاث نقاط:
الدعم المادي وبشكل كبير الخليجي.
والأذرع الإعلامية التي تبرر كل أفعاله.
قوة الحديد والنار المتمثلة في الجيش والشرطة والقضاء.
إن المعركة مع الانقلاب هي معركة لن تنتهي بالضربة القاضية، سيكسب هذه المعركة من يستطيع إفراغ ماء البحر بفنجان قهوة أولًا، من لديه الصبر والإصرار على هدفه وقبل كل هذا الإيمان بهذا الهدف، لم يحدث في التاريخ أن عصابة هزمت شعبًا، لذلك نقول إن القوة الشعبية أقوى من أعتى الأسلحة، الفكرة لا يمكن أن تموت بالرصاص والحرس لا يستطيعون أن يحبسوا النور، والعسكر لا يجيدون سوى الحل الأمني مع كل مشكلة يمرون بها، الحلول لديهم محدودة ومسألة سقوطهم مسألة وقت طالما يوجد من يؤمن بالثورة ويؤمن بحق هذا الشعب في تقرير مصيره.
نعم أيها السادة إنها السلطة البديلة، كلمة الشعب أقوى من أية سلطة ومن أي سلاح، عمال وفلاحون وطلبة، ويجب هنا أن ننحي النخب جانبًا لأنها لا تؤمن بفكرة التغيير في الأساس، راجع مواقفهم جيدًا عقب الانقلاب العسكري لم يعارضه أحد منهم، وكذلك المجتمع الدولي الذي سكت عن قتل الآلاف من المصريين ولم نر لهم سوى القلق لأن مصالحهم مع قمع هذا الشعب، مصالحهم مع الدكتاتورية في دول العالم الثالث، مصالحهم أن تظل تابعًا لهم.
الإيمان بالثورة والإضرابات العمالية والطلابية والاعتصامات العامة والعصيان المدني وفضح كل الفاسدين والقتلة، عندما يصل الشعب إلى إيمانه بحقه في تقرير مصيره لن يقف أمامه أحد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست